الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشكالية الديمقراطية في الواقع المصري 1

فتحى سيد فرج

2008 / 2 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


منذ مطلع عام 1995 اهتمت جميع الدوائر الرسمية والأحزاب والمنظمات المدنية في مصر بإنتخابات مجلس الشعب التى جرت خلال شهري نوفبر وديسبمر في نفس العام، وقبل الإنتخابات أفسحت جميع وسائل الإعلام مساحة واسعة لدعوة الناخبين لأهمية الإدلاء بأصواتهم، ودعت الدولة جميع الأحزاب للإشتراك في هذه الإنتخابات، وأكد رئيس الجمهورية في مرات متعددة حرص مصر على التعددية وأهمية إثراء التجربة الديمقراطية، وسمح لجميع الأحزاب بعرض برامجها الإنتخابية على شاشات التليفزيون في القنوات الرسمية .
وهكذا أصبحت الديمقراطية خلال هذه الفترة شاغل الجميع ومطلبا للكل ومحل إتفاق حزب الحكومة وأحزاب المعارضة، وقد أعطى كل ذلك إيحاء بأن مصر سوف تخوض تجربة ديمقراطية واسعة النطاق، بل وصل الأمر بالبعض إلى تصور أننا سوف نحقق الديمقراطية بقفزة واحدة، ولكن جاءت نتائج الجولة الأولي للإنتخابات مخيبة للآمال، وعلى عكس ما توقع الكثيرين، لم ينجح أحد من مرشحي أحزاب المعارضة، واكتسح الحزب الوطني أغلبية المقاعد النيابية .
وتأكد نفس الموقف بعد إنتهاء الجولة الثانية فلم تحصل جميع أحزاب المعارضة سوى على 14 مقعد، ورغم نجاح 114 عضو من المستقلين فقد خرجت علينا جرائد الأيام التالية لتعلن بأن 99 منهم قد قدموا طلبات إنتماء للحزب الوطني الحاكم .
وقد جعل هذا الأمر يصيب العديد من المتابعين لهذه المعركة الإنتخابية بشعور من الحيرة، وراحت وسائل الإعلام خلال هذه الفترة تحاول تفسير ما حدث، وانصب الاهتمام في التعليقات والمقالات على توضيح الملابسات التى صاحبت عملية الإنتخابات وما جرى فيها من عنف وتجاوزات، ووصل الأمر ببعض الكتاب المعارضين لما جرى إلى وصف ما حدث بإعتباره " سقوط للديمقراطية وقيام فاشية مثل فاشية هتلر وموسولينى، وبداية عصر يتحول فيه البرلمان إلى لجنة فرعية للحزب الوطني ".
وعل صعيد أخر برر أحد المؤيدين للحكومة بأن ما حدث هو " أن الحزب الوطني يمثل في نظر الجماهير المصرية النظام الذي يرأسه محمد حسنى مبارك، ومن هنا فإت نجاح الحزب الوطني يعنى نجاح حزب مبارك، وأن بعض أحزاب المعارضة أحزاب هامشية لا قيمة لها ولا أهمية ولا وزن يذكر لها بين الجماهير " .
وكل هذه الكتابات والتفسيرات والأراء انطلقت من تحليل اللحظة الراهنة دون محاولة البحث عن الأسباب الحقيقية لما حدث أو الغوص في طبيعة الظاهرة الديمقراطية في مصر ، لذلك فإن محاولتى لا تنشغل بالتفسير المتسرع أو المباشر لتفاصيل ما جرى، وإنما ساحاول طرح جوهر القضية وانقب عن أصل المشكلة، محاولا تفسير ما حدث في انتخابات 95 وما سوف يحدث مرات ومرات في أي إنتخابات قادمة، فالأمر من وجهة نظرى يتعلق بحقيقة الواقع وإمكانية التعامل معه، والتغير الحقيقي لا يمكن أن يتحقق دون فهم هذا الواقع .
