الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيُّ حراك وأية تفاعلات أحدثهما تقرير فينوغراد على الساحة السياسية!

احمد سعد

2008 / 2 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


مما لا شك فيه انه سيكون لتقرير فينوغراد حول الحرب الاسرا-امريكية على لبنان، اسقاطات وتأثيرات على طابع ووتيرة الحراك السياسي في اسرائيل ولبنان، وعلى ساحة الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني – العربي في المنطقة. فمن حيث الموقف من جوهر وطابع تقرير فينوغراد ومدلوله السياسي والاستراتيجي فقد عكس الى حد كبير وفضح بصورة لا لبس فيها حقيقة الاجماع القومي الصهيوني بجميع مركباته من اقصى اليمين الى اقصى اليسار الصهيوني المؤيد للسياسة العدوانية الاسرائيلية وللحرب العدوانية ضد لبنان ولمواصلة تبنّي التصعيد الاستراتيجي لقوة العدوان العسكرية الاسرائيلية للمحافظة على دور اسرائيلي كشرطي بلطجي يشغل المخفر الامامي في المخطط الاستراتيجي الامبريالي الامريكي العدواني للهيمنة في المنطقة.
لقد ادت الحرب العدوانية الاسرا-امريكية على لبنان وفشلها عسكريا وفي تحقيق اهدافها السياسية، الى بروز ظاهرتين في اسرائيل لها مدلولها السياسي على ساحة التطور والصراع، بروز ظاهرتين مترابطتين عضويا ولكنهما متناقضتان من حيث المدلول السياسي.
الظاهرة الاولى: ان هذه الحرب العدوانية وفشلها الصارخ العسكري والسياسي قد ساهمت وسرّعت وتيرة الجنوح يمينا للخارطة السياسية وبشكل صارخ وصل الى درجة زيادة وتعزيز قوة قوى اليمين المتطرف والفاشية العنصرية والاصولية الدينية اليهودية اليمينية، هذه القوى التي اصبح بمقدورها ان تكون بديلا سلطويا لتتسلم مفاتيح الحكم في حالة اجراء انتخابات جديدة. ويعكس الموقف من تقرير فينوغراد ويجسد هذه الظاهرة التي لا تخفي مختلف الاحزاب الصهيونية المتواجدة في السلطة وخارجها حقيقة الموقف منها. وحتى تتضح الصورة اكثر وقبل ان نتطرق بالحديث حول طابع موقف كل حزب صهيوني في تعامله مع تقرير فينوغراد، نود التأكيد انه لم يتخذ أي حزب صهيوني، حتى ميرتس – ياحد الذي يعتبر نفسه تنظيما يساريا صهيونيا، موقفا ينتقد تقرير فينوغراد لأنه لم يدن الحرب العدوانية الاستراتيجية الاسرا-امريكية على لبنان، بل "لبس قبعه ولحق ربعه الصهيوني" بالحديث وانتقاد "النواقص" التي لم تؤد الى الانتصار على المقاومة اللبنانية وحزب الله.
تقرير فينوغراد الذي لم يتطرق الى توجيه اتهامات شخصية مباشرة لرئيس الحكومة ايهود اولمرت وللسلطة السياسية بتحميلهم مسؤولية الهزيمة في حرب لبنان الثانية قد اعطت اولمرت وحزبه كاديما نفَسا وأملا بتثبيت اقدام ائتلافه في الحكم وصيانته من الانهيار. ولتعزيز مكانة ائتلافه وكرسي رئاسته للحكومة وصد محاولات قوى اليمين المتطرف لاسقاطه او تقريب موعد الانتخابات، يلجأ اولمرت الى وسيلتين تعكسان مدى عفونة وفساد وازمة النظام القائم في اسرائيل. الوسيلة الاولى، اللجوء الى تقديم الرشى لعدد كبير من نواب الكنيست من حزبه كاديما بترقية مناصبهم، تحويل بعضهم من وزير بلا وزارة الى وزير بحقيبة مثل زئيف بويم وروحاما ابراهام، واشغال مناصب رئاسة لجان برلمانية وغير ذلك حتى يضمن اولمرت بقاءهم في حظيرة تأييد رئاسته، والرضوخ لابتزازات حركة شاس المالية والسياسية لضمان استقرار نسبي لائتلافه المهتز. فاولمرت اشترى تبريكات حركة شاس ورئيسها الروحي الراب عوفاديا يوسيف ودعمهم لرئاسته وائتلافه بفاتورتين على الحساب، الاولى ان يسقط من اجندة طاولة المحادثات مع الفلسطينيين حول الحل الدائم، موضوع القدس الشرقية وجعلها خارج دائرة التفاوض. والثانية التفاوض مع شاس بعد ان سلمهم وزارة الاديان حول المبلغ المالي الذي يقدم من الميزانية العامة لدعم مؤسسات شاس الدينية وذوي الدخل المحدود من العائلات الفقيرة.
اما الحليف الاقوى من حيث قوته التمثيلية – حزب العمل - القوة البرلمانية الثانية بعد كاديما، فلا يوجد تجانس في الموقف داخل اروقة الحزب، فوزراء هذا الحزب في الحكومة متمسكون بكراسي الائتلاف وبالبقاء في الحكومة، بينما اعضاء كنيست منهم اوفير بينس باز، يضغطون باتجاه الانسحاب من الحكومة والذهاب لانتخابات مبكرة. اما رئيس الحزب ايهود براك الذي جرفته هستيريا تصاعد قوى اليمين، خاصة بعد الهزيمة في الحرب اللبنانية الثانية وجعلته وزيرا "للامن" بدلا من سابقه عمير بيرتس، فانه انتهازي يميني من الدرجة الاولى. فبراك الذي تعهد بالانسحاب من الحكومة بعد صدور تقرير فينوغراد الثاني، فانه يراوغ في اتخاذ الموقف وحسمه انطلاقا من الشيء الذي يخدم مصلحته الانانية وكرسي قيادته، وبراك يدرك انه اذا انسحب من الحكومة فمن غير المضمون عودته الى كرسي وزارة "الامن"، وانه لا امل له في المنافسة على رئاسة الحكومة اذا ما جرى تقريب موعد الانتخابات البرلمانية، لا امل له في التغلب على منافس كنتنياهو في ظل الانقلاب اليميني المتطرف. ولهذا فان الخيارات المطروحة امام براك، اما مواصلة دعم اولمرت والحفاظ على حقيبة وزارة الامن، وهذا احتمال وارد، واما الانصياع للضغط الشعبي بتغيير اولمرت بالوزيرة تسيبي ليفني وتعزيز تحالف ليفني – براك، وهذا الاحتمال وارد ايضا، اما الخيار الثالث ان تؤدي التطورات داخل اسرائيل من خلال الضغوطات الشعبية الى تقريب الانتخابات الى آذار او تشرين الثاني من العام الفين وثمانية الجاري بدلا من تشرين الثاني الفين وعشرة (براك قرر البقاء في الحكومة واحتضان الخيار الاول).
اما الوسيلة الثانية التي يلجأ اليها اولمرت لتعزيز قوائم حكمه ومواجهة قوى اليمين المتطرف والفاشية العنصرية، فهي تصعيد العدوان العسكري والحصار الاقتصادي – التجويعي على الشعب الفلسطيني، وخاصة على قطاع غزة. فمسلحا بنتائج مؤتمر انابوليس وكأن الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني – العربي عبارة عن صراع بين القوى والانظمة "المعتدلة" في المنطقة، بين اسرائيل والانظمة العربية المعتدلة بما في ذلك السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، وبين انظمة وقوى الارهاب المؤطرة في "محور الشر" – حسب التوصيف الامبريالي الامريكي – الاسرائيلي – الذي يشمل ايران وسوريا وحزب الله وحماس والجهاد الاسلامي. ومسلحا بحقيقة الانقسام المأساوي الحاصل بين الضفة والقطاع، بين فتح وحماس منذ الانقلاب غير الشرعي لحركة حماس في قطاع غزة، لاتخاذ هذا الواقع كذريعة يلجأ اليها الاحتلال الاسرائيلي لارتكاب جرائم حرب، مجازر دموية وحصار تجويعي، عقوبات جماعية ضد مليون ونصف مليون فلسطيني تحت يافطة "محاربة الارهاب" وبهدف ترسيخ حالة تمزق هوية الوحدة الوطنية والاقليمية الفلسطينية لمنع ودفن الحق الوطني الفلسطيني بالحرية، والدولة المستقلة والقدس عاصمتها وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين. لقد بدأت بعض قوى الشر تطل بأنيابها المفترسة من خلال ضباب يوحي باحتمال "احياء الموتى وهي رميم"، احياء مشروع تجنيز ودفن الهوية الوطنية الفلسطينية والحقوق الوطنية الفلسطينية من خلال عودة قطاع غزة الى حظيرة شكل من اشكال التكامل الاقتصادي والسياسي والالحاق التبعي مع النظام المصري وسلخه نهائيا عن الضفة الغربية. اما الضفة الغربية فيجري تحت خيمة الادارة الامريكية وبمباركة بعض انظمة التواطؤ العربية، تقسيمها بين اسرائيل وسلطة فلسطينية مخصيّة الصلاحيات والسيادة وفي اطار كيان مسخ يؤلف مع الاردن كيانا كونفدراليا. ولكن "حسابات السرايا ليست كحسابات القرايا" وشعب الالوف المؤلفة من الشهداء، شعب درب المآسي والمعاناة التي تفوق طاقة البشر سيلخبط مشاريع المجرمين التصفوية ولن يتنازل ابدا عن ثوابت حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف، عن حقه بالدولة والقدس والعودة.
اما القوى والاحزاب اليمينية المغرقة في تطرفها وبضمنها احزاب الفاشية العنصرية، تحالف هذه القوى المؤلفة من الليكود وبرئاسة بنيامين نتنياهو مرشح قوى اليمين، و"هئيحود هلئومي" و"المفدال" و"يسرائيل بيتينو" وقطعان المستوطنين والعصابات الفاشية العنصرية امثال "كهانا حاي" و"زوت ارتسينو".. هذا التحالف اليميني يسعى وينشط بمختلف الوسائل لاسقاط الحكومة الحالية ليكون البديل السلطوي الكارثي الذي يغامر على اوهام احياء مشروع ارض اسرائيل الكبرى على جثة الحقوق الوطنية الفلسطينية وضرب المفاعل النووي الايراني والانتقام من لبنان المقاومة الوطنية وحزب الله وامتطاء ظهر حصان الاستراتيجية العدوانية الامريكية في المنطقة.
حاول هذا التحالف الاجرامي السمسرة بدماء من سقطوا في حرب لبنان لتحقيق هدفه السياسي باسقاط حكومة اولمرت - براك، استغلوا ونشّطوا ضباط وجنود الاحتياط والامهات الثكلى في مظاهرات لاسقاط حكومة اولمرت. وبنوا الآمال ان يكون تقرير لجنة فينوغراد الثاني حادا بانتقاده لاولمرت وحكومته الى درجة السهولة باسقاط هذه الحكومة. ولكن لم يكن التقرير على مقاس ما خططه وانتظره نتنياهو وقوى المغامرة اليمينية. ولهذا غيّر تحالف اليمين تكتيكه، فهو يضغط اليوم في اتجاهين، الاول الضغط على براك للاستقالة من حكومة اولمرت، فانسحاب حزب العمل يقود الى سقوط الحكومة والذهاب لانتخابات مبكرة، والثاني الضغط لتجنيد اكثرية في الكنيست للاتفاق على تقريب موعد الانتخابات. اما حزب ميرتس - ياحد فموقفه المطالبة بتقريب موعد الانتخابات البرلمانية مع ادراكه انه اذا ما جرت هذه الانتخابات فان القوى اليمينية الاكثر رجعية وعدوانية بقيادة الليكود ونتنياهو ستحظى بالاكثرية وبتأليف حكومة الكوارث القادمة.
اما الحزب الشيوعي والجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة فموقفهما ان تقرير فينوغراد لم يتطرق الى القضية الجوهرية، وهي انه لم تكن هنالك حاجة لشن هذه الحرب العدوانية التي جاءت لخدمة المخطط الاستراتيجي الامريكي للهيمنة في المنطقة وتدجين نظام دمى في بيروت يخدم المصالح الاستراتيجية الامريكية والاسرائيلية، وان ما يجب ادانته وتغييره جذريا هو السياسة العدوانية الاسرائيلية وليس الاعداد لحرب مقبلة على لبنان وغيرها كما يجري تحديد الافق الاستراتيجي في تقرير فينوغراد الثاني.
* الظاهرة الثانية، ان حرب لبنان ونتائجها رافقهما تصعيد جنوني للهجمة العدائية العنصرية ضد الاقلية القومية العربية الفلسطينية، ضد المواطنين العرب وممثليهم وقياداتهم على مختلف المستويات الرسمية والشعبية والبرلمانية والظاهرة الجديدة والمباركة، انه رغم تصعيد جرائم السياسة العنصرية العدوانية السلطوية، فان الجماهير العربية جاهزة ومستعدة للتصدي الكفاحي الجماهيري – السياسي، ويلاحظ انه بدلا من اليأس والتقوقع و"مناحات الندب" بدلا من العقم الكفاحي والعجز الكفاحي، فالظاهرة البارزة هي انطلاقة تصعيدية للكفاح المنظم لمواجهة تحديات وقضايا الجرائم العنصرية المرتكبة. ولعل مظاهرات سخنين القطرية بمشاركة اكثر من ثلاثين الف حنجرة تدين القرار العنصري للمستشار القضائي الذي اغلق ملف وبرّأ ذمة قتلة الثلاثة عشر شابا عربيا في مظاهرات اكتوبر الفين احتجاجا على مجزرة القدس والاقصى. واذا كانت الظاهرة البارزة في الشارع اليهودي التحول اكثر نحو اليمين المتطرف، فان الظاهرة بين المواطنين العرب هي التحول نحو اليسار، وهذا ما سنتطرق اليه في معالجة مقبلة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من


.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال




.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار


.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل




.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز