الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراقي جبر من بطن امه الى القبر

علي الانباري

2008 / 2 / 9
كتابات ساخرة


السعادة في الحياة صعبة المنال، لان من شروطها ان تكون الطمأنينة الروحية اساساً ترتكز عليه، اضافة الى توفر الحاجات المادية التي لابد منها للانسان كي يشعر بكرامته خارج الاذلال والعوز والضنك.

وعن السعادة ومدى نيلها في حياة الانسان، سمعنا هذه الطرفة منذ كنا صغاراً وتحكي بأن عراقياً ذهب الى لندن لغرض العلاج، وفي يوم من الايام زار احدى المقابر فهاله جمال المقبرة، وكثرة الازهار فيها لكنه رأى عجباً، إذ ان التواريخ بين الولادة والموت قصيرة، قد تكون سنة او اثنتين او اكثر قليلاً، أصابه الذهول، أمعقول الا يعيش الانجليز جميعاً غير هذه السنين القصيرة، أغلبهم يموتون أطفالاً؟

حينها توجه بالسؤال الى احد الواقفين جواره عن سر مايراه، اجابه الشخص والحسرة تملأه (لقد كان عراقياً مثله)، إعلم ان السنوات المؤشرة على شواهد القبور هي سنوات السعادة التي عاشها هؤلاء، أما غيرها فلايكتبونه، عندها أخبر العراقي الوافد للعلاج زميله الذي تعرف عليه بأنه سيوصي أهله ان يكتبوا على شاهدة قبره (هذا قبر المرحوم جبر، من بطن امه الى القبر) دلالة على انه لم يعش يوماً وحداً من السعادة، بل عاش حياته تعيساً، معذباً.

ان هذه الحكاية المأساوية تدل على شعور العراقيين بانهم قياساً الى غيرهم من الامم والشعوب، مسلوبو السعادة، لأن من ساسوا امورهم لم يكونوا يفكرون بهم الا في نطاق تسخيرهم لمآربهم الشخصية، فلو قرأنا التاريخ جيداً لرأينا ان اغلب الحروب التي دارت في زمن الدولتين الاموية والعباسية جرت على أرض العراق، وكان العراقيون وقودها ويوم ان فكر المغول بالامتداد غرباً أصبحت بغداد محط أنظارهم فأجتاحوها ودمروا كل شيء، وكان أغلب الضحايا من أهلها المشغولين بالصراعات الداخلية، الى ان اصبحوا جميعاً حطب المحرقة الكبرى.

وبرغم هذا يأتي من يمجد من أهانوا الشعب وأذلوه مدافعاً عن جور السلاطين الذين جعلوا من انكشاريتهم كلاباً مسعورة تمزق أوصال الناس، ويدافع عن شاهات دكوا بمدافعهم بغداد، وحاصروا مدن العراق حتى احالوها خرابا بعد قصفها بحمم الدمار.

أهو قدر العراقي الذي ما ان يختلف اثنان حتى يتبارزا على أرضه فيجراه الى معركة لاناقة له فيها ولا جمل، وبعد ان يسويا خلافهما رافعين أنخاب الصلح والوئام، يدفع العراقي الثمن المر وهكذا أصبحت الحياة لديه سلسلة طويلة من الاحزان، حتى انه ليبكي في ساعات الفرح واذا ماضحك انتفض مذعوراً وهو يردد (اجعله اللهم خيراً) فكأن لحظات الضحك ذنب يرتكبه سرعان مايتوب عنه.

بعد خروج العراق من السيطرة العثمانية، ودخول الانجليز بغداد، بقي الناس يحملون الارث الكبير من المعاناة والعذاب وطوال العهد الملكي لم تقدم الحكومات المتعاقبة للشعب الا الفتات، بينما بقي الاقطاعيون والاعيان هم الصفوة المتسلطة على الرقاب، الى ان ذهب هذا العهد، فاستبشر الناس خيراً بجمهورية عادلة تعيد البسمة الى شفاه المسحوقين، لكن الذي حدث، ان الرحى لم تتوقف عن طحن الامال، فلم ينل جبر وأشباهه الا الوعود التي سرعان ماتتلاشى هباءً أمام قسوة الواقع وتسلط الحكام.

أيعقل أحد أن نظاماً خاض حرباً أمدها ثماني سنوات أكلت الاخضر واليابس، وخلفت وراءها مئات الالوف من القتلى وأضعافهم من الجرحى واليتامى والارامل، أيعقل أنه بعد وضع الحرب أوزارها يعود بعد أقل من سنتين الى خوض حرب أخرى الا في هذا البلد الذي جل أهله بالظلم الى ان شرب أبناؤه كأس المواجع فجاءهم الفرج بزوال سبب تعاستهم لكنهم بقوا منشغلين بالجدل العقيم والقيل والقال غير عابئين باصلاح مافسد.

الكل يغمض عيونه على مايجري منتظراً هدهد سليمان كي يأتيه بالبشرى واني لاشفق على هذا الهدهد ان يصيبه اليأس فيهرب بعيداً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج


.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث عن أسباب نجاح شخصية دانيال في ل




.. فيلم ولاد رزق 3 بطولة أحمد عز يقفز لـ 193 مليون جنيه منذ طرح