وحقيقة الأمر فإن الديمقراطية لم تكن نبتا خاصا بالواقع المصري، بل جاءت نتيجة الاحتكاك بالغرب وفكره الليبرالي، حيث أخذ يتردد في العقود الأولي من القرن العشرين أصداء للأفكار الليبرالية والنظريات الاجتماعية التى تسعى لإصلاح المجتمعات العربية .
وكما يقول المفكر المغربي محمد عابد الجابري " كما يحث دائما فالأراء المنقولة من بيئة فكرية واجتماعية، إلى بيئة أخرى لا تتمكن بسهولة من إستقطاب ما يكفى من الأنصار، وتحريك ما يكفى من الحماس كى تتحول إلى قوة مادية فاعلة في الأحداث والتاريخ، بل أن ما يحدث في الغالب أنها تبقى لمدة من الزمن – إذا كتب لها البقاء – طافية على السطح منعزلة في بعض الهوامش" .
نشأة الديمقراطية
كلنت الديمقراطية في اليونان وروما ديمقراطية خاصة بالسادة في مجتمع عبودي، وعندما ظهرت المسيحية وترسخت أخذت سلطة الكنيسة تنازع سلطة الإمبراطور أو الملك، وربما كان ذلك بداية المسلسل الطويل من الصراع بين الكنيسة والدولة، كل منهما يريد أن يحد من سلطة الآخر ويجعل سلطته هي الأعلى .
كان الصراع في أوروبا متواصلا وقد أسفر عن قيام بعض المجالس المحلية التي كانت تمارس نوعا من سلطة الحاكم داخل المدن، وهكذا حتى في القرون الوسطي كان هناك صراع ديني ومدني ضد إستبداد الحاكم بالأمر استبدادا مطلقا .
وإبتداء من القرن السابع عشر أخذ الصراع ضد الإستبداد والحكم المطلق يزداد إتساعا وقد إدي تفكك النظام الإقطاعي وقيام ظاهرة المدن إلى بروز فكرة المواطن الحر والشخصية الفردية، التى تكونت في البداية بفعل تشكل فئات من التجار والحرفيين، وأصبحت قوة اجتماعية كانت نواه فيما بعد لطبقة البورجوازية، والتى خاضت صراع ضاري لنصرة الديمقراطية، والتي تعني بناء الحكم على الإنتخاب الحر ومراقبة الحاكمين، والمطالبة بفصل السلطات الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية .
وإذا كان لكل جماعة بشرية مقدمات خاصة تشكلت من خلال طبيعة العملية الإنتاجية، وشكل التنظيم الاجتماعي، فيمكننا العودة إلى الجذور التاريخية لمعرفة أسس هذه المكونات، فالزراعة في مصر القديمة التي قامت على ضفاف نهر النيل شكلت نمطأ من الإنتاج إستدعي بالضرورة وجود حكومة مركزية قوية/ مما رسخ مبدأ طغيان مؤسسات الحكم بدرجة تصل إلى عبادة الحاكم الإله، وقد حجب ذلك إمكانية ظهور الشخصية الفردية التى كانت تعتبر أساس أي نظام ديمقراطي .
على العكس من ذلك، عرف الإنسان الغربي الزراعة على الأنهار المتعددة أو الإعتماد بشكل أساسي على مياه الأمطار، الأمر الذي أقنعه بأنه لا يخضع لغير الطبيعة وقوة عمله، أما الحكومة فقد رآها مؤسسة مغايرة في تعارض مع مصالح الأفراد، من هنا اجتهد فلاسفة الاجتماع والسياسة، في صياغة نظريات للتوفيق بين هذه المتناقضات، وكان نتيجة ذلك ظهور نظرية العقد الاجتماعي .
