الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لبان ُ عدن ٍ وبُن صنعاء

عدنان الظاهر

2008 / 2 / 9
الادب والفن


ماذا لو إجتمعت مليكات الزمن القديم في أمسية أدبية ـ غنائية ـ موسيقية يحييها المتنبي وفريد الأطرش في بيت الشاعر على كوكب المريخ
( مارس ) ومارس هو شهر آذار في العديد من لغات العالم ؟ والثامن من شهر مارس هو العيد الأكبر : عيد أو يوم المرأة العالمي ويوم مولدها ... سيدة النساء الملكات ، مليكة الأنوار السبعة والكواكب السبعة السيارة . مارس إله الحرب وهو نجم الشاعر المغامر المتنبي ، أما أعياد وأفراح مارس فهي من نصيب الفنان فريد الأطرش : مغني الحب والجمال وعابد المرأة . وكما جمع المتنبي النارَ والماءَ في يده [[ وما الجمعُ بين الماءِ والنارِ في يدي // بأصعبَ مِن أنْ أجمعَ الجد َّ والفهما ]] ... قلت فلأجمعنَّ النقيضين معاً ، رجل الحرب الضارب بالسيف ورجل الفن الضارب على أوتار العود . تتبقى معي المشكلة المركزية : كيف سأجمع ملكات الزمن القديم وهل سيوافقن على تلبية الدعوة هناك بعيداً على سطح المريخ / مارس ؟ قالت لا تطلْ التفكير يا هذا . سيمتنعن حتماً ويرفضن الذهاب إلى المريخ . أقترح دعوتهن لديَّ في مدينة ( عدن ) حيث جنات عدن ٍ تجري من تحتها الأنهار وعشبها من الزبرجد الأخضر وجواريها من حور العين يخدمن الضيفات الساميات في شرفة قصري المطل على خليج عدن . سأطيّب صالات القصر وكافة أركانه ببخار منصهر اللبان المسقطي ثم َّ العُماني والآس والنرجس والمسك والعنبر وسأغرقهن َّ بأجود أنواع العطور الفرنسية
Estee Lauder
وسأقدم لهنَّ ما لذَّ وطاب من لحوم الضأن والغزلان وطواويس عرش الطاووس في بلاد فارس القديمة . سألتها وماذا عن الشراب ولا تحلو سهرة ٌدون شراب ؟ قالت أمامهنَّ أنهار الخلد تجري بالعسل واللبن والخمرة المافوق سماوية المعتقة منذ الأزل بقواريرَ الذهب الإبريز الأصفر والأحمر والأبيض ومزاجها كافورا . لُبانُ عدن !! ساءلتُ نفسي . حيرني أمرها . إسمها {{ لُبان }} لكنها تحرق اللُبان لكي تزكو رائحة جنبات وشرفات قصرها ويطيب هواؤها فأية تضحية تقدم هذه الصبية التي نسيجها أرقى وأشرف من نسيج كافة ملكات الأرض قديماً وحديثا ً ؟ ما أنْ إلتقطت أذناها كلمتيْ ( ملكات الأرض ) حتى سألتني ومن حقها أن تسأل : ومَن مِن الملكات ترى قد دعوتَ لحضور الأمسية ؟ كان الجواب أكثر من جاهز : بلقيس ملكة سبأ اليمنية + ضرتها أو غريمتها كِنداكة ْ الحبشية + زنوبيا ملكة تدمر + كليبوباترا المصرية الفرعونية ... وإذ رأتني متردداً في خياراتي الأخرى أضافت : وملكة بريطانيا إليزابث الثانية ... قاطعتها قائلاً : أعوذ بالله أعوذُ بالله ... إياكِ وملكات الإنجليز ! ضحكتْ صاحبتي ، مليكة اللُبان العدني اليماني المعاصر وسيدة الملكات وصاحبة الضيافة والكرم . ضحكتْ دون أن تعلّق أو تسأل عن السبب . هي أعرف بأخلاق الملكات المعاصرات . ظللتُ أفكر محاولاً إضافة أسماء المزيد من الملكات فقالت صاحبتي كعادتها مازحة ً : لم يبقَ أمامك من الملكات إلا ملكة النحل !! ضحكتُ ، ضحكت فالدور الآن دوري في أن أضحك .
كان فريد الأطرش مسروراً جداً من فكرة لقائه ببعض ملكات الزمان الغابر إلا أنَّ المتنبي إحتج بقوّة ٍ ومرارة ٍ قائلاً : ما لنا والملكات يا هذا ، هات ِ لنا ملوكاً ، هات لنا ملوكاً من بين الرجال . أدعُ الملك الشاعر إمرأ القيس مثلاً ، أدعُ الأمير الشاعر عُمراً إبنَ أبي ربيعة ، أدعُ زعيم تميم الفرزدق ... أدعُ أميرَ النمارك هاملت ... أدعُ مَن شئتَ من الرجال ، ما لنا والنساء الملكات ؟ لا تصلح النساء للملوكية . إحتجتْ بشدة ٍ مليكة ُ عدن وصاحبة ُعرش بُن صنعاء اليمن السعيد وجزيرة العرب قائلة ً : أراك تغارُ يا متنبي من الملكات ، نعمْ ، تغار منهن َّ لا لأنك تستنكف من معاشرة النساء وتتكبر عليهنَّ وإنما لأنك تعتقد أنك تنتمي لصنف الملوك وقد سبق وأن قلتَ أنت ذلك بلسانك وخط يدك . تبسّم الشاعرُ مغبونا ً على مضض ٍ ، هزَّ خفيفاً رأسه وقال : أظنك سيدتي ( لبان عدن ولبانة القلوب المحرومة منكِ ) تقصدين ما قلتُ في بيتيَ الشعري :

