الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرية مالتوس وأزمة الزواج العربي

يوسف هريمة

2008 / 2 / 10
الادارة و الاقتصاد


يعرف الوضع العربي بمختلف مستوياته مجموعة من الإشكاليات على درب الرقي الحضاري والإنساني، الذي يمكن أن يجعله في مصاف الدول المتقدمة بأشواط لها امتدادات ثقافية واقتصادية واجتماعية تصل إلى آلاف السنين. ونظرة في هذا الواقع وفي مستويات تركيباته المختلفة يجعل من القارئ لهذه السيرورة التاريخية -المبتدئة من الانحدار الذي عرفته هذه الرقعة الجغرافية- يقتنع بكل ما تنتجه الأمم المتحدة من تقارير سنوية تجعلنا في مصاف الدول المتأخرة على خريطة التنمية البشرية، وتصنفنا في مصاف الدول المصدرة للعجز الفكري وقمع الحريات الدينية والثقافية، ولا غرو أن يكون هذا الإطار العام محكوما بنسق تاريخي معين، يحكم قبضته على مسارات التنمية المنشودة داخل أوطاننا وبلداننا العربية، تجعل منا بلدانا سائرة في طريق النمو ولن تدركه أبدا إلا بالخروج من هذا الركام الكبير من الجمود والانحطاط، وعدم المسؤولية بالاستفادة من التاريخ الإنساني والأوربي منه على وجه الخصوص، وتحريك قوانين الاجتماع والنفس لخدمة الإنسان والصالح العام بدل تضييقها في دوائر المصلحة الخاصة.
إن جزء من هذه التركيبة يجعلنا نفهم مجموعة من الإشكالات التي يطرحها العقل العربي الخاص والعام، حول مختلف مظاهر العيش ومقارنتها بغيرنا من الدول الحديثة العهد بالتقدم في قطعها أشواطا ومراحل في البناء الإنساني، رغم ما يعترض هذه المسيرات من عراقيل وصعوبات تجتازها الرغبة في التغيير الحقيقي. أحببت أن أضع بين القارئ الكريم اليوم موضوعا من المواضيع المثيرة للجدل داخل مجتمعاتنا، ويكرس أحد أكبر الهموم لشباب اليوم في علاقته مع بعضه البعض، ورسمه لمعالم النمو الناتج عن جانب نفسي يفتقده المواطن المسحوق بشكل يومي لمجموعة من الاعتبارات، ولا يذوق حلاوته المواطن الميسور بسبب نظرة تكون في غالبها مختلة من أساسها، إنه موضوع الزواج وأزمة المواطن العربي.
اخترت هذا الموضوع لأنه يلامس قضية من قضايا الإنسان العربي، ويكشف بجلاء عمق الفجوة التي يثيرها هذا الجانب لدى طبقة مهمة تعتمد عليها كل الدول في البناء والسير إلى مراتب التنافس لصناعة الغد المشرق، إذ لا يمكن أن نتصور شبابا يحمل عمق قضاياه ومشاكله وآماله وأحلامه يسعى إلى رسم طريق خلاصه، في ظل واقع يرزح كما قلنا سابقا على جداول وإحصائيات الأمم المتحدة في أواخر المراتب على المستوى الصحي والنفسي والاقتصادي والعلمي والاجتماعي والثقافي. وعليه فإن جزء من هذه الوضعية العربية في شقها قيد المدارسة أي أزمة الزواج، تخلق اضطرابا نفسيا ينعكس على نفسيات أجيال من الشباب تتعامل معه بمستويات متعددة، قد تكون تسكينية يكون الدين أحد جوانبها بصيام الفرج نهارا وتحريكه ليلا، أو بالهروب إلى مستنقعات الكبت الجنسي بمختلف مستوياتها يضيع معها الإنسان عبر أمراض وأوبئة لافتقارها إلى أبسط الشروط الصحية.
لن أعالج الموضوع من زاوية تحاول رصد أسباب هذه الظاهرة بطريقة كلاسيكية تعزي ظهورها إلى أسباب دينية واقتصادية واجتماعية وغير ذلك من الأمور، ولكن سأحاول أن أبسط الفكرة من زاوية أخرى أحاول ربط هذه الأزمة من خلال ما يعرف بنظرية مالتوس Malthus الاقتصادية والسكانية. ربما يتساءل البعض وما علاقة ذاك بأمر اجتماعي له امتدادات متعددة هي المحرك الأساسي لهذه اللعبة؟، وهو تساؤل مشروع وصحيح في الكثير من جوانبه، غير أن فتح باب النقاش عبر هذه المحاولة، ووضع سؤال الزواج أمام البحث سيمنحنا هذه الإمكانية ولو أخطأنا الطريق على حين غفلة منا، إذ ليس المهم هو خطأ أو صواب الربط، بقدر ما هو فتح الطريق أمام البحث في مشاكلنا النفسية والتاريخية والثقافية المتراكمة في عقلية عربية لا تستطيع في الكثير من الأحيان أن تشخص أزمتها، بله أن تجد لها حلولا أو تدفع بها نحو المستقبل البعيد.
لكن قبل خوض غمار هذا السؤال الإشكالي أحب أن أطرح السؤال التالي: من هو مالتوس Malthus ؟:
*- مالتوس ونظرية السكان:
ولد Thomas Robert Malthus في 14 فبراير من سنة 1766 بدوركينغ ( dorking (، الولد السادس لأسرة ميسورة الحال. كان أبوه صديقا شخصيا للفيلسوف David Hume و Jean Jack Rousseau، عرف بأعماله خاصة المتعلقة بالإشكالية بين زيادة السكان والإنتاج في سياق تحليلي اعتبره الكثير من الباحثين سياقا تشاؤميا بالمقارنة مع فكرة الاقتصادي الشهير Adam Smith المميزة بتوازن منسجم ومستقر. تلقى تعليمه الأول بالبيت ليلتحق ب ) jésus collège ( بكمبريدج ويحصل على كرسي الأستاذية هناك سنة 1793، وبعدها بسنتين سيصبح راهبا بالكنيسة الإنجيلية.
كانت سنة 1798 سنة مفصلية في حياة هذا المفكر الاقتصادي حيث سينشر مقالة بعنوان:" Essay on the principle of population "، التي ستحدث ضجة فكرية خلال القرن الثامن عشر تستتبعها ثورات فكرية في مختلف الأنساق المعرفية المتأثرة بأطروحتها من قريب أو من بعيد. روجت هذه المقالة لقضية لاحظها واضعها بأن عدد السكان يتزايد بمتوالية هندسية 1- 2- 4- 8- 16... في حين أن وتيرة إنتاج الطعام والغداء للعنصر الإنساني لا تزيد إلا بمتوالية عددية 1- 2- 3- 4 ، مما يخلق فجوة كبيرة بين العدد الكبير من التزايد السكاني الذي تشهده الأرض، وقضية الإنتاج الغدائي لسد هذه الحاجيات المتزايدة بشكل مخيف. هذا الوضع كما وصفته المقالة لا بد له من إجراءات عملية حتى لا تتسع الهوة، ودعا إلى تنظيم دائم لقضية السكان عبر مستويات عديدة قد تكون حروبا وأوبئة وقد تكون حدا من الزواج، وغير ذلك من وسائل السيطرة على نمو السكان.
تأثر بالنظرية مجموعة من المفكرين في كتاباتهم وتجاربهم الحياتية والعلمية بغض النظر عن صدقها من بطلانها، فكان تأثيرها واضحا حسب مجموعة من الباحثين على تشارلز داروين في قانون الانتخاب الطبيعي، وعلى كارل ماركس وغيرهم كثير. تطورت النظرية المالتوسية Malthusianisme على يد بعض المعاصرين كماكليري وغيره الذين رأوا أن سبب نمو هذا التفاوت راجع إلى انخفاض أسعار السلع الغذائية في مقابل ارتفاع أجور العمال، كما أن المالتوسية الجديدة تؤكد على أن السبب في تزايد السكان هو معدلات الوفيات المنخفضة، في مقابل المالتوسية القديمة التي كانت ترى أن تزايد معدلات الولادات بشكل متسارع وفق ما رسمه مالتوس هي السبب في زيادة السكان.
*- مالتوس وأزمة الزواج: أي علاقة؟؟؟
بعد أن عرفنا بشكل موجز نظرية من النظريات المؤثرة بشكل كبير على المسار التاريخي المعاصر بغض النظر على صحتها من بطلانها، نحاول أن نعرج على سؤالنا المحوري داخل هذا الموضوع، ألا وهو أزمة الزواج العربي في ارتباطاته بهذه النظرية، إذ لا يكفي من وجهة نظري الوقوف على بعض النتائج الخطيرة في هذا الباب إلا بقراءة الواقع النظري المؤسس لهذه الأزمات الاجتماعية سواء أقر العقل العربي بصدقها أو لم يقر. ولست هنا بصدد إنكار الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي غالبا ما تفسِّر ظاهرة في حجم ما نحن بصدد دراسته، ولكن لكشف بعض من معالم الأزمة فيه وفق تصورنا له خاطئا كان أو صائبا.
يمر العالم العربي بتحولات وتحديات كبيرة يفرضها الزمن المتسارع، وصغر العالم بشكل تصبح فيه نظريات وأفكار وسياسات العالم متاحة لكل واحد صغيرا كان أو كبيرا، يريد الاستفادة من هذا التراكم الإنساني والفكري لتطويعه من أجل خدمة أغراض معينة. ولمعرفة حجم هذا الانفتاح العالمي نقرأ سؤال الزواج المؤرق لدى مختلف طبقات ومستويات العقلية العربية في هذا السياق الثقافي الذي يجعل من نظرية مالتوس Malthusianisme مرتكزا في التعامل مع هذا المعطى بمستويات متعددة، فالسياسات العربية تنحو بإرادتها أو دونها إلى تطبيق هذه النظريات، من خلال هذا الحد من الفرص المشجعة على الزواج وهو ما يسميه مالتوس الحد من الزواج، ولعل البطالة المنتشرة والأوضاع غير القابلة لإنشاء مؤسسات أسرية مستقرة تدخل في هذا النطاق المؤمن بعمق هذه النظرية. ولتضييق دائرة الفجوة كما يسميها مالتوس بين العدد السكاني والإنتاج الغدائي، فيلزم الحد من النسل حتى للذين توفرت لهم إرادات وظروف عيش تسمح بزيادة السكان، حيث تلجأ مختلف الحكومات العربية إلى قوانين تحديد النسل والسياسات الديمغرافية المختلفة. إن طرح سؤال أزمة الزواج من زاوية معرفية عبر تأثير هذه النظرية الكبيرة في المجال السكاني، من شأنه أن يلقي الضوء على بعض من تبعاتها وامتداداتها، ويخرج من النسق التبسيطي الذي يختزل الأزمة في بعض من جوانبها، متناسيا بأن الأمر هو جهاز مفاهيمي مستحكم في السياسة العربية من جراء هذا التأثير المحكم في دواليب الأزمة تحت مسميات عديدة.
فتحت الموضوع بتعقيداته وحساسياته الاقتصادية والنفسية والاجتماعية من أجل مقاربة أربط فيها موضوعا اجتماعيا بنسق نظري ينتمي إلى القرن الثامن عاشر ويمتد بتأثيراته حتى عالمنا المعاصر، ولا أزعم أن هذا الربط منطقي أو صحيح، إلا في حدود الرؤية التي أود أن أطرحها للنقاش متسائلا مع كل المتدخلين والمتفاعلين سؤالا:
هل بين أزمة الزواج العربي ونظرية مالتوس من علاقة؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاليدونيا الجديدة: كيف ستدفع الدولة فاتورة الخسائر الاقتصادي


.. كيف تؤثر جبهة الإسناد اللبنانية على الإقتصاد الإسرائيلي؟




.. واشنطن تفرض عقوبات اقتصادية على بضائع صينية، ما القطاعات الم


.. وكالة ستاندرد آند بورز تصدر توقعاتها بشأن الاقتصاد المصرى




.. برشلونة يتراجع عن استمرار تشافى ومنافسة بين فليك وكونسيساو ل