الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ارضنة الدين

سعدون محسن ضمد

2008 / 2 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


كثيرة هي الفلسفات التي تناولت الدين وحاولت ان تتحدث عن طبيعة الشرعية فيه وعلاقتها بالانسان، ومن تعدد المدارس الفلسفية تعددت الرؤى المطروحة بهذا الخصوص لكن الملاحظ ان اغلب هذه الرؤى واكثرها قرباً من المؤسسات الدينية تواطأت على مقولة مشتركة مفادها عدم اهلية الانسان للتشريع، وان الاصل في الاحكام انها مُنَزَّلة من السماء وأن الغرض من سماويتها منع الانسان من توريط نفسه. ومن هذا المنطلق ووفق هذا المنطق تفرعت كل الثقافات القائمة على اقصاء الانسان والنظر اليه بدونية. ومنها فلسفة السياسية الشرقية القائمة على مقولة الاختيار السماوي للحاكم. فهذه الفلسفة هي الاخرى (مترفعة على الانسان) ذلك انها تعتبر الشعب غير مؤهل لا للتشريع ولا حتى لاختيار الحاكم المناسب ولذلك يجب ان تتولى السماء ـ ممثلة برجال هذه الفلسفة ـ كلا هاتين الفعاليتين.
لكن هناك تناقضا وقعت فيه فلسفة الترفع هذه يتجلى بعودتها الدائمة الى الانسان مضطرة الى الاحتكام اليه بخصوص الكثير من الموضوعات التي تعجز هي عن ايجاد احكام (فوق انسانية) مناسبة لها. فالنصوص المتضمنة للاحكام الشرعية متناهية والموضوعات التي يجب الحكم بشأنها غير متناهية، ومن هذه الاشكالية نشأت العقدة التي سمتها هذه الفلسفة بـ(منطقة الفراغ التشريعي).
ثلاثة ارباع الاحكام الفقهية، تقريباً، هي احكام اجتهادية/ ظاهرية، بمعنى انها ليست احكام الله مائة بالمائة، فمصدر الحكم الظاهري ـ ومهما حاولت فلسفة (الترفع) ان تؤلهنه ـ هو العقل الانساني. ولذلك يقر الفقيه في نهاية المطاف باحتمال اختلاف فتواه عن حكم الله، وهذا يعني ان ثلاثة ارباع الاحكام الفقهية، تقريباً، هي احكام انسانية. ماذا تعني اذن مقولة ان الشعب غير مؤهل للتشريع وان الدين يجب ان يكون المصدر الوحيد له؟
بعبارة اخرى نستطيع ان نقول بان الفلسفة التي ترفعت على الانسان كانت غير واقعية وخيالية لدرجة انها لم تدرك ان فعّالية الاجتهاد، التي أقرتها هي، تتضمن الاعتراف بأهلية الإنسان للتشريع، وبشرعية أحكامه، وان الغرض من الدين تعليم الإنسان كيف يتحكم بخياراته.
لكن كيف يمكن لفلسفة ما ان تكون مغفلة لهذه الدرجة؟
حسناً... اذن قد يكون للموضوع ابعاد اخرى. ربما من اهمها ان هذه الفلسفة ليست مغفلة بقدر ما انها تسعى لاحتكار السلطة على الانسان. لذلك نجدها حريصة على ابقائه فاقداً الاهلية على الاختيار والحكم!.
قبل اقل من خمسين سنة كان تشريع (الفلسفة المترفعة) الخاص بالكافر هو أنه نجس ولا يجوز التعاطي معه بل ويجوز قتله ونهب ماله (سرقته بالاحرى). وكان تشريع الانسان عليه بانه انسان يتمتع بحقه في الاختلاف ليس اكثر. الآن تنازلت هذه الفلسفة عن حكم (الدين) لصالح حكم الانسان. ونزلت ممثلة برجالاتها لتصافح (الكافر) وتصالحه بل وتحتكم له.
نفس الموضوع ينطبق على نزول تلك الفلسفة عن احكامها (المؤلهنة) المتعلقة بعدم اهلية المرأة لاي شيء، الى حكم الانسان عليها بانها النوع الثاني من جنس الانسان، وانها تمتلك القدرة لان تكون مؤهلة لاي شيء. وهناك سلسلة طويلة من تنازلات هذه الفلسفة عن احكامها (المؤلهنة) غير الواقعية، الى الاحكام الانسانية الارضية والواقعية.
اهم ما يجب ان نتعلمه من تجربتنا التاريخية ان لا ننخدع بالشعارات، ومنها شعار (الحكم لله) الذي رفع سابقاً بوجه علي بن ابي طالب (الانسان) فقال عنه جملته المشهورة (هذه كلمة حق يراد بها باطل) اذ لا يمكن لله ان يحكم الا من خلال الانسان، ولا يكون ذلك الا بترك هذا الانسان يستخدم عقله ويخوض تجربته ويتعلم من اخطائه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات تشريعية في فرنسا: اكتمال لوائح المرشّحين وانطلاق ال


.. المستوطنون الإسرائيليون يسيطرون على مزيد من الينابيع في الضف




.. بعد نتائج الانتخابات الأوروبية: قادة الاتحاد الأوروبي يناقشو


.. ماذا تفعل إذا تعرضت لهجوم سمكة قرش؟




.. هوكشتاين في إسرائيل لتجنب زيادة التصعيد على الجبهة الشمالية