الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


((التكثيف المُلغّم في قصص حمزة الجناحي))

كريم جاسم الشريفي

2008 / 2 / 8
الادب والفن


((التكثيف المُلغّم في قصص حمزة الجناحي))

بلا شك ان لكل نص فنّي مبدع سواء كان قصصي، روائي،شعري،تشكيلي.. بالضرورة تكون له مضامين فكرية وجمالية . لكن القصة القصيرة المكثفة والمعبرة عند القاص حمزة الجناحي لها عوالم وشخوص تختلف عن النصوص الأخرى عند القصصيين الآخرين لأنها مكتملة الشكل الفني المبهر ،ومستوفية للمضمون المتّفجر لأنها نصوص (مفخّخة) إنسانيا معبرهً عن واقعه. لان نصه القصصي المكثف يأتي في استظهار واستدراج موفق للإرث الثقافي والفكري الذي كير فيه وترعرع عليه . لذلك نستطيع أن نقول ان القاص جعل من نصوصه القصصية ضرورة تعبيرية لاغنىً عنها حسب معايير الشفرات الفنية للنصوص الأدبية كما يقول- رولان بارت- وهذه الشفرات الأدبية هي (تخمينية ،تأويلية ،دلالية، رمزية، انتقالية) .
القصة القصيرة بالحقيقة هي صياغة مبدعة لاختزال ذهني متفجر يتشكل خيوط جميلة في الفضاء.. رغم مكونات بناء القصة القصيرة كشكل أدبي وبداعي هي الشخوص والمضامين ألا انه يبقى متوجاً حدسياً ولحظياً كقيمة جمالية خلاقة تحددها ضرورتان لامناص منهما وهي الخلق قبل مخاضات التدوين، والوعي السابق لتلك المخاضات ، حتى يستطيع القاص بالترجمة الثاقبة لنقل الأحداث ،وتجسيد الشخوص على مسرح الأحداث للقصة . بعد أن رأينا وشاهدنا الهيكلية الجمالية للقصة عند السيد –حمزة الجناحي- بهذا الوعي وهذه المعرفة المهنية أتحفنا القاص بنصوص مشحونة شكلاً ودلالةً ليصبح مشروعاً جمالياً تساهم به مخّيلة القاص عبر تراكم وتنوع الأحداث والمشاغل للإنسان وصراعه ، خصوصاً توظيف واستبدال كائنات القصة لتحقيق وجودها في الزمان والمكان ، في الشكل والدلالة وهما ضروريان لتأكيد شرط الكتابة القصصية أيظاً. التي وضّبها القاص حمزة الجناحي في مجموعته الاؤلى (من أدب الاحتلال) حيث استطاع حمزة من حبك شفيرة سحرية في احتدام درامي بلا استهلال ليؤكد مستوى مختزل تبدأ مواجهاته بتفاعل جميع المكونات في المحتوى والمضمون .ثم يؤكد على –السوناتات- المكونة للقصة لتفضّي الى نصا فاعلاً مكثفاً يعمل بذهنية ذات تردد عالِ يعتمد على الرؤية النقدية لفكرة القصة وكذلك على الشمول ليؤكد الحدث الحسي والنفسي والاجتماعي بشكل سريع وخاطف . وهذا تراكم ملحوظ عند القاص حمزة الجناحي الذي استطاع بدون تكلف في محاولاته الناجحة من خلال اقتناص مشهد عابر, أو حدث آني يفّجر موهبته ليجسده قصصياً ( وددت أن أرى بغداد ثانية.. وأنا أسير شاهدت هويتي الضائعة على قارعة الطريق شبه ممزقه ...اقتربت منها ..انحنيت عليها لألتقطها هربت مني ..عجبا لا توجد رياح في تلك اللحظة ..) يستخدم القاص اللغة الدرامية المعبرة والمكثفة ذات الطبيعة الدرامية الموحية في أطياف من أزمنة خالية من الزوائد اللفظية التي تؤثر على السرد للتدليل على قوة وفحوى النّص القصصي . أما اللغة المستخدمة لديه في نصوص العمل القصصي مكتملة الأسس والقواعد والمضمون كذلك. وخالية من العجمة والغموض . وهذا النوع من الكتابة يضيف درجة عالية من الإمتاع لدى المتلقي للنص المكتشف .تكثيف القصة القصيرة جدا يختلف عن السرد الروائي الذي يحتاج إلى تماثل دلالي وقوة نسيج فعالة للربط الروائي حتى تتأكد امتدادات العلاقات المتبادلة بين كل ثيمات النسيج الروائي .بينما استطاع حمزة الجناحي بكتابته للقصة القصيرة المكثفة استنهاض همة المتلقي وتهذيب ذوقه في قرأة القصة القصيرة ليجعلها محببةً جمالياً عنده.