الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة من موسكو: وداعا ماريا

محمد نبيل

2008 / 2 / 5
الادب والفن



على فراش الموت، قررت ماريا أن تتحدث معي عبر الهاتف. لقد قتلها اليأس والشغف العنيف منذ أن قررت العيش في قرية ينقرض سكانها يوما بعد يوم. أحسست بوجع غير معهود حين نطقت:
ـ قل لهم جميعا، إن الموت في رحاب الحياة شجاعة. لوكنت طفلة صغيرة ،لقررت الهجرة الى مكان ما ،في زمن ما ، حتى لا أرى اليائسين و الخائفين، يتربصون بقطعان الماشية . أعرفهم واحدا واحدا، لكن قل للبعض منهم، أحباب المصائب والكُرُبات ، العاشقون لهمسات الغبن كل صباح، ليست الشيخوخة إلا حالة نفسية عابرة ، والعمر مجرد كلمات جوفاء لا معنى لها، صنعها الجبناء حتى يقتلوا الزمن ويحاصروه بلغة الأرقام.

ماريا لا تريد أن تنصت الى ردودي ،غيرت اللهجة و اللكنة و كل الكلام . فرضت علي الصمت في النهاية، من حيث لا أدري.
ـ حان وقت الفراق، أنا الذي عشت أكثر من مائة عام، لا أبالي إلا بأطفال ملوا من معاني الحياة، وانهزموا أمام طوفان من الضجيج. لقد علمتني سنوات العمر البئيسة، أن لحظات النهاية ، تسقط على خط البداية . لقد لفظت صديقتي كلاوديا أنفاسها ، في غرفتها الواقعة خلف كنيسة الريح، لم يأت القس في موعده . رحلت كلاوديا قبل أن تهديه قبلة الوداع ، وهي التي كانت تعشق سماع نبرات صوته كل يوم أحد . هناك بالطبع زمن آخر، و كائنات لا يصنعها الورق أو الخشب الذي دمرته الرطوبة. هناك، سأرى نعمة الوجود.

لو عندي أكثر من ساعة في عمري، لقلت الكثير من الكلام. سأصرخ في وجه النائمين و الراقدين تحت التراب، و فوق الأشجار. سأقول للأشباح ، سأقول لهم جميعا : المجهول يفزعكم ….الحياة تمنحكم لغة الوهم . لقد أصابها مرض خبيث ، يسمى حب الخلود . لنقَبِِل بعضنا البعض، و لنقل كل كلمات الحب و الود، و لا نترك لعلماء اللغة فرصة لخلق الكلمات بالنيابة عنا. كلو و اشربوا وبادروا الى الصلاة ، من أجل الحكمة . نازعوا الحق للحق ... سامحني لو قلت لك أن هذه المكالمة القصيرة، ستكون آخر فرصة لك كي تسمعني. كلامي ستجده بين طيات فسيفساء بيتي ،حتى تتذكره وأنت تواجه خيوط العنكبوت.

لقد أخذتُ العبرة منك، عندما كنت تقاوم لهيب النار و سلطة الجدار و أهواء الضائعين. لن أنساك ولو رفضوا أن يسلموا جتثي إلى الديدان . كم رأيت من أناس أحرار لم يكونوا بالأمس القريب أحرارا .

أردت أن أحاول مقاطعة ماريا مرة أخرى. لم أفلح، كان صوتها كالبركان. ردت من جديد على صمتي:
ـ لقد برهنت لأصدقائي أن مسيرة الحب و العطف، ضعف إنساني بامتياز، انزعجوا من كلامي و طردوا كل رسائلي من واحاتهم، حتى أصبحت أكتب لنفسي فقط. من يعري الجسد، لابد له أن يكتشف عورة الخوف و مرارة الوحشة. لا تتنكر لسؤال الحياة، و واجه القدر بشجاعة فلسفية نادرة، ضد محن أعظم مما أنت عليه، ومِحن أقسى مما مرت بك.

فتحت فمي بجرأة، لأجيب ماريا، لكن القرار كان متأخرا. لقد أغلقت الخط وراحت!
محمد نبيل المغترب دوما
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نابر سعودية وخليجية وعربية كرمت الأمير الشاعر بدر بن عبد الم


.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24




.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو