الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنقسام الجبهة الإسلامية الحاكمة بالسودان مرة أخيرة (ملاحظات واستنتاجات)

أحمد عثمان

2008 / 2 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الناظر لإنقسام الجبهة الإسلامية وآثاره وتداعياته، تجابهه ملاحظات تقود إلى إستنتاجات بعضها يناقض بعضا في مواضع. ولكن بصفة عامة، من الممكن أن نلخص ملاحظاتنا وإستنتاجاتنا حول هذه المسألة فيما يلي:-

1. ماحدث هو إنقسام فعلي وليس تمثيليــة أخرى شبيهـــة بالعرض السيئ الذي تم تقديمـــه في بدايــــة إنقلاب الإنقاذ، والدلالات على ذلك كثــيرة، منها الصراع الذي ســبق الإنقســام وتوج بمذكرة العشــرة الشهــيرة، وردة فعل الدكتور الترابي بإقصـــاء كل من شارك فيها. ومنها ســلوك التلاميذ تجاه الدكتور وتنظيمه الجديد بعد توقيع مذكرة التفاهم مع الحركــة الشعبيـة، وكذلك إعتزال عدد لايستهان به من الكادر الوسيط للفتنـة وبقاءه خارج دائرة الفاعليـة السياسيــــة، وأيضا ســلوك المجتمع الدولي تجاه الإنقسام وتوظيفه له. ولكن القول بأن الإنقسام فعلي لايعني التسليم بحدود الإنقسام وسقوفــه التي يحاول المؤتمرين إقناع الجميع بها في تلميح غير واقعي بأن إعادة توحيد التنظيمين مستحيلة. ففي رأينا أن عناصر التوحيد المتوفرة تجعل الوحدة تحت ظروف معينة أمرا راجحا إن لم يكن حتميا، كما أشرنا سابقا. والشاهد هو أن التنظيمين مايزالان يصدران عن آيدلوجيا واحـــدة تبحث عن تأسيس دولــة دينيــة هي المشروع المشترك لهما بغض النظر عمن هو الصحيح في تبني المشــروع والمتمسك بالإتجـاه الصحيح في تنفيذه. بالإضافـة إلى أن الطـرفين يقعان تحت تهديد المحاسبــة عن الجرائم التي إرتكبــاها إبان فترة التمكين للإنقاذ في حال سقوط الحكومة الحالية دون أن يحقق الدكتور/ الترابي إختراقـا يعفيـــه وتنظيمـه من المسئوليـــة. فـوق ذلك إن الدكتور/ الترابي وتنظيمـه قد تركا جزءا مـن كادرهما داخل منظمـات المؤتمر الوطني وفي ظني أن هذا الإختراق الذي تحدث عنه الدكتور/ علي الحاج كثــيرا، قد تم على مستوى قيادة الإنقسـام والمؤتمر الوطني وليس على مســتوى القواعـد فقط، وأن أحـد أغراضـه هو تهيئـة المنـاخ لإعادة توحيد الحركة الإسلامية حينما تكون الظروف ملائمة.

2. إن الإنقســام قد تم على قــاعدة خلاف فكــري حول كيفيـة هيكلـة دولـة المشـروع الحضاري وآليات الإستمرار في السلطــة والحفاظ عليهــا، ولم ينبني على رغبة الدكتور/ الترابي في السيطرة على السلطة نتيجة لنوازع وأسباب ذاتية كما يقول البعض. فالصـراع تجذر بين رؤيتين إحداهمـا تبناها التلاميذ وتتلخص في ضرورة إستمرار الدولة الشمولية القائمــة على إقصاء الآخر وتغييبــه وقهــره، والثانيــة تبناها الدكتور/ الترابي وتتلخص في أن مرحلــة التمكــين التي إستدعت الإقصاء كانت إستثناء وأن الدولـة الدينية يجب أن تبنى على الأصل الذي يقوم على إستيعاب الآخرين داخلها مع منحهم هامش حريات تحـدده هي في شكل من أشكال الديمقراطيـة الموجهـة الذي تتبعـه بعض الأنظمـة الشموليــة المجاورة. والمفارقــة هي أن التلاميذ تحت الضغط الداخلي والدولي وفي سبيل قطع الطريق أمام مناورات شيخهم، قد تبنوا عمليا ماصارعوه عليه دون قناعـة ودخلوا على هذا الأساس في إتفاقيات مع خصومهم المسلحين تنفيذها هو آخر همهم. ولعل سلوك التلاميذ هذا هو الذي مازال يشكك البعض في أن الإنقسام حقيقي أم لا .