و‘ذا كان مبدأ الفردية الشخصية في الغرب ظل قائما طوال العصر الزراعي، وإزداد رسوخا ببزوغ العصر الصناعي القائم على مزيد من التخطيط والتنظيم والتجريب، وإكتساب المعارف العلمية، والاستفادة من الإختراعات، فإن مصر الفرعونية ومن بعدها مصر الهيلينية فالهيلينستية ثم العربية الإسلامية لم تعرف أو تقر مبدأ الفردية الشخصية، وكان الواقع السياسي قائم على مؤسسة واحدة : الحكم الفرعوني أو الحاكم الوالي أو الحاكم الخليفة، مما اجهض أي محاولة لبرو أي شكل من أشكال التمثيل النيابي، وحتي نظام الشوري في مضمونه الإسلامي كان يقوم على ممارسة الحكم من خلال الجمع بين الإستبداد والعدل، وغاية ما وصل إليه هو أن الحاكم المطلق يمكنه إذا أراد طلب المشورة من أهل العقد والحل قبل الأقدام على عمل أي شئ، وهذه المشورة لا تلزم الحاكم، إنه فقط يستشير، وفي النهاية هو صاحب القرار وحدة الذي ربما يكون مخالفا لرأى مستشاريه .
الدولة والطبقة : إستقلال أم هيمنة ؟
تشير التفسيرات النظرية لكتابات ماركس وأنجلز أن هنال تفسيرين للعلاقة بين الدولة والطبقة .
الأول : يقوم على هيمنه الطبقة على أجهزة الدولة واخضاعها لخدمة مصالحها .
الثاني : يقوم على إستقلال الدولة عن كافة الطبقات وفرض إرادتها عليها جميعا،
وبذلك تكون قوة الدولة اعتي من أن تسيطر عليها طبقة معينة .
وقد اهتم الباحثون الماركسيون بالعلاقة بين الطبقة والدولة، فنرى أن ميلباند الإنجليزي يقوم عام 1965 بنشر مقال بعنوا ماركس والدولة، حاول فيه إنتقاد التفسيرات الميكانيكية للماركسية ذاهبا إلى أن هناك وجهة نظر ثانوية ومهملة في التفسير الماركسي تنحصر في أن الدولة تعتبر ( شكلا مستقلا ومتفوقا على كافة الطبقات، وهي بذلك تعتبر القوة المسيطرة وليست أداة في يد الطبقة المسيطرة) .
وفي عام 1983 قدم دراسة أخري عن قوة الدولة والمصالح الطبقية، أظهر فيها بجلاء أن عمل الدولة يفوق نطاق عمل الطبقة، وأن اسلوب الدولة في إتخاذ القرارات لا يمكن أن يخع لتوجيه طبقة بعينها، ولكن إستقلالية أجهزة الدولة ليست واحدة في كل المجتمعات .
ويرى حمزة علوي أن الدولة في بلدان العالم الثالث تكون قوية ومستقلة أمام الفئات الاجتماعية المحلية، وفي الوقت نفسه تكون خاضعة وتابعة للاقتصاد العالمي، ويؤدي ذلك إلى تضخم قوتها وإزدياد دورها في المجال الاقتصادي والسياسي .
ويري محمد السيد سعيد أن الدولة في مصر ضعيفة فيما يجب أن تكون قوية فيه،فهي ضعيفة فيما يتصل بقدرتها على احترام القوانين، وكذلك في ضبط السوق وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية، وفي نفس الوقت هي قوية فيما يجب أن تكون ضعيفة فيه، فهي قوية في استخدام أدوات القمع، وحريصة على استقرار الاوضاع السياسية لدرجة الجمود .
ويمكن أن نخلص من كل ذلك أن طبيعة العلاقة بين الدولة والفئات الاجتماعية في مصر قد تختلف عن غيرها من المجتمعات، فالدولة كنظام اجتماعي في مصر كانت دائما قوية ومسيطرة بفعل طبيعة نشأتها وتطورها عبر التاريخ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-