الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدينة زنازن

محمد تامك

2008 / 2 / 7
أوراق كتبت في وعن السجن


الاسوار العالية، الاسلاك الشائكة، الحراس، الوحوش المفترسة... هي عناوين المدينة التي يسكنها ما يقارب ال 2200 سجين، جاءوا من كل صوب وحذب، يسكنها أجناس مختلفون عن غيرهم في الأرض، في النطق والملبس، وفي الاخلاق والمبادئ... يختلفون أكثر في الوطنية، فهم أحبوا وطنهم، أحبوا وطنا أغتصب منذ ثلات عقود، وطنا سالت من أجله دماء طاهرة، وطنا تظاهروا من أجله ورفضوا الانحناء للعدو، رفضوا طأطأة الرأس، رفضوا تقبيل الايدي، وقالوا لهم " متى إستعبدتم الناس ولقد ولدتهم أمهاتهم أحرار"، وهم الآن داخل الأسوار تغمرهم عزة النفس ويفتخرون بإنتمائهم لشعب الأحرار، الشعب الذي فضل الشهادة عن المذلة والاستعمار.
الشمس الساطعة وأصوات المنبهات زادت من ضجيج المكان وصخبه، فيما المالك يراقب ملكه بأجهزة متطورة من داخل مكتبه الفاخر، هرول الحراس، حيث إزدحام أكوام لحم البشر أمام أبواب زنازن الكلام النابي والعار في كل مكان، ويدخل من كان حضه من الأولين، ومن بقي ربما سيندم على خروجه في ذلك اليوم المشؤوم، وإن نظر الى الحارس بطريقة غير معتادة فمصيره الزنزانة الانفرادية (الكاشو)، ومن كان له الحظ يدخل الى الزنازن التي يفوق عددها 32، حيت تصل مساحة كل واحدة منها 50 متر مربع يوجد فيها أكتر من 60 سجين، أغلبيتهم يفترشون الأرض بل ينامون في المراحض حيث الروائح الكريهة. الضجيج والسب والشتم والإبتزاز والإستغلال معتاد، فكل شئ ممكن، حتى الاتجار في البشر ممكن، ومن قال أن زمان الرقيق قد ولى فليزر هذه المدينة، المدينة التي يسكنها الآف البشر جاء بهم الجلاد والمحقق والمخبر من كل مكان إختلفت مبادئهم وأفكارهم لكن على كل فهم داخل الأسوار.
لذلك، أنتم أيها الصحـراويـين سكان هذه المدينة فالعزة فيكم والفخر لكم، كبلتم وغلت أيديكم، عذبتم وشردتم، لكن بقيتم على عزمكم لتحقيق المبتغي وكل شئ يهون أمام الوطن لتحقيق وصية شهم استشهد من أجل وطنه وبقيت ذكراه في كل مكان، وصية من أجلها استشهد الرجال والنساء والأطفال بالنابالم المحضورة دوليا، واستشهد من أجلها صحراويين عزل في مقابر جماعية، وأنتم الآن داخل الأسوار تذكروا كل ذلك فمن أجله أنتم هنا، تذكروا المرأة الحامل التي فقدت إبنها تحت التعذيب، بل هن حوامل، تذكروا لمباركي ولخليفي شهيدي الانتفاضة، وقبل ذلك تذكروا من قضوا شبابهم في المعتقلات السرية، تذكروا المفقودين الذين إبتلعتهم مخافر الشرطة السرية تذكروا وتذكروا ... إنكم أنتم داخل هذه المدينة النثنة البعيدة عن جميع وسائل المراقبة والبعيدة عن الأنظار، حيث الموت فيها شئ عادي، بل لا تقشعر له "قلوب" السجانين، والأمراض الفتاكة والجلدية منتشرة وهلم جرا، مدينة هي صورة مصغرة عن دولة العدو عن مجتمعه عن نظامه، الرشوة هي الملاذ ومن أراد مكان متسعا قليلا ما عليه الا أن يقدم الهدايا، ومن ليس له ما يعطي فملاذه المرحاض وأكل (البتية) - حتى الكلاب لن تأكلها-، فهي مدينة كل شئ مباح فيها.
هكذا إذن يمر اليوم داخل تلك المدينة، وما إن تصل التامنة مساءا حتى يحيي المذيع كل المستمعين، وتبدأ افتتاحية الأخبار المعنون بالعزم على شئ وحيد وأوحد هو الاستقلال، فتجدنا مجتمعين ننصت بخشوع، فهو الانيس في هذه المدينة وهو الدعم الحقيقي لصمودنا، يطلعنا ويعلمنا بكل ما يقع ويجري ويختم بالوداع إلى فرصة قادمة، ونقول لهم تصبحون على وطن في انتظار بزوغ يوم جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد - مئات الإسرائيليين يتظاهرون ضد حكومة نتنياهو


.. بعد أن فاجأ الجميع بعزمه الاستقالة.. أنصار سانشيز يتظاهرون ل




.. تونس.. منظمات حقوقية تو?كد تعرض المهاجرين للتضييق من قبل ا?ج


.. طلاب جامعة كولومبيا.. سجل حافل بالنضال من أجل حقوق الإنسان




.. فلسطيني يصنع المنظفات يدويا لتلبية احتياجات سكان رفح والنازح