الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة بن سباهي ....الجزء الخامس عشر

عبد الرزاق حرج

2008 / 2 / 11
سيرة ذاتية


أقل أحداث الطفولة أهمية ,تجارب تافهة نسيتها منذ زمن بعيد ,عادت لذاكرتي مكبرة بشكل أرعبني للغاية ....ثوماس دكونسي ...كاتب ومدمن بريطاني ..

حلت ظلمت المساء حين أنهينا الحوار ..أنا ومسؤول اللجنة المحلية ..يتحدث بلغة تعريفية وتوجيهية مألوفة وعربية صافيه ووجهه كتجعدات موج البحر يتلون ويمحي أثار الرمل عندما يبتسم ..عيناه رملية محفورة على وجهه المثلث لكن شعر رأسه منفوش وغير منتظم على كتفيه العريضة وقامته القصيرة لابسة بنطال صيفي خفيف وقميص رصاصي أطرافه السفلى تحت البنطال الآسود وحذائه الحني غير مصبوغ لكن نظيف بدون شرائط ..رجل يتسابق عمره الى الخمسين ..أنسحبنا من جلست قاعة الآستقبال ..وقفنا أمام قلم التسجيل ... مرت من أمامنا وجوه نسائية جميلة بمؤخرات دافئة بالبنطال الكابوي ويزر الصدور العالية والنهد والحلمة قمصان شفافة ..ودعن المسؤول الحزبي والقلم بأصوات كردية ..ذهبن الى ديارهن ..خرجنا الى حديقة المقر الكبيرة والمحصورة في البناية ..حديقة تزين نفسها بالثيل الآخضر والآشجار الصغيرة عند نهاية الحديقة قربها( صيوان ,)طويل مشابه بمضايف عشائر العرب ...قال لي المسؤول الحزبي ..أمام فتحت باب الصيوان ..هنا تنام وتأكل ثلاث وجبات من الطعام يوميا ..لكن لي رجاء عندك ..الآلتزام في مواعيد الطعام والنوم ..بينما يودعني ..شغيلة المقر أدخلوا مناضد العشاء الى الصيوان ..أكلت مع الشغيلة الحساء الحار والمرق والخبز الكردي وشربنا الشاي ,,كانت تشاركني الطعام وجوه عربية هاربة من النظام .بدقائق معدودة غابت مناضد الطعام ..فرشت أرضية الصيوان الصلبة بسجاد مستعمل ونظيف عالي السمك ومخدات عريضة وبألوان طبيعية وفراش أسفنجي تعلوه أقمشة قطنية سادة..كانت عيناي تنظر الى هكيل الصيوان الحديدي المسقوف على طوله وعرضه بقماش سميك وثخين وعلى سطحه الخارجي نايلون يطوق( الجادر, ) ..ظلت عيناي تطارد أجنحة النجوم الفضية بمتعة ونفسي ذكرتني ب( حنا مينا,) ..بقوله..(البحث دائما في سواد الآشياء عن نقطه مضيئة )..جاء شخصان عربيان من قاعة التلفاز ..بعدما أدوا التحية جلسوا على فراشهم أمامي ..عرفت أنهم عسكريون كبار هربوا من وحداتهم العسكرية ..سلموا أنفسهم الى محلية كركوك في السيلمانية ..تمدت والآحزان العميقة لاتنام ..لا أعرف لماذا,,, ذكرني هيكل الصيوان الحديدي بعمال الحديد الذي كنت واحدا منهم في بناء سقوف البنايات الضخمة ..كان يطلق علينا عمال (الشيش,)..تعرفت على أحد أصدقاء بن (بندر,)..في أيام دراسة المتوسطة في بداية السبعينات.. بيتهم قريب الى مدرستي ..العائله مكونه من أشقاء وشقيقات الوالدة والآب ماتا مبكرا ..الوالدة تفانت في العمل وتربية الآطفال ..عندما كبروا أولادها أخذوا حرفة (الحدادة) من أشقائهم الكبار من غير أم ..أشقاء صديقي الجديد الكبار لهم مكاتب ومقاولات للبناء معروفة ببغداد
أنا وصديقي الجديد في نفس العمر ..يتصف بالنشاط والهدوء والخجل ..كان وسيما وجميلا كوجوه أبطال أفلام هوليود بشعر رأسه الطويل النازل على كتفيه القوية قامته تعلو قامتي بعدت سم ..درس الآبتدائية والمتوسطة والآعدادية خارج مدينة الثورة بتفوق..برز كممثل للتنظيمات الطلابية التابعة الى الحزب الشيوعي العراقي في المتوسطة والآعدادية في منتصف السبعينات ..في العطلة الدراسية أخذني الى أحد مواقع العمل في نادي العلوية ..كانت تجري تعميرات وتصليحات داخل أحد الآقسام للنادي ..كان واقف( أسطة,) فوق أحد البراميل بجانب الجدار الذي يبنى من الطابوق والسمنت والجص ..في يديه شاقول البناء والفأس وخيط أبيض رفيع يمتد على عرض الجدار الجديد ..كل عمال البناء والحديد لاترى الآقسام الآخرى لكن نسمع أصواتهم ..يصطف بجوار الجدار الجديد بناية عالية ذو منافذ زجاجية ..بدأت برمي الطابوق الى الآسطة ..الأولى وقعت على الآرض ..الثانية في يد الآسطى ..صاح بي الآسطى( أشمر الطابوكة أقوى,) ..الطابوقه الصفراء وزنها أكثر من كيلوغرام وطولها أكثر من ثلاثين سم وجوانبها حادة كشفرت سكين ..مسكت الطابوقة من أحد جوانبها باصابعي العشرة وقذفتها بقوة ..عبرت رأس الآسطى وحطت بطيرانها الثقيل على نافذه زجاجية ..تطاير الزجاج ..بعد دقائق خرج رأس من الشباك المحطم بوجه عصبي ..قال ألينا من منكم قذف بالطابوقة . ساد الهدوء.بقينا صامتين لثواني ..تقدمت ووجهي مرفوع الى الآعلى ..قلت أنا ..قال لي ..يول أنت شنو أهنا ..قبل أن أجيب ..أجابه الآسطى ..أستاذ هذا ولد جديد بالشغل .و(هذا أول يوم يشتغل ويشمر طابوك )..قال أنا ما أعرف جديد (عتيك,) (..مرة ثانية أذا صارت مثل الآولية ..تره رصاصة بالراس ..سمعتوني زين) !!!.. سحب رأسه الى الخلف ونسمع طراطيش لعناته لنا ..أمرني الآسطى في تقديم السمنت ..تكلم معي بعصبية وخوف ..( يمعود ..أنوب نبلش ويه التكارتة,) ..أنتقلت في بنايات جديدة في الصالحية ومنطقة 52 .. في الشمس العمودية..صديقي يفرش خرائط سقوف الحديد على سطوح البناء ..يرقم بطباشير السطوح الخشبية لبناء جسور وحصائر حديدية ..ينزل من السطوح ..يمسك بيده مفتاح حديدي طوله ربع متر أطرافه على شكل حلقات مفتوحة ..تعض أحد أطراف المفتاح شيش الحديد الرفيع ..تصبح قطعة حديدية مربعة ..أو لوي أطراف شيش الحديد الغليظ بمفتاح أكبر..تسمى .(.كونيه وكوشه وكرسي وسيبايه,) كلها تربط بسلك حديدي رفيع أبيض بمساعدة ملقط أو كماشة حديدية الصنع رأسها كاطراف السرطان المائي ..يقف مع العمال حول زيادة الآجور ومطالبته حول الحقوق للعامل المريض ..أختطف من أعدادية النيل في نهاية عام 79 من قبل أمن الثورة ..بعد أطلاق سراحه..هرب الى ليبيا ..ترك العمل في ليبيا وألتحق في صفوف الحزب في سوريا ثم لبنان تدرب مع المليشيات المسلحة الفلسطنية واللبنانية ..سافر الى بلغاريا في مهمات حزبية ..تعرض الى حادث بشع ..أعاقه من حركة جسده القوي ثم هاجر الى السويد ..الساعة الثامنة صباحا ..أستيقظنا على صوت الحرس وهو يطالبنا بلم فراشنا سريعا ..لآن الفطور جاهز ..ذهبت الى المغاسل والتواليت الغربي ..أنهيت فطوري ..توجهت بأنتظار مسؤول الحزب قسم العربي ....جاء متأخر وسحنة وجهه الخمري تغطيه نظارات طبيه تلبس قامته الرفيعة والطويلة ملابس صيفية بسيطة ..أستقبلني ببرود ..تحدثنا عن الوضع في البلد ..وبياض عينيه تبرق من وراء زجاج نظارته الطبية ..يتكلم بهدوء ويجدل في مستقبل العراق القادم ..حول الديمقراطية القادمة !!!..كان رأسي يطوف به الدق كدق يد الهاون في وسط مساحته الذهبية ..سألته ..أنتم ماذا تفعلون هنا ..أجابني بأرتباك ..نحن ..نحن ..نريد نزيل النظام ونضع البديل الديمقراطي ..قلت له بحسرة ..تصور كل أتباعكم الذين بقوا أحياء في بغداد ..يشربوا ويغنوا ..روحي حلاوة ليل محروكه حرك روحي ..في كل خميس من الآسبوع !!!..ظل ينظر لي بعصبية ..قلت له ..أنا لي زيارات في المدينة الى بعض الآصدقاء بالسجن ..ودعته وخرجت من غرفة الرفيق الى خارج المقر...ووصايا المسؤول تذكرني بالحيطة
والحذر من الآشياء الغريبة ..يتبع


الصيوان ..تعبير شعبي ..هو قماش سميك وكبير وعريض ينصب للموتى او المشاكل العشائريه ..أو يسمى جادر الفاتحة ..لقراءة الفاتحة على الميت

حنا مينا ..كاتب روائي سوري

الشيش ..يطلق باللهجات الشعبيه على الحديد

بن بندر ..سبق تحدثنا عن هذه الشخصية في أحد الآجزاء السابقة

الآسطة ..صاحب الخبرة في المهنة

أشمر طابوك ..أقذف طابوق

نبلش ويه التكارتة ..نتورط مع عشيرة التكارته ..هي عشيرة ذو نفوذ كبير في السلطة السابقة

عتيك ..قديم

كونية وكوشه وكرسي وسيبايه ..هي تسميات لا اشكال الحديد في بناء السقف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من