الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة منتصف الليل

محمد البوزيدي

2008 / 2 / 6
الادب والفن


عتبات الطريق
على جنبات البحر الهائج يعانق النزيف الداخلي المر، ويسترجع الذكريات المؤلمة، ويحاول معانقة الغد الذي يهرب منه دون قدرة على ملاحقته .
هكذا ينبعث فيه إحساس داخلي خاص بالانهيار، لقد أصبح فريد إنسانا تائها حتى عن ذاته، أنهكته طول مسافات الزمن الرهيب التي لا تصر على الانتهاء، حتى حين اعتقد أن ابنه جاهز لتحمل مسؤولياته وأخذ مشعل مسؤولية المنزل ليواصل المسير باسم العائلة التي تذكر في كل مكان من المدينة، إذا به يكتشف أن ابنه خذله، فقد أصبح طينة من عيار آخر لا توافق جيناته الخاصة التي يدعي اتصافه بها منذ طفولته: الصدق، احترام الآخر ، الطيبوبة ...............
ومع كل سيجارة شقراء جديدة يسحب أنفاسها من علبة كازا التي تجاوزت النصف في ظرف ساعتين كان يردد لازمة خاصة، ماذا فعلت؟ هل كان الحرث غير صحي، وطبيعي لأحصد فزاعة رهيبة تزورني كل لحظة دون أن تبتعد لأنساها ولو هنيهة؟ لقد أصبح يضاجع أحزانا لا تتوقف منذ سنة سنة عودته من حج مفاجئ بالمجان.
كانت البداية حين حذر ابنه من مغبة البقاء حتى وقت متأخر من الليل في الشارع العمومي، لكن عوض أن يجيب أباه مطأطأ رأسه وخجلا من التجول المجاني في ساحات لا يجتمع فيها سوى رفقاء السوء، كان الجواب شيئا آخر، إذ نهر الأب قائلا له : هذه آخر مرة تحاول معاملتي كطفل قاصر وأخرج لهيب عينيه كما يخرج الأسد لسانه الرهيب ومضى .
تراجع الأب للخلف وسط ذهول باقي أفراد العائلة مخافة حدوث الأفظع الذي لا يخرج عن احتمالين:
الأول :معاقبة الابن الذي تجاوز 20سنة بضربة قد تؤدي لإعاقته
والثاني :دفاع الابن عن نفسه وهو في حالة هيجان خاصة فيصبح الطرفان على قدم المساواة لا ينقصهم إلا الحكم الذي ستقوم به الأم الخائفة من ردود فعل الطرفين .
كظم الأب غيظه، وزاد من الأمر محاولات الأم التخفيف من آلامه النفسية بمبرر أن الابن مازال غير ناضج وأن سوء الأدب هذا مرتبط بمشاكل نفسية خاصة به، وتبعات المراهقة التي اكتسحته بشكل رهيب.
لكن وفي الغد وعوض أن يخجل الابن أصبح سيد المنزل ، يتصرف في المنزل كثور هائج منطلق من عقال كان يقمع تحركاته المختلفة..مستفيدا من دروس مولها أباه في رياضة الكاراطي .يصيح هنا وهناك لأتفه الأسباب، لا يكلم الأب إلا لماما، يبتز الأم للحصول على أموال...يعاقب إخوته بكل حرية على أخطاء وهمية .
ومن يوم لآخر أصبحت العادات السيئة تخترق ابن العشرين ربيعا :تدخين مخدرات،تحرش بالراجلين في الحي ، بل يدخل مخمورا للبيت في مابعد منتصف الليل .
حاول الأب نقاش الموضوع معه، لكنه كان يحاور حجرا صلدا قويا ثابتا على مواقفه كالحجارة المتراكمة على السفوح، بل توج بطولاته الوهمية بمغادرة المدرسة، مما أصيبت معه الأم بأمراض مختلفة ناتجة عن الصدمات المتعددة التي تتلقاها يوميا .
أصبح الأب في حيرة من أمره فقد أصبح يخشى على نفسه، فكر في الابتعاد عن المدينة لتغيير أجواء ابنه لكن العمل في الوظيفة العمومية يمنعه من ذلك.
اهتدى إلى تغيير المنزل للابتعاد عن الجيران الذين كانوا سببا في أمر ابنه لكن الأمر سيان، فأكيد سيبحث عنهم .
توالت الشكايات على الأب من تصرفات ابنه، لكنه أصبح يظهر كمغلوب على أمره، فقد فقد السيطرة عليه واستسلم نهائيا، بل أصبح يفضل الابتعاد عن المنزل مؤقتا إلى الليل مع ترك المصروف المنزلي لزوجته لكنه طرح سؤالا على نفسه : لكن حتى متى يستمر هذا الوضع؟؟؟؟؟
ذات يوم وبينما كان نائما، إذا بطرق قوي على الباب، إنه الابن الذي يصيح للدخول، فتحت الأم الباب لكن عوض الذهاب إلى فراشه اتجه للأب يوبخه بكلام غير مفهوم دون أن يقدر أحد على التدخل.
لم يجد الأب حلا آخر سوى مغادرة المنزل والاتجاه إلى أحد أفراد الشرطة ليطلب منه حمايته، لكن حين استغربوا للطلب واستهزؤوا منه اقترح على أحدهم الذهاب معه لسحب أحد البطانيات، وفعلا أخذ فراشين وغادر المنزل في الساعة الواحدة صباحا، واتجه إلى أحد المقاهي الشعبية التي تجاور موقع المومسات بالمدينة ،وحين طرق الباب لم يكن صاحب المحل سوى شخص متقدم في السن مثله لكن فرق أن المستقبل للمرتحل من منزله هو صاحب المقهى ، رحب به فهما يعرفان بعضهما البعض وتتشابه قصصهما المثيرة التي أصبحت على كل لسان .
حين أسند جسده الهزيل غادرته الأحلام الذي كان يستمتع بها كل يوم، شرد بذهنه بعيدا، لكنه لم يدري كيف تذكر يوما أنه وقع في نفس الموقف مع أحد أفراد عائلته قبل عشرين سنة .
حينها زفر زفرات عميقة مصحوبة بدموع تمتلئ ملوحة أحزان عميقة وقال: هل التاريخ يعيد نفسه ؟
سأله صديقه: ماذا قلت ؟؟؟؟؟
أجابه : لا شيء فقط قلت لك : تصبح على خير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نشرة الرابعة | السعودية.. مركز جديد للذكاء الاصطناعي لخدمة ا


.. كل الزوايا - د. محمود مسلم رئيس لجنة الثقافة والسياحة يتحدث




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -شقو- في العرض الخاص بالفيلم..


.. أون سيت - هل ممكن نشوف إيمي معاك في فيلم رومانسي؟ .. شوف حسن




.. حول العالم | لوحات فنية رسمتها جبال الأرز في فيتنام