الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوق النساء أو ص.ب 26

ثائر العذاري

2008 / 2 / 11
الادب والفن


رواية د.جمال بوطيب ((سوق النساء أو ص.ب 26)) تحتاج إلى التوقف عندها في أكثر من موقف، فهي رواية ذات بناء فتي معقد وغير مألوف وغير قابل للتكرار، وهي تعرض نموذجا جيدا لوضع البناء الفني أو الشكل على وجه الدقة في خدمة الموضوع.
وأول ما ينبغي للقارئ التفكير فيه بعد انتهائه من القراءة عنوان الرواية، فهو مفتاح مهم لفهمها، فقد نستطيع فهم عبارة (سوق النساء) على إنها إشارة إلى مجموعة النساء اللواتي يظهرن في الرواية بائعة هوى أو باحثات عن المتعة الآنية، لكن (ص.ب 26) عبارة غير موجودة في متن الرواية على الإطلاق، فماذا أراد بها المؤلف؟ وفي رأينا تمثل هذه العبارة مفتاحا مهما لفهم بنية الرواية كما سنبين.
تسرد الرواية حكاية حبيبين هما (عبد الرحيم دباشي) و(لبانة الربيعي)، حكاية تختلط فيها الآلام واللذائذ تنتهي بأن تهجر لبانة حبيبها إلى غير رجعة، والحكاية تسرد من زوايا نظر مختلفة في ثمانية فصول، فمرة يأخذ عبد الرحيم زمام السرد ومرة لبانة وأخرى صديق مشترك للحبيبين.
غير أن الروائي اختار أن يسمي فصول الرواية تسميات غريبة، فالفصل الأول اسمه (الفصل العاشر- رأس الخيط)، والفصل الثاني هو (الفصل الثامن – خيط الرأس).. وهكذا، ولكي نتمكن من تحليل بنية الرواية سنحتاج إلى تقديمها بشكل الجدول الآتي:
تسلسل الفصل عنوانه الراوي فكرته ملاحظات
1 الفصل العاشر رأس الخيط عبد الرحيم يحكي القصة ابتداء من نهايتها ويعبر عن آلام الفراق
2 الفصل الثامن خيط الرأس عبد الرحيم يحكي بداية قصته مع لبانة المكالمة الهاتفية الأولى بينهما كما تروى من وجهة نظره مهمة لفهم العلاقة
3 الفصل الأول باب الريح لبانة تحكي بداية القصة من وجهة نظرها المكالمة الهاتفية الأولى كما تروى من وجهة نظرها مهمة
4 الفصل الخامس ميثاق العشرة عبد الرحيم عبد الرحيم يتحدث عن مشاركته السكن مع صديق أيام الدراسة هناك حديث طويل عن قميص نوم (منامة) للبانة مهم لفهم غبد الرحيم
5 الفصل السابع ريح الباب لبانة تتحدث عن أسباب انتهاء علاقتهما وتعبر عن اصرارها على ذلك هربا من الشك من المؤكد أن هناك خطأ مطبعي هنا والفصل كما نظن هو الفصل التاسع لا السابع
6 الفصل الثالث دار الضمانة عبد الرحيم عبد الرحيم في تونس محاولا الهرب من لبانة لبانة غائبة تماما في هذا الفصل الذي يتحدث عن حالة البطالة في المغارب
7 لفصل الثامن الريق عبد الرحيم يحكي حكاية امرأة أخرى (أسماء) يضعها مقابلا للبانة فهي النسخة المضادة (الطاهرة)
8 الفصل السابع قدري صديق مشترك يكشف عن زيف العلاقة بين الاثنين وقيامها على اللذة الجنسية ليس الا لم يفصح عن اسمه ولا هما فعلا والأرجح انه الشخص الذي عرفهما ببعضهما وسمته لبانة (صديق مشترك)
وربما يكون اسمه (قدري) كما قال

وفي آخر الرواية هناك عبارة مهمة مستقلة بعد الفصل الأخير، هي:
((تنبيه من السارد:
المرجو عدم التعجل في إصدار أي حكم أو ابداء أي تعاطف مع عبد الرحيم دباشي أو لبانة الربيعي قبل قراءة الفصلين الرابع والسادس.))
وهذان الفصلان ليس لهما وجود في الرواية، وهذا أيضا يحتاج إلى تفسير.
عند تدقيق النظر في لغة الرواية نتوصل إلى أنها مكتوبة بلغة الرسائل، ففي كل فصل هناك متحدث يوجه خطابه إلى شخص معين، وأن يكون كل فصل عبارة عن رسالة، هذا أمر له علاقة بالعنوان (ص.ب 26) الذي سيفسر لنا هذا الارباك في ارقام الفصول، فكأن القارئ يعثر على هذه الرسائل في صندوق بريد ثم يبدأ قراءتها واحدة واحدة من غير ترتيب.
في الرواية عدد من الظواهر التي تجب الإشارة إليها:
1- إن الرواية تحكي حكاية عبد الرحيم (لا عبد الرحيم ولبانة)، فهو بطلها الذي تظهر كل جوانب حياته منذ طفولته حتى لحظة انهياره. ومن زوايا نظر مختلفة، ووجود لبانة ليس الا لإضاءة شخصيته من طرف خارجي حميم.
2- عبد الرحيم شخصية عصابية مصاب بالفتيشية التي تظهر في تعلقه بمنامة لبانة ومما رسته الجنسية المتنوعة باستخدامها ثم الانتقام من لبانة بتحويل منامتها إلى خرق لمسح الاحذي.
3- يحاول الكاتب إكساب روايته صفة قومية من خلال استخدام لهجات عربية مختلفة.
4- الرؤية السياسية هي الثيمة الرئيسة في الرواية، فهي في النهاية ترمي إلى فضح عجز النظام السياسي العربي الذي أدى إلى التخلف الثقافي والتجهيل المتعمد.
5- تعتمد الرواية كثيرا على الفولكلور المغاربي فهي مليئة بالأمثال والأغاني والزجل والشخصيات والأساطير الشعبية.

لقد نجح الكتاب في خلق أسلوب متميز لكل شخصية، فأسلوب عبد الرحيم يمتاز بالاستطرادات الكثيرة ومحاولة الظهور بمظهر الضحية المتعقل الذي يعرف قدر نفسه ويعاني من ظلم من حوله له، ولبانة كتبت بلغة المرأة الحانقة التي وصلت إلى أقصى درجات الملل من عشيق لا يثق بها، والصديق المشترك كتب بأسلوب من يشعر بالذنب إزاء مأساة تحدث تحت عينيه.
واذا كانت شخصية عبد الرحيم هي الشخصية الرئيسة التي تحت مجهر السرد، فإن بإمكاننا أن نخمن أنه مثقف يعمل في مجال ثقفي، صحفي على الأرجح، نظرا لمعرفته الكبيرة بالوسط الثقافي وطبيعة لغته وعنايته بدقة التعبير، هذه الصفة الأخيرة التي لا حظتها لبانة منذ اللحظة الأولى لمعرفتهما وحاولت تقليدها، حتى في عناوين فصولها، فحين يسمي عبد الرحيم الفصلين الذين يحكي فيهما حكايته مع لبانة (رأس الخيط) و(خيط الرأس) للتعبير عن الحكاية كاملة، تسمي لبانة فصليها (باب الريح) و(ريح الباب) تقليدا له، ليكون يوم تعرفها به الباب الذي تأتي منه الريح، ويكون هو الريح المزعجة التي تأتي من ذلك الباب، وتكون النتيجة (الباب الذي تأتيك منه الريح أغلقه واسترح).
في شهر واحد قرأت روايتين تجتمعان في الثيمة النهائية، الأولى رواية (زينة) للروائي المصري السيد حنفي، والثانية هذه الرواية، فكلا الروايتين تحاولان هزّ عقائدنا والتعبير عن الشعور بالضياع وضياع الحقيقة وفقدان السيطرة على الوجود.
لا شيء حقيقي أبدا في هذه الرواية، فكل شخصياتها كذابة تحاول تبرير مواقفها والتنصل من أية مسؤولية، كل الشخصيات تحاول الظهور بمظهر الصادق البريء المظلوم الشريف، لكنهم جميعا – إذا نظرنا لهم نظرة خارجية- مسلوبين منتهكين مسحوقين يكذبون على أنفسهم قبل أن يكذبوا على القارئ، فيتوهموا أنهم أحرار في قراراتهم.
(سوق النساء) تعبير عن الواقع العربي المؤلم، وهي –في الحقيقة- سوق النساء والرجال على حد سواء حيث يتحول الإنسان إلى سلعة بخسة وبائرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07