الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة رجال الأعمال لن تحمي مصر من استيراد التضخم

رمضان متولي

2008 / 2 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


تتزايد توقعات ارتفاع الأسعار العالمية للغذاء، خاصة مع ارتفاع أسعار المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح وفول الصويا والذرة وغيرها بوتيرة سريعة في بورصات نيويورك وشيكاغو وأسواق أخرى، وقد أدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى زيادة أسعار الأسمدة والكيماويات وبالتالي زيادة تكاليف المحاصيل وارتفاع أسعار الأعلاف والألبان وغيرها.

ولأن جميع الأسعار في مصر تتأثر بالأسعار العالمية إلا سعر بني آدم، فإن فقراءنا بالتأكيد ينتظرون عاما عصيبا يخرج فيه علينا التجار والمستوردون زاعقين بأنهم مضطرون إلى زيادة أسعار المنتجات الغذائية والألبان بسبب ارتفاع الأسعار العالمية، وأنهم يتكبدون خسائر هائلة لأن الأسعار مازالت منخفضة مقارنة بالتكاليف التي تأثرت كثيرا بارتفاع الأسعار العالمية.

ورغم أنني لا أصدق أنهم يخسرون، لسبب بسيط أنهم بالتأكيد لا يفتحون شركاتهم حبا في الوطن ولا من أجل سواد عيوننا، وإنما دافعهم الوحيد، أو على الأقل الأساسي، هو تحقيق الربح وأنهم لولا هذا الربح العزيز جدا عليهم لأغلقوا منشآتهم وأراحونا واستراحوا، فسوف أسلم جدلا بأن ارتفاع الأسعار العالمية سوف يؤثر عليهم سلبا بطريقة تدفعهم إما إلى زيادة الأسعار في السوق المحلية أو الإفلاس.

خطورة هذا الأمر أن مصر تستورد معظم غذائها من الخارج، وزيادة أسعار الغذاء كما حدث فعلا يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم بنسبة كبيرة مما يعني مزيدا من الضغوط على الفقراء والطبقة الوسطى الذين يعانون فعلا تحت وطأة ارتفاع الأسعار عند المستويات الحالية وقبل أن يبدأ المستوردون في زيادة أخرى للأسعار بعد ارتفاع أسعار المحاصيل منذ بداية عام 2008.

وزير التجارة والصناعة المهندس رشيد محمد رشيد لديه وسيلة أوتوماتيكية تكاد تكون الوحيدة عند زيادة الأسعار تتمثل في تحويل الشركات إلى جهاز مكافحة الاحتكار، وبعد تحقيقات مطولة ربما يقوم بتحويل بعضها إلى النيابة العامة ثم إلى محكمة الجنايات. غير أن هذه الوسيلة لا تجدي نفعا حتى مع الشركات التي تحقق أرباحا هائلة نتيجة لممارسات احتكارية مثل شركات الأسمنت أو الحديد، فما بالنا بشركات تتعرض فعلا لضغوط ارتفاع الأسعار العالمية لمدخلات الإنتاج مثل شركات المنتجات الغذائية. بالنسبة للشركات الأولى، ستقوم ببساطة بسداد الغرامة مهما بلغت قيمتها لأنها تستطيع تعويض قيمة هذه الغرامة من خلال الاستمرار في تصدير الأسمنت والحديد إلى الأسواق الخارجية، حيث ترتفع فيها الأسعار، وتعطيش السوق المحلية. أما بالنسبة للشركات الثانية فسوف تكتشف المحكمة أن زيادة الأسعار خارجة عن إرادتها وناتجة عن ارتفاع تكاليفها ولن تفرض عليها أي غرامات، بينما يظل فقراء مصر يعانون نتيجة لسياسات هذه وتلك، وحائرين أمام عجزهم عن مواجهة تكاليف المعيشة.

غير أن الحكومة تتعمد الابتعاد عن أصل المشكلة كما تتعمد عدم اتخاذ السبيل الوحيد إلى تجاوزها. وحتى نتبين ذلك، تعالوا نفكر في مسألة الأسعار العالمية بطريقة مختلفة. فارتفاع هذه الأسعار لم يؤثر على مصر تأثيرا سلبيا فقط، وإنما كان له أيضا تأثيره الإيجابي، حيث ارتفعت أسعار النفط والغاز، وارتفعت إيرادات قناة السويس لأن الرسوم التي تحصلها مصر على الحركة في القناة تعتمد على قيمة الحمولة في كل سفينة، كما ارتفعت أسعار صادرات مصر من الأسمنت والحديد والأسمدة والبلاستيك ومواد البناء نتيجة لارتفاع الأسعار العالمية، في نفس الوقت الذي لم ترتفع فيه تكلفة هذه المنتجات في الداخل، بل إنها انخفضت كثيرا نتيجة لسياسات الحكومة من دعم وخفض ضرائب وغيرها، كما أنها تنخفض كثيرا عن مثيلاتها في دول أخرى نتيجة لانخفاض أجور العمال المصريين مقارنة بنظرائهم في تلك الدول.

وهكذا تكتمل الصورة، فارتفاع الأسعار العالمية للصادرات يترجم في صورة أرباح هائلة للمصدرين، أما ارتفاع أسعار الواردات فيترجم إلى أعباء متزايدة على كاهل الفقراء في مصر، "طبعا مع حماية أرباح المستوردين".

صوت العقل يقول إن الدولة يمكنها إذا أرادت ذلك أن تعوض هذا بذاك، بمعنى تخفيض أسعار الغذاء والواردات (مع إعادة هيكلة الواردات بحيث لا نستورد إلا الضروري) وتمويل هذا التخفيض باستخدام الإيرادات الهائلة التي تحققها الصادرات سلعية كانت أو خدمية. ويمكن أن يتحقق ذلك بسهولة إذا قررت الحكومة عدم التعامل مع الخارج تصديرا أو استيرادا إلا من خلال الدولة، وأن تشتري من المنتج المحلي سلعته بأسعار تتناسب مع التكاليف المحلية وتبيعها في الخارج بالأسعار العالمية ثم تستورد ما نحتاجه في مصر من الخارج وتبيعه للتجار بأسعار تتناسب مع مستويات الدخول المحلية، وبالتالي تستطيع أن تحافظ على استقرار الأسعار بالداخل وتحمي المصريين من استيراد التضخم من الخارج.

لكن الحكومة المصرية لن تلجأ إلى ذلك مهما حدث، لأنها حكومة رجال الأعمال وليست حكومة الفقراء، ولأنها متداخلة معهم حتى أن رجال الأعمال وزراء فيها كما أن المستفيدين من هذه الصورة المشوهة أعضاء متنفذين في جهازها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف ساهمت تركيا في العثور على مروحية الرئيس الإيراني المحطمة


.. كأس الاتحاد الأفريقي: نادي الزمالك يحرز لقبه الثاني على حساب




.. مانشستر سيتي يتوج بطلا لإنكلترا ويدخل التاريخ بإحرازه اللقب


.. دول شاركت في البحث عن حطام مروحية الرئيس الإيراني.. من هي؟




.. ما المرتقب خلال الساعات المقبلة حول حادثة تحطم طائرة الرئيس