الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيناريو اختطاف لم يتم

عبد الرحيم الوالي

2008 / 2 / 10
الصحافة والاعلام


الاعتداء الجبان الذي تعرض له الزميل، الصحافي و الكاتب رشيد نيني، يوم الأحد الماضي، لم يكن ـ حسب رؤيتي الشخصية ـ من طرف لصوص كانوا يريدون سرقة حاسوبه المحمول و هواتفه النقالة فقط.
و حتى إذا ظهر ـ هنا أو هناك! ـ يوماً ما ثلاثة أشخاص عترفون بارتكاب هذه الجريمة الشنعة بدافع السرقة فقط، فأنا شخصياً سأظل غير مقتنع بأن الأمر كان حادث اعتداء روتيني من قبيل ما يتعرض له عموم المارة في شوارع و أزقة هذا البلد.
أول ما يدفعني إلى اعتبار الأمر اعتداء مدبرا و محبوكاً هو المكان الذي حصل فيه. فلا يوجد في العالم لص غبي إلى الحد الذي يجعله يرتكب مثل هذا الاعتداء على مرأى و مسمع من الناس، و في وسط العاصمة، و بجانب حائط مبنى البرلمان فوق ذلك. و بما أنني أعرف ذلك المكان جيدا، و كثيرا ما تجولت فيه نهاراً و في ساعات متأخرة من الليل بحكم عملي الإعلامي، فأنا أعرف أن كل ما يحيط بالبرلمان محروس من كل الجهات بقوات الأمن الظاهرة و الخفية التي ترابط هناك ليل نهار لحراسة مقر المؤسسة التشريعية و المنشآت الأخرى القريبة منها و مراقبة محيطها. و إذا أخذنا بعين الاعتبار التهديدات الإرهابية الموجهة ضد المغرب فالمنطقي هو أن يتم تشديد الحراسة لا أن يكون المكان خاليا تماماً من رجال الأمن كما حصل في لحظة الاعتداء على الزميل رشيد نيني. و لو كان المعتدون مجرد لصوص لتم إلقاء القبض عليهم في الحين.
المؤشر الثاني هو الطريقة التي تم بها الاعتداء و التي تحيل على احترافية عالية. فالمعتدون جاؤوا من الخلف و قاموا بجر الضحية بقوة من بين المسافرين الخارجين من محطة القطار إلى ممر خال دون أن يمكنوه من رؤية وجوههم. و هذه ليست بتاتاً طريقة لصوص هدفهم السرقة و إنما هي أقرب إلى عملية اختطاف. و ربما كان الهدف من السكين الموجهة إلى الجهة اليمنى من بطن الزميل نيني هو طعنه في ملتقى الجزء الأسفل و الجزء الأعلى من جسده طعنة مدروسة تؤدي إلى شل حركته نهائياً حتى يسهل اختطافه. و في هذه الحالة فالأمر يتطلب عددا أكثر من الأشخاص الثلاثة الذين باشروا التنفيذ، و يتعداه إلى بضعة نفر آخرين لتأمين التغطية، ربما هم بالضبط مَنْ ظل رشيد يعتقد أنهم مجرد مسافرين يغادرون محطة القطار. و ما يدفع إلى هذا الاستنتاج هو أن مواطنين عاديين لا يمكن أن يظلوا دون أي رد فعل و هم يرون الرجل يُجَرُّ من بينهم إلى الممر الخالي. و أقل ما يمكن توقعه في مثل هذه الحالة هو الصراخ من قبل هؤلاء "المسافرين". لكن شيئا من هذا لم يحدث حسب ما رواه الضحية.
المؤشر الثالث هو السرعة التي اختفى بها الفاعلون في "لمح البصر" كما قال الضحية دون أن يتركوا أي أثر أو يقعوا في أي ارتباك. فهذا يعني، ببساطة، أننا أمام أشخاص رياضيين و مدربين ركضوا بسرعة فائقة في اتجاه مكان آمن في الجوار القريب أو في اتجاه سيارة كانت رابضة عن قرب و على أهبة الاستعداد للانطلاق. و لم يحدث ذلك إلا بعد أن أدرك الفاعلون أن عملية الاختطاف قد فشلت بفعل المقاومة الاستثنائية التي أبداها الضحية و هو يمسك السكين بيده و يمنع الجاني من استعماله في الغرض الذي كان يريده، أي تسديد الطعنة المدروسة إلى النقطة الحيوية المستهدفة من جسم الضحية، و التي كان يراد منها شل الحركة لا غير. فعند هذا الحد فقط عمل المجرمون على إسقاط الضحية أرضاً و وجهوا إلى فخذه عدة طعنات في محاولة ثانية لشل الحركة. لكن العناية الإلهية وحدها تدخلت و حالت بين السكين و الفخذ رغم أن السروال الذي كان يرتديه رشيد قد مزقته السكين. و في محاولة يائسة، و أخيرة، لتغييب الضحية عن وعيه وجهوا إليه رفسات قوية على مستوى الرأس و الوجه. و عندما ظل ـ ربما بإصرار الممارس القديم للرياضات القتالية ـ متشبثا بالبقاء في وعيه، كان لا بد من التمويه على الهدف الحقيقي من العملية بسرقة حاسوبه المحمول و هواتفه النقالة. و ربما كان هذا أيضا مقصودا في حد ذاته ما دامت هذه الأجهزة نفسها تتضمن معلومات و قابلة للاستنطاق إلكترونياً.
أتذكر أنه قبل حوالي ثلاث سنوات من الآن، حينما كنت لا أزال أعمل في إحدى الجرائد المغربية، كان رشيد نيني يكتب عموده اليومي في الجريدة التي كان يعمل بها قبل أن يؤسس "المساء". و في ذلك الوقت كان قد تم تنبيه رشيد إلى أنه "يتجاوز الخطوط الحمراء". و بعد ذلك بعدة أشهر فُرضت عليه الرقابة و اختفى عموده اليومي. لكنَّ هذا لم يشكل "خطا أحمر" بينه و بين كتابة ما يريد حيث أصدر جريدة "المساء" مصرا على الكتابة دون "خطوط حمراء".
و هذه هي "الخطيئة الكبرى" التي لم يغفروها له إلا على حدود دمه الأحمر الذي أسالوه قرب بناية البرلمان، الحمراء هي الأخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يوم ملتهب في غزة.. قصف إسرائيلي شمالا وجنوبا والهجمات تصل إل


.. مصر تعلن تدخلها لدعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام -العد




.. الاحتلال يهدم منزل الأسير نديم صبارنة في بلدة بيت أمر شمال ا


.. حريق بمنزل لعائلة فياض في وسط مخيم جباليا بعد استهدافه من قو




.. بوتين يقيل وزير الداخلية سيرغي شويغو ويعينه سكرتيرا لمجلس ال