3. على عكس ماظل يلمح إليه عدد من الكتـاب حول وجود دور للمخابرات الأجنبية في الإنقسام وبالتحديد لدور للسي آي إيه في مذكـرة العشـرة، إلا أنني أعتقد بأن أسباب الإنقسام كانت داخليــة وأن العامل الدولي أتى لاحقـا في مرحلـة توظيف الإنقســام. وهذا بالطبع ليس تبرئـة لتلك المخابرات ولا إحسانا للظن بها، ولكن في إطـار عدم تهويل مقدراتها وإعطاءها بعدا خرافيـا. والشاهد هو أنـه بالرغم من التعــاون المطلق فيمـا يسمى الحــرب ضد الإرهــاب إستســــلاما للضغــوط، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكيـــة مازالت تعـاني في تمرير كامل مخططاتها في السودان، وهي مازالت مصرة على عدم رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولو كانت السي آي إيه هي مدبرة الإنقسام لكانت لها سيطـرة أكـبر على المؤتمر الوطني ولما احتاجت الولايات المتحدة للمؤسسـات الدوليـة لتمرير مشروعها في السودان إلا في حدود إستخدامها كغطاء لنشاطاتها وهذا ليس هو الحال اليوم. أما النظام المصري الذي سوق الإنقسام وحكومة التلامـيذ إقليميــا ولم يتعظ من الخطـأ الإستراتيجي المتمثل في تسويقـه الإنقلاب الأول في العام 1989 ، فهو بالتأكــيد إلتحق بركب الإنقســام بعد حــدوثه بغرض توظيفــه. وبالرغم من علمه التام بأن التلاميذ ضالعين في محاولـة إغتيـال الرئيس مــبارك بل هم مدبريها، إلا أنــه فضــل دعمــهم بهــدف التخلص من الدكتـــور/ الترابي صـــاحب الأحـــلام الإمبراطوريـــة الإقليميـــة والدوليـــة الذي كون المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي وصــدر الرؤساء للدول المجاورة (إدريس دبي مثالا)، وجسـر علاقاتـه مع الحركات الأصوليـة بمستوى شكل تهديدا إستراتيجيا للنظام المصري ودوره في المنطقة. ومعادلـة النظام المصري بسيطـة ، هي أن حلم التلاميذ لن يتعدى اللهاث للحفاظ على السلطة في السودان وأن سقوفه حتى وإن إمتدت لأبعد من ذلك فهم أضعف من أن يتبعوها، بالإضافة إلى أن ضعفهم وحاجتهم للدعم يشكل مدخلا لفرض شروط النظــام المصري السياسيـة ( حلايب وإتفاقيـة الحريات الأربع نموذجا). والواضح هو أن الدول التي إلتحقت بركـاب الإنقلاب/ الإنقسام ووظفتــه، قد حققت نجاحات لاتخطئها العـين إنبنت على قاعـدة واضحــة في السياســـة، هي أن النظام الضعيف بالداخل بحاجــة للخارج للإستعانــة بـه ضد مواطنيه، وبالتالي هو الأفضل للخارج والأكثر إستجابة لضغوطه.

4. فشلت المعارضــة المتمثلــة في التجمع الوطني في توظيف الإنقسام وأهدرت وقتها في مفاوضات وتوقيع إتفاقيات مع التلاميذ، لاتســاوي الحبر الذي كتبت به. فالواضح لكل ذي عينين أن هدف التلاميذ من كل الإتفاقيات التي وقعوها هو إستيعـاب وإحـتواء القوى السياسيـة الأخرى داخل النظام الحاكم، وهو خيار ألجأهم إليه الإنقسـام على غير قناعـة منهم ، إذ أن برنامجهم الأصـلي هو مواصلـة إقصاء وقهر القوى المعارضــة. ويؤكـد ذلك إجتهادهــم في توقيـع إتفاق فردي مع الحركــة الشعبيــة بغرض تحييدها وإلحاقها بالسلطــة، وهو إجتهــاد إنبنى على تحليل سلـيم لموقف المجتمع الدولي الذي تعامل مع مشكلــة الســودان على أنها مجرد صراع بين الجنوب والشمـــال. كذلك فصلهم لملفـات الشرق والغرب ومفاوضة بقايا التجمع على حدة. والنتيجة هي أنهم نجحوا في توقيع إتفاقية نيفاشا مع الحركة الشعبية وحولوا الأخــيرة بموجبهــا إلى مجــرد ممثل للجنوب، وأبرموا إتفاقيــة القاهرة الهزيلـة مع بقايا التجمع والتي أصبحت جسرا للحاق هذه البقـايا بإتفاقيــة نيفاشا من مواقع متخلفـــة وجعلتها تشارك في مؤسسات نيفاشا الشكليــة وبعضها شارك في الحكومـــة، وأيضا نجحوا في توقيع إتفاقيــة مع أحد أجنحــة تنظيمات دارفور ومع جبهـــة الشرق. وبالنظــر لكل هذه الإتفاقيات، نجد أن البند الوحيد الذي يسرع التلاميذ في تنفـيذه هو إستيعــاب قيادات الجهــات المعنية في أجهزة الدولة والبعض في وظائف وهميـــة كمساعد أو مستشار لرئيس الدولـــة، ومن ثم وضــع العصي في دوالـيب تنفيــذ البنود الأخرى على ضعفها. لذلك كان الموقف الإستراتيجي الصحيح لقوى التجمع المعارضـة بعد توقيع إتفاقيـــة نيفاشا، أن تتمسك بمقررات أسمرا، وتبقى في المعارضــة دون الدخول في إتفاقيات هزيلـة كإتفاقية القاهرة، هم أول من يعلم أنها غير قابلــة للتنفيذ. والواضح هو أن بعض قوى المعارضــة قد راهنت على عامـل الضغــط الدولي، متناسيـــة أن هذا الرهان خاسر من وجهين: أولهمــا أن هذا العامل متغير بتغير مصالح الدول صاحبـة القدرة على الضغط، وثانيهما أن سقف هذا الرهان هو التدويل الشامل لقضايا الصراع السياسي السوداني وخروجها عن نطاق سيطرة القوى السودانية المتصارعة كلها.