وهذا سيسهم مثل ما قلنا سابقا بتأكيد السبق الايجابي المبدع للقاص.وبالتالي يساهم في تطوير فن القصة بمجمله شكلاً ومضموناً مثلما قال توماس كرافن( الفن هو أن يحتوي على معان مبتكرة ،والتمتع به من قبل جمهور واسع وذكي). فالقصة القصيرة عند حمزة الجناحي تشبه بتنوعها الجمالي لوحة فنية منمنمة فيها ايحاء جميل لكثير من القراءات الجمالية والتعبيرية .ان القصة لدى القاص (حمزة الجناحي )عبارة عن لوحة من الالوان ولو اكثرها رمادي لما ترمز له من دراما ,لكن في نفس الوقت نجد فيها الوان زاهية تعبر عن نسق وخطوط رسمت بشكل مدروس وتعبيري يعجز عنها رسام اللوحة لتفجير رمزية الالوان بلوحتة . بينما القاص استطاع (تفخيخ القصة لغويا ولونيا حيث استطاع ملئ الفراغات التي تحصل في لوحة الفنان التشكيلي . بينما القاص جعل من لغته المكثفة ان تملئ كل الفراغات على اسطر الحدث المكتوب مهما كانت (حتوته) القصصية . وبالتالي أجاد الاستخدام المكثف والمقنن تعبيريا عن الحدث في أطواره الثلاثة لهذا الفن مثل ما يستخدم الفنان التشكيلي (درجات حرارة اللون المختلفة للإيحاء بالابعاد واستدلالاتها ) كما يقول الفنان الفرنسي سيزان . ان هذا الفتح الجديد الذي أسّس له القاص حمزة الجناحي هو جدير بان يُدرس في مناهج أدب القصة الحديثة لما فيه من ذوق , ومعنى , ودفق , ووهج تعبيري ولغوي وإنساني . عندما يسترسل في مجموعته الثانية في منولوج لا تنقصه الفطنّة على التأكيد المعرفي واستخداماته ( قررنا أن ننشئ حزب ...بعد أن أصبحت ألأحزاب بالعشرات ...وضعنا النظام الداخلي ...جلسنا لنسمي الحزب ...حقيقة لم نجد له أسم ...كل الأسماء مشغولة ...تركنا التسمية للمستقبل ...تكررت جلساتنا دون جدوى ....أردنا أن ننصب ر ئيسا للحزب ..اختلفنا ...قّرر كل واحد منا أن ينشأ حزبا لوحده ....)).
نرى ان القاص يستخدم لغة متأزمة للتعبير عن حالة تحمل تضّادها في الحدث لذلك تختلف الاستخدامات اللغوية لتكون اكثر تماسكا ومقدرة على تصوير الحدث وفعلا استطاع القاص بقدرة فيها من الذكاء على ليّ أدوات اللغة ليستخدمها بشكل ناجح في التعبير , وهنا تكمن القدرة على الخلق والإبداع والتواصل على هذا الفتح .حيث نجد أنفسنا امام لوحات مختلفة الالوان والمضامين ... وبالتالي المتلقي هو الفيصل لانه المبدع الثاني بعد القاص .
اعتقد نحن نحتاج الى التكثيف في كتابة كل النصوص الأدبية شعرا, رواية , قصة قصيرة , ... حتى نوفر للمتلقي زمنآ يحتاجه في زحمة المشاغل اليومية واذا استطعنا كتابة نص أدبي يشبه الى حد بعيد لوحة تشكيلية تعبر عن حالة من حالات الواقع , رغم ان الوحة التشكيلية ادراكها سهل ‘ذا كانت تمثل الواقعية والانطباعية لكن البعض يحتاج الى فهم وشرح إذا كانت مثل التكعيبية والسريالية وما بعد السريالية . لكن القصة القصيرة عند حمزة الجناحي من خلال تكثيفها لغوبا وجماليا تحولت الى لوحة على شكل اسطر معدودة لتعبر بشكل مكثف ومركز عن حالات إنسانية ينتقيها القاص او يُستدرج اليها اذا تطلب ذلك. استطاع حمزة الجناحي من كتابة انماط من القصة القصيرة المكثفة بكامل مدلولاتها الجمالية والفنية.

كريم الشريفي
15/1/2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاكرين القصيدة دى من فيلم عسكر في المعسكر؟ سليمان عيد حكال


.. حديث السوشال | 1.6 مليون شخص.. مادونا تحيي أضخم حفل في مسيرت




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص