الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدب المنفي ، أو الحضور الغياب

عصام عبدالله

2008 / 2 / 11
الادب والفن


ضمن فاعليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الأربعين (2008 ) ، تلقيت دعوة كريمة للمشاركة في محور : " أدب المنفي .. أدب ما بعد الاستعمار " بالمقهي الثقافي . وربما كان اختلافي مع الزملاء النقاد المشاركين في الندوة ، د. نهي أبو سديرة ، د. محمد الشحات ، هو أن خلفيتي الفلسفية ، جعلتني أبدو وكأنني أغرد خارج السرب ، ولكنه تغريد لا نشاذ فيه .
بدأت بمقولة للشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش : " الوطن ليس دوما في الوطن ، والمنفي ليس دائما في المنفي " . وأعقبتها بروايتين : الأولي عن المؤلف الأيرلندي الشهير " جيمس جويس " ، الذي سئل إبان غربته في القارة الأوروبية إن كان يتوق إلي العودة إلي " دبلن " التي يهواها ، فقال " ومتي تركتها ؟ " . والرواية الثانية عن أحد الرهبان في القرن الثاني عشر الميلادي الذي قال : " الإنسان الذي يجد وطنه أثيرا ، لم يزل غرا ، طري العود ، أما الذي يري موطنه في كل مكان فقد بلغ القوة " .
والثابت في هذا الموضوع الإشكالي هو " أن المنفيين الكبار عبر التاريخ ، سواء كانوا أدباء أو مفكرين أو سياسيين ، هم الذين أوقدوا شرارة الأمل في نفوس شعوبهم ، وألهموها فكرة الحرية ، وقادوها إلى شواطئ الأمان، فالمنفى ما إن يتخطى الذاتية المغلفة إلا ويصبح كائناً عالمياً، يتطلع إلى تغييرات شاملة . " كما كان يردد دائما إدوارد سعيد .
لكن ما حفزني علي البحث بشكل أعمق في أدب المنفي ، هو ما قراءته حديثا للأديبة العراقية المتميزة فاطمة البتول . فقد سافرت إلي أوروبا منذ طفولتها ، وظلت تحلم بالعودة مرة أخري إلي بلدها ومسقط رأسها ، وحين عادت والحنين يملؤها ، قبل سنوات ، اكتشفت أنها غريبة في مكان غريب ، وأن القصص التي حكيت لها عن العراق لم تكن سوي أساطير ، فرجعت من حيث أتت ، والحسرة تعتصرها ، وكتبت هذه العبارة الصادمة : " لم نعد ننتمي إلا لظل أجسادنا " ، وهذا هو لب الموضوع .

وهو ما يشير ، منذ البداية ، إلي أن أدب المنفى ليس جنسًا أدبيًا بالمعني الدقيق ، بقدر ما هو أدب يلازمه حدث مهم ألا وهو النفي، سواء كان اجباريا أو اختياريا ، فهو مواز لأدب المقاومة أو أدب الرحلة ... إلخ. ويغطي أدب المنفى كل الأجناس الأدبية المعروفة من شعر ورواية وقصة قصيرة وملحمة ومسرحية، وأحيانًا يتجاوز المتعارف عليه من الأجناس الأدبية الرفيعة ليقدم يوميات أو شهادات أو سيرة.
فضلا عن أن أدب المنفي ليس جديدًا، وإن كان حضوره الكثيف اليوم ، بفعل العولمة وثورة الاتصالات والمعلومات ، يطغى على تيمات أخرى باعتبار "عبور الحدود"، هجرةً أو نفيًا أو لجوءًا، أصبح السمة الغالبة على عصرنا .
وأول قصة عن آلام المنفى موجودة في التراث الفرعوني وتحكي عن تعاسة الغربة وفرحة الرجوع إلى الوطن . وفي الكتب المقدّسة نجد تيمة "الخروج" في العهد القديم ، و"الهجرة" في القرآن الكريم .
وفي الأدب الإغريقي نجد البطل أوديب معاقبًا بالنفي عن مدينته ومملكته، محكومًا بالتنقل في التيه .
فاللفظة اليونانية الدالة على «الوطن» هي Patris، أو «أرض الآباء»، وتقع في الكتاب الخامس من «الإلياذة»، ووردت أساسا للتعبير عن عذاب النفي ، حيث يقول «بناداروس لاينياس»: «عندما أعود إلى بلدي ثانية القي بصري على أرض مولدي وزوجتي وبيتي المرتفع…».

بيد أن مفهوم " أدب المنفي " من أكثر المفاهيم مراوغة ، يخبو ثم يعود مجددا ، وفقا لسياق إجتماعي تاريخي معين . كما أن لديه القدرة علي التلون بالأصباغ والظلال الثقافية والمعرفية للعصر . ففي أوائل القرن العشرين ظهر مصطلح " أدب المهجر " ، كظاهرة أدبية فريدة عنيت أساسا بالحنين إلي الوطن والغربة والإغتراب بالمعني الوجودي ، وكانت تلك هي سمة النصف الأول من القرن الماضي .
اليوم لم يعد هذا مصطلح " أدب المهجر " متداولا إلا في كتب التاريخ الثقافي والأدبي ، رغم أن " أدب المهجر " لم يتراجع بقدر ما تراجع مفهوم المهجر ذاته في الوعي . فلم يعد المهجر هو ذلك المكان الذي تقل احتمالات عودة من يذهب إليه لأن تطور وسائل النقل والمواصلات والاتصالات عبر الأقمار الصناعية غيرت الظروف وبدلت الأحوال . وبالتالي تغيرت طريقتنا في التفكير والتأويل ، فلم يعد المهجر مهجرا بالمعني القديم ، ولم يعد الأديب بعيدا عن مجريات الأحداث في بلده الأم ، بل أصبح في قلبها ، مشاركا بشكل أعمق وأكثر فعالية من خلال حضوره في الخارج ، عبر وسائل الاتصال الحديثة والمواقع الالكترونية والفضائيات ، والمنظمات الدولية والمنتديات ودور النشر العالمية . وهو ما يدفع بقوة مفهوم " الحضور الغياب " كما طرحه " هيدجر " و " ليفيناس " و " دريدا " إلي ساحة الدراسات الأدبية والنقدية ، والدراسات المقارنة ، وبكلمة واحدة فإن الإنسان والكلمات والأشياء ، تحضر حين تغيب ، وتغيب في حضورها .
لدينا مئات من الأدباء العرب المتميزين اليوم ، يكتبون باللغات الأجنبية مباشرة ، وتختلط في كتاباتهم هموم أوطانهم بالواقع الذي يحيونه في أوروبا وأمريكا ، وتجاربهم في الغربة بذكريات نشأتهم الأولي ، وهذا المزج والامتزاج هو أهم ما يشكل أدبهم . بل إن أهم من يميز انتاجهم الأدبي هو طرح فكرة " الهوية المفتوحة " في سياق العولمة ، و" الأنا " و" الآخر " كتبادل للمواقع والمواقف ، بوضوح وجلاء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب


.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في