الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإلتفات الى العقل

وديع شامخ

2008 / 2 / 4
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في البدء يجب أن نحدد تصورنا الخاص عن الديمقراطية في عراق المستقبل، فالديمقراطية ليست مسألة نظام حكم أو مجرد فكرة سياسية بحتة أو لفظة تكتب علي الجدران لتتحنط،، إنها تصور شامل عن الإنسان والكون والحياة، بمعني أنها منهاج للحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية في المجتمع، وبعبارة أخرى الديمقراطية في عراق المستقبل هي الأنموذج الحضاري الشامل.
إنها ممارسة شعبية حرة وواعية، أول شروطها ، ليس في قاموسها سواء علي الصعيد السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو الفكري ما يمكن إعفاءه من النقد، فجميع أفراد المجتمع العراقي أحرارا في المساهمة في كل المجالات ولهم حق الحصول علي المعلومات الصحيحة عن حالة مجتمعهم، إذ لا أحد فوق القانون، وبهذا الفهم فإن الديمقراطية أعمق من أن تكون مجرد أماني أو حلم يوتوبي يشكل ظلا للمطالبة بالحرية المطلقة فالرغبة في الحرية قديمة جدا وتتكرر في خطاب الحاكم والمحكوم، بعد أن أقلقت الديمقراطية حتي ألد أعدائها الذين اصبحوا يستعملون التهريج الديمقراطي للتعبير الزائف عن حقيقة الأمر.
الديمقراطية في عراق المستقبل لا يمكن أن تنشا من فراغ ولا تعيش في فراغ، إنما تقوم علي واقع الأمور وتعبر عن إيمان حقيقي بها، إن نجاحها يتوقف علي توافر المواطنين علي التربية اللائقة والعادات والشجاعة الكفيلة بتسييرها، فهي نظام ديناميكي متجدد كالسير في الطريق إلي الأمام فإن لم تقدم رجلا لتسند الأخري فلا مناص من السقوط، إنها عملية تكافلية إذن، تعتمد علي الوعي والإرادة في صياغتها وتنفيذها، ومن البديهي أن يتم مثل هذا الأمر في إطار دولة دستورية تقر حقوق الإنسان،ومثل هذه الدولة العراقية المستقبلية لا يسعها ــ منطقيا ــ أن تخلق امتيازات و افضليات بسبب العرق أو المذهب أو الدين، أو أنها تفرق بين الرجل والمرأة في ممارسة الحقوق السياسية والثقافية والعائلية كما لا يمكنها أن تصدر قوانين تحدّ من حرية الرأي والمعتقد. الديمقراطية في عراق المستقبل تثق بطبيعة الفرد العراقي لأنها تسعي إلي التوافق بين مختلف النزعات والميول البشرية المتناقضة والتي تشكل المجتمع العراقي المتنوع قوميا ودينيا وطائفيا عبر التركيز علي الحرية التي تسمح للمواطن ــ أي مواطن ــ للتعبير عن رغباته المشروعة، وليس هذا بجديد عن العراق، فلنعود قليلا إلي تاريخ العراق القديم لنجد أن (ما تحقق للعراق قديما من الحضارة العظيمة ليس بسبب وجود طبقة أرستقراطية حاكمة متنفذة ظالمة، بل بسبب وجود مجتمعات حرة وجدت في تطوير الزراعة والصناعة ووسائل النقل والهندسة والتجارة وفنون الحرب والقانون تعبيرا عن طاقتها الإنسانية فأبدعت مثل هذه الحضارة).
الدولة العراقية الدستورية في عراق المستقبل ستعبر عن الجهد الواعي لتحديد إمكانيات الأفراد عبر الدستور الدائم الذي سيكون هو القانون الأساسي البلد المستمد أصلا من إرادة الشعب الواعية، فعندما تسعي الديمقراطية إلي طرح المثل من واقع الشعب العراقي فإن الدستور سيكون هو الإطار الشامل للحلم والواقع، دعونا نشبه الدستور بجذع الشجرة ولنتطلع إلي أغصانها وما تحمله من ثمار الديمقراطية التي هي زرع الشعب العراقي وحصاده، وحتي لا نعزل عراق المستقبل عن خارطة العالم الحر ونهمش دوره الحضاري و الإنساني علينا أن نلتفت إلي إنجازات العقل البشري في صياغة بنود حياته الحرة والآمنة والاستفادة منها وبالاحتفاظ بخصوصيتنا العراقية وظروف شعبنا وطبيعة الفرد العراقي الخلاقة وحتي نقطع الطريق أمام (العباءة الديمقراطية) ومراكز القوي ومصالحها المستقبلية الضيقة علي حساب العراق الواحد الديمقراطي الحر علينا أن نفهم الديمقراطية عملية إنسانية غرضها تحقيق إرادة الشعب المتطورة في التقدم نحو الحرية والمساواة والأخاء.
وبما أن العراقي الآن قد كف كليا عن ممارسة الحياة الدستورية الديمقراطية طوال ما يزيد عن ثلاثة عقود من الزمن، هي فترة حكم البعث الصدامي للعراق ولحد الآن، علينا أيضا أن نشير إلي الصعوبات الكبيرة التي يحتملها المشروع الديمقراطي لعراق الغد، معولين علي الفطرة بالحرية والوعي بممارستها لأن الدستور العراقي الجديد سيقدم وجبة من العدالة قد لا تهضمها معدة الحكام والمستضعفين معا، فلنتصحف معا ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي أعلن في الوثيقة التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من كانون الأول (ديسمبر) 1948.
تقول الوثيقة للمواطن الحق في(حرية الانتقال، وحرية الرأي، والمعتقد الديني، وحرية التعبير والنشر، وحرية التأسيس العائلة، وحرية اختيار العمل، الحرية السياسية، علي أساس المساواة واعتبار السلطة مصدرها إرادة الشعب، الحرية بالعدالة الحق بالأمن والطمأنينة، الحق بالكرامة الشخصية والمنزل، الحق بالتملك، الحق بالراحة اللازمة وبالعيش الكريم، الحماية من البطالة مع رعاية خاصة للأمومة والطفولة، عدم الاعتقال، أو التوقيف دون محاكمة، الحق بالثقافة وبالمشاركة الحرة في حياة المجتمع الثقافية، حماية الملكية الأدبية والفنية، حق المضطهد في بلد ما أن يلجأ إلي بلد آخر، الحق بالثورة أو العصيان عند الضرورة علي الاستبداد والطغيان).
عراق المستقبل يعي هذه الحقوق ولكي نرسخ لها علينا بدستور يحفظ حق المطالبة بها بإطار جماعي ونعني التعددية الحزبية أو لنكون أكثر دقة التعددية الفكرية،فالتعدد ضمن إطار الدستور يعني أن العراق روض أزهار بعطور مختلفة وعلي طريقة المثل الأعلي( أنا اختلف معك في الرأي لكنني سأموت من أجل الدفاع عن رأيك) بهذا الفهم للتعدد نري أننا معا في خدمة العراق.
في دستور عراق المستقبل حق الانتخاب والتصويت علي المرشحين الذين يتوالون علي وظيفة الحكومة، إذ لا إرث ولا وصايا علي حكومة الجمهورية العراقية مستقبلا فصناديق الاقتراع أو غيرها ليست نزهة للمرشحين، بل إنها امتحان عسير لخدمة الشعب، هكذا نرى الديمقراطية كمثال عال لدستور يمثل الميزان الأوحد، فالديمقراطية وكما يذهب المثل الصيني علي أنها إنارة الجانب المظلم بالشخصية الإنسانية ووضعها تحت الشمس (أن أظلم نقطة في الغرفة هي التي يقع عليها ضوء الفانوس) .الديمقراطية مجسدة بالدستور هي الأضواء الكاشفة والتي ستسمي بالاسماء بحقيقتها الغائبة أو المعطلة لا سيما وأن العراق لا يحتمل بوضعه الحرج والدقيق فوات الفرص.
فهل تضع الإدارة الأمريكية مثل هذا التصور في أجندتها المستقبلية والتي نفترض إن المستقبل هو من صنع العراقيين المؤهلين لفهم المصالح المشتركة للعراق مع كل القوي الدولية ولا سيما أمريكا التي ساهمت بشكل فعال بالقضاء علي النظام الدكتاتوري الصدامي؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: مزارعون في الهند مصممون على إلحاق الهزيمة بالحزب ا


.. السباق إلى البيت الأبيض: حظوظ ترامب | #الظهيرة




.. ماهو التوسع الذي تتطلع إليه إسرائيل حالياً؟ وهل يتخطى حدود ا


.. ترامب: لم يتعرض أي مرشح للرئاسة لما أواجهه الآن | #الظهيرة




.. -كهرباء أوكرانيا- في مرمى روسيا.. هجوم ضخم بالصواريخ | #الظه