5. يعمل الدكتور/ الترابي بجد لتوظيف الإنقسـام والإستفـادة منه لمصلحـة مشروعه. فهو من جهة يحاول إعادة تأهيل تنظيمه المؤتمر الشعبي كتنظيم معارض فاعل يسعى لتجسير الهـوة بينه وبين التنظيمات المعارضة الأخرى وقد حقق بعض الإختراقات في هذا الإتجاه، وفي نفس الوقت يشـكل ضغطــا مستمرا على تلاميذه بمناوراته السياسية وبإختراق تنظيمهم من القمـة إلى القاعدة. وفي تقديري أن إعــادة التأهيل من مواقع الممايزة بين سـلوك التلاميذ ونقاء المشـروع المزعوم، يستلزم أكــثر مما فعل الدكتور حتى يسمح لـه بالإندماج في حركـة معارضـة فاعلـة. فالدكتور وتنظيمـــه لم يتقدما حتى هذه اللحظة بالأسباب الحقيقية التي دفعت الجبهــة الإسلاميــة للإنقضاض على الحكومــة الديمقراطيــــة، وأهميـــة هذا الإعتراف تكمن في تقدير صدقيـــة التنظيم في نقده للإنقلاب نفسـه لأن حدوث ظروف مماثلـة قد يدفعه للإنقضاض على السلطــة الديمقراطيــة القادمـة. كذلك لم يكشف التنظيم كل الجرائم التي شارك فيها إبان فترة التمكين ولم يقدم جهدا فكريا واضحا ينتقد فيه مفهوم التمــكين ويخرج به حالــة الإستثناء تلك من أجندتــه حتى نصدق أنه تاب وأناب للأصل وهو الديمقراطيــة والحريــات. أيضا لم يبد التنظيم إستعدادا للمحاسبـة عما تم إرتكابه من جرائم. وفوق ذلك كله مازال التنظيم متمسك بالدولـة الدينيـــة كآيدلوجيا ومشروع مع الزعم بأنه ديمقراطي وهما أمـران لايستقيمان معا. فلتبني دولة المواطنـة كأساس، يحتاج التنظيم لتحول شبيه بتحول حزب العدالة والتنمية التركي وأن يجد تخريجا فقهيا لذلك وهذا أمر لايؤهله واقعه له. والأسوأ هو أن التنظيم برغم نـقده للفساد ولدولــة الفساد، لايقدم تفســيرا مقنعــا حول الأسباب التي حولت أصحاب الأيادي المتوضئـة ونماذج القوي الأمـين لفاسدين، ويريد أن يلقي بهذا الأمـر على شماعة السلطة فقـط دون أن يصل إلى أن ذلك هو شأن السلطــة الشموليـــة لرأس المال الطفيلي تحــديدا. ولـذلك يقف الدكتور/ الترابي وتنظيمه في نقدهم عند المؤسسات الماليـة التابعة للدولة ولجهاز الأمن وضرورة عدم منافستها للناس في الأسواق، ولايعممان النقد لطبيعة نشاط هذه المؤسسات نفسه. وهذا يعني أن الدكتور وتنظيمه يريدان خصخصـة هذه المؤسسات التي تمارس التطفل، وإعادتها للحزب مما يعني أنهما يرغبان في تكريس النشاط الطفيلي خارج جهاز الدولة وتحت مظلة الحزب. وهذا ببساطة يعني إعادة هذه الدورة الجهنمية وبناء تنظيم آخر للنشاط الطفيلي من الممكن أن يثب على السلطة في أي لحظة.

ماتقدم من ملاحظــات وإستنتـــاجات، بالحتم لايغطي كامــل مايمكن إستخراجه من ظاهرة الإنقسام/ المفاصلـة، ولكنه يشكل مجــرد مقدمــة لقراءة أوليــة تسمح بالبنـــاء عليها لإتخاذ مواقف سياسيــة آنيــة وعاجلــة لتصحيح مسار العمل المعارض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا جرى في «مفاوضات الهدنة»؟| #الظهير


.. مخاوف من اتساع الحرب.. تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل| #




.. في غضون أسبوع.. نتنياهو يخشى -أمر- الجنائية الدولية باعتقاله


.. هل تشعل فرنسا حربا نووية لمواجهة موسكو؟ | #الظهيرة




.. متحدث الخارجية القطرية لهآرتس: الاتفاق بحاجة لمزيد من التناز