الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوسف.. لا تُعرض عن هذا

سعدون محسن ضمد

2008 / 2 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


من أهم مسؤوليات مجلس النواب العراقي رعاية العملية الديمقراطية والنهوض بها. ولا شك بأنه ـ وباعتباره السلطة التشريعية في البلاد ـ مسؤول مسؤولية تامة عن أي خلل يمكن أن يلحق بهذه العملية. لكن كيف يمكن لنا أن نتعامل مع الخلل الذي يتسبب به نفس مجلس النواب للديمقراطية؟
هذا سؤال جوهري يفتح الباب على منظومة المشاكل التي تعاني منها تجربة التغيير في العراق. إذ لا يمكن لنا أن نتجاوز المرض عندما تتحكم بعملية تجاوزه مؤسسة مصابة بفيروسه. مشكلة التناقض هذه تفسر لنا وبسهولة أسباب دوراننا في حلقة مفرغة. جميع سياسيينا ومثقفينا ممتعضين من المحاصصة الطائفية. لكن أغلبهم غارق لأنفه بهذا الوباء. الجميع يدعوا للانفتاح على الآخر وتقبل الاختلاف، لكن لا أحد منهم يستطيع أن يصمد لدقائق بتجربة حوار مع أي مختلف. الكل أيضاً يتحدث عن التمسك بالحريات لكن من يستطيع أن يتحمل تبعات هذه الحريات بصدر رحب؟
قبل أيام تجرأ صحافي عراقي وكاتب أحد أعمدة الرأي المهمة على انتقاد تصريح نائبة برلمانية قالت بأن المخصصات المالية الممنوحة للبرلماني لا تكفيه. وكان أن رد مجلس النواب معترضاً على هذا الكاتب بأن افتتح إحدى جلساته بالتهديد والوعيد لمثل هذه الجرأة، والسؤال الجوهري هنا يقول: كيف يفهم السادة في مجلس النواب دور المثقف النقدي؟ ماذا ينتظرون من كاتب يحترم نفسه أن يفعل وهو يشاهد بلده يحترق على من فيه؟ متى يصدق سياسيونا الحاليون (ومعارضوا الاستبداد السابقون) بأن عصر (المثقف) المُطَبِّل انتهى.
المفارقة المذهلة أن الكاتب الذي أتحدث عنه هو مسؤول الصفحة المخصصة للبرلمان في صحيفة الصباح. ما يعني أن واجبه الأساس هو تغطية أخبار مجلس النواب ومراقبة أدائه، مما يفرض على مجلس النواب أن يكون مهيأ لتقبل الانتقادات التي تنشر بهذه الصفحة. لكن ماذا نفعل مع نواب لا زالوا يعتقدون بأن الصحافة خلقت لتغطية أخبار القادة (الضرورات).
المضحك أن بعض النواب الذين قادوا الحملة ضد مسؤول الصفحة ممن أمضوا السنين الطوال في المجتمعات الغربية التي لا يمر فيها يوم دون أن يشهد إعلامها الحر حملة أو أكثر ضد مسؤول في الحكومة أو عضو في الهيأة التشريعية أو مدير في بلدية.
على كل حال لم تمكن المشكلة التي أثارها عمود يوسف المحمداوي بكونه متعلق بتصريح (موثّق) لنائبة في البرلمان، ولا كانت المشكلة في أن النائبة أنكرت تصريحها الموثق لدى الصحيفة، ما يعني أنها كذبت! ولا تجسَّدت المشكلة بتنحية جريدة الصباح لكاتب العمود عن مسؤولية الصفحة. كانت المشكلة متمثلة بالحديث (الخائف) الذي سمعته يدور في أروقة الجريدة عن تدخلات عالية المستوي تجري لتأديب جريدة الصباح ومنعها من التطاول على السياسيين مرة أخرى.
مثل هذا التطور مخيف لدرجة كبيرة. وهو بالتأكيد يدفعنا للتساؤل عن الجهة المسؤولة عن ضمان حرية الرأي؟ حقاً: من هي الجهة التي يجب عليها أن توفر للكاتب كامل الظروف التي تتيح له أن يراقب وينتقد؟ من هي الجهة المسؤولة عن حماية حق المثقف المهدور؟ المثقف الذي لم يصل لمنصبه في الصحيفة بقدرة قادر، كما حصل مع شاغلي أغلب كراسي البرلمان، المثقف الذي لا يستطيع أن يسكت إزاء الهدر الذي تتعرض له دماء العراق وثروة العراق وكرامة العراق. كما يفعل أغلب النواب. المثقف الذي لا يضع صوته ورأيه وعقله رهنا لإشارة أحد، كما يفعل بعض أعضاء البرلمان مع قادة كتلهم.
من يدافع عن المحمداوي وهو خلوا الآن من أي حصانة دبلوماسية (أو مالية) أو (ميليشاوية)؟
وبمناسبة الكلام عن الميليشيا المسلحة ننتظر من الأعضاء الذين انتفضوا ضد المحمداوي (المثقف) أن ينتفضوا نفس الانتفاضة ضد أي (ميليشياوي) مسلح نجح بأن يحسب عليهم أنفاسم ويبقيهم داخل مساحتهم الخضراء. يفترض بالسادة النواب أنهم يعرفون بأن الحرب الحقيقية بينهم وبين المسلح وليس بينهم وبين المثقف، ويفترض بهم أن يشجعوا المثقف على الانتقاد اللاذع حتى يستطيع بقلمه أن يكسر لهم السجن الأخضر الذي يرتجفون داخله.
يفترض بمجلس النواب أيضاً أن يتحرى عن الموضوع بشكل دقيق قبل أن يحوله إلى قضية يكون هو خاسرها الوحيد، عندما تصرح نائبة بالبرلمان بأن المخصصات المالية الممنوحة لها لا تكفيها فهذا أمر طبيعي وعندما يسخر كاتب عمود من هذا التصريح فهذا أمر طبيعي أيضاً. لكن عندما يحرك مجلس النواب جيوشه لسحق الكاتب ولا يحرك أي ساكن بخصوص البرلمانية. فهذا هو التصرف غير الطبيعي وغير اللائق.
الآن أنا أتحدى النواب الذي حاصروا يوسف بأن يفعلوا أي شيء لأي سارق يمتلك ميليشيا تحميه حتى من همسهم ويسيطر من خلالها على أموال وزارة من الموزارات. ألا يعلم السادة النواب بأن آبار النفط والموانئ والوزارات موزعة بين المسلحين؟
أمثال يوسف المحمداوي كانوا ولا يزالون أشجع منكم، تصدوا لكل الذي تخافون حتى من الهمس عنه على الرغم من الفارق بينكم وبينهم بالحصانة والحماية والمال والسلاح. وأمثال يوسف لن يسكتهم لا إغلاق جريدة الصباح ولا إخافتها، فنحن يا سادة نعيش عصر الانترنت، وهذه التكنولوجيا أنقذتنا (أخيراً) من سياسة كتم الأنفاس، نعم يمكن أن تكون الصباح تحت سيطرتكم، لكن ماذا ستفعلون للصحافة الألكتورنية ماذا ستفعلون للحوار المتمدن أو كتابات أو إيلاف أو أو أو الخ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغوطة السورية .. قصة بحث عن العدالة لم تنته بعد ! • فرانس 2


.. ترشح 14 شخصية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في إيران نهاية ال




.. الكويت.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصب


.. حماس ترحب بمقترح بايدن لإنهاء الحرب.. وحكومة نتنياهو تشترط|




.. الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.. مزيد من التصعيد أو اتفاق دبلو