وفؤادي من الملوكِ وإنْ كا
نَ لساني يُرى من الشعراءِ

قالت أجلْ ، بالضبط ، هذا ما قصدتُ . قال قد قلتُ ذلك وأنا في معرض مديح الأسود كافور الأخشيدي في فسطاط مصر . مدحته لكني أردته أن يفهم أنني ملكٌ إنْ كان هو أميراً على مصر . إنني ملك كل زماني وما سيأتي من أزمان في حين إنه مجرد أمير على رقعة من الأرض محددة . ثم إنه غدا أميراً بالخديعة والخيانة والغدر لذا قلتُ فيه في قصيدتي الشهيرة (( لا تشترِ العبدَ ))

أكلما اغتالَ عبدُ السوءِ سيدَهُ
أو خانهُ فلهُ في مصرَ تمهيدُ

قالت المليكة ( لبانُ عدن ) شكراً لك يا متنبي . شكراً جزيلاً . لقد أقنعتني بحجتك ومنطقك . أنت الشاعر إنما أنتَ تاج الملوك وأنت جوهرة كل عروشهم .
تدخلتُ وقد حانت أمامي الفرصة التي كنت منتظراً طويلاً . يا متنبي ! قال لبيك ! ما الذي يجعلك تكره مجالسة ومنادمة الملكات ؟ قال على
الفور : وما الذي يغري رجلاً مثلي في أنْ يجالس ويسامر هذه النماذج من الملكات اللواتي إقترحت َ علينا إستضافتهن َّ والتبسط بالحديث معهنَّ ؟ أجالس وأجامل مّنْ منهنَّ ؟ بلقيس سبأ صاحبة هدهد سُليمون والصرح الممرَّد التي تعبد وقومها الشمس ؟ [[ إني وجدتُ إمرأة ً تَملكهم وأُوتيتْ من كل ِّ شئ ٍ ولها عرشٌ عظيم . وجدتها وقومَها يسجدون للشمس ِ من دونِ الله ِ وزيّنَ لهمُ الشيطانُ أعمالهم فصدّهمْ عن السبيلِ فهم لا يهتدون / سورة النمل / الآيات 22 و 23 ]]. أم أنادم ( الزبّاء ) التي خانت فقتلت ضيفها ( جذيمة الأبرش ) ملك الحيرة الكندي ؟ أو تريدني أن أضاحك فرعونة مصر التي حملتْ من الجنرال الروماني مارك أنطونيو سِفاحاً وغامرت مثل صاحبها صدام حسين بمصير بلدها إذ ْ زجّتْ به في حرب خاسرة فآلَ حاله إلى دمار وخراب كحال العراق هذا اليوم ؟ ما رأيكَ يا فريد ؟ سألت ُ ملك الطرب وأمير الدروز . ما كان الرجل معنياً بالحوار الدائر حول الملكات . كان مشغول الفكر بأمر ما . يفكر عميقاً ويسرح بعيداً . قلتُ إنه يخطط لمشروع لحن جديد يليق بالمناسبة . أعدتُ عليه سؤالي فأجاب : نعم ، أنا أمير درزي لكني مليك على اللحون . ليس فؤادي كصاحبنا المتنبي فؤاد ملوك ٍ ولا لساني من الشعراءِ . أما ـ أضاف فريد ـ قصة مجالسة الملكات إياهنَّ فليس لديَّ ما يحول دون ذلك . رأيتُ وعاشرت الكثيرات من أمثالهن َّ في الوسط الفني ، فعانيتُ من هجر البعض منهنَّ ومن غدر البعض الآخر ويا ما شكوتُ وبكيتُ ولم أخفِ شيئاً من ذلك في ألحاني المغناة أبداً... بل وكنت أبكي بدموع ساخنة حقيقية أثناء أدائي بعض أغاني َّ حتى في بعض أفلامي السينمائية وقد كتب عن ذلك صديقنا هذا في بعض مقالاته المنشورة عني . بل ، لا أطيق الحياة دون مخالطة بنات حواء . ولا تكاد تجد لحناً لي خالياً من حضورهنَّ القوي جداً جداً . هنَّ ملهماتي فرحاً وحزنا ً وهنَّ حياتي أملاً ويأساً . ما كان المتنبي مرتاحا ً من مداخلة فريد الأطرش . كان يتابع كلامه مقطِّب َ الجبين مسرفا ً ومنفعلا ً في تدخينه لا تكف ُّ أنامله عن الحركة واللعب بلفافة التبغ . ظل صامتا ً دون تعليق إحتراماً لرأي صديقه الفنان المتحرر (( الليبرالي جداً )) وهو الشاعر الكوفي العراقي الشديد المحافظة الذي قال يوماً :
لا يسلمُ الشرفُ الرفيعُ من الأذى
حتى يُراق َ على جوانبهِ الدمُ
...
وما رأيكِ الأخير مضيفتنا الشامخة على خليج عدن مليكة َ اللبان وآلهة زروع القات والقهوة في اليمن السعيد ؟ ما كانت سعيدة بسؤالي . كانت حائرة فالموقف معقد وحرج والأضداد فيه شديدة الوضوح فكيف التوفيق أو الجمع بين هذه المتضادات ؟ ضيفان من ضيوف الشرف على طرفي نقيض في موقفيهما من منادمة ملكات الزمن القديم وهي صاحبة وسيدة مكان اللقاء . موقفها حرجٌ للغاية فكيف أساعدها للخروج من هذا المأزق ، كيف ؟ هل أقترح إلغاء الأمسية التي قد لا يجود الزمان ثانية ً بمثلها ؟ هل أطلب من المتنبي أن يعتذر َ وينسحب ليقضي الأمسية وحيداً يسبح ويصيد السمك في خليج عدن من أجل أن يتم َّ لقاء الباقين حسب البرنامج المرسوم ؟ هل يتقبل هذا المقترح أم إنه سيعتبره إهانةً شخصية له إذ أطلب منه أن يتوارى لكي ننفذ المشروع بدونه كما أعددنا وخططنا مجاملة ً لنسوة لا يراهنَّ إلا دونه قيمة ً وشأناً وشرفاً ومقاماً وهو مَن قال عن نفسه :

أنا الذي بيّنَ الأله ُ به ال
أقدار َ والمرءُ حيثما جعلهْ
جوهرة ُ تفرحُ الشِرافُ بها
وغصّة ُ لا تسيغها السَفِلة ْ

فلا مُبال ٍ ولا مُداج ٍ ولا
وان ٍ ولا عاجزٌ ولا تكلةْ

هذا هو المتنبي ذو الرأس العالي !!
هل نكذب على الملكات فندّعي أنْ قد أرجأنا تنفيذ الحفل إلى زمن آخر ونحتفل ُ نحن الأربعةُ الباقون بدونهنَّ ؟ هل يليق بنا الكذبُ ؟
كان فريد طوال هذه الفترة الحرجة منصرفاً لصديقه المتنبي في حديث هامس لا أحد يفهمه غير المتنبي . حين إنتبها أنهما تحت المراقبة قام الرجلان معاً فرحين مغتبطين مشتبكي الأكف فبادر فريد للقول : سيمضي مشروعنا حسب البرنامج المعد ِّ سلفاً . وافق المتنبي على البقاء مع الملكات ، بل ووافق على مقترحي في أن ينشد لهنَّ بعض أشعاره في الغزل والنسيب والتشبيب أي الرومانس . إنه لم يتغزل بإمرأة وجهاً لوجه في طول حياته وعرضها . ستكون تجربته الأولى ولسوف نراقب ونرى ثم نحكم . لكن شاعرنا قد إشترطَ عليَّ أن أصاحبه في إنشاده توقيعاً على عودي ثم أغني هذه الأشعار بأجمل ألحاني فوافقتُ بالطبع . تطلعت ُ في وجه مليكتي (( لبان عدن )) ... فهمت قصدي فخاطبت فريد الأطرش قائلة ً : هل لي من طلب يا فريد لديك ؟ بكل سرور ، أجاب فريد . أن تغني لنا في بداية حفل هذه الأمسية أغنية {{ ختمَ الصبرُ بُعدنا بالتلاقي }} كرر الفنان جوابه السابق : بكل سرور ... سأغني كل ما تطلبين ، فمقامك عالٍ وكرم مبادرتك في دعوتنا لقضاء الأمسية في قصرك المطل على خليج عدن لكرم ٌ غير مسبوق ، ثم َّ إنك جوهرة الجزيرة واليمن ومليكة لبان عدن . قالها فريد ( لبان عدن ) لكأنما قال (( لبنان عدن )) ولا من غرابة ! فالرجل شامي الأصل وكانت لبنان دوماً جزءا ً من بلاد الشام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي


.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب




.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?