الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يمكن تطبيق الاشتراكية في دولة الاردن؟

حسقيل قوجمان

2008 / 2 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


تلقيت رسالة من قارئ عزيز ورد فيها السؤال التالي:
"سؤالي الى حضرتكم يتعلق بدولة الاردن وهي دولة صغيرة كما تعلمون واقتصادها ريعي وضعيف نسبيا ... سؤالي هل يمكن تطبيق الاشتراكية في دولة الاردن وهي كما تعلمون دولة صغيرة ومحدودة الموارد وغير متطورة صناعيا بدرجة كافية ؟ وهذا السؤال ينطبق بالطبع على جميع الدول الصغيرة والفقيرة واذا كان جوابكم بالنفي فماذا تكون المرحلة التي ينبغي على الاحزاب الشيوعية في الاردن الالتزام بها؟"
عزيزي القارئ ! لست خبيرا بطبيعة النظام القائم في الاردن ولا في التركيب الطبقي فيه وهذا يحد من قدرتي على الجواب على سؤالك الهام جدا جوابا قاطعا. ولكني احاول ان ابدي بعض الملاحظات النظرية التي قد تفيدك في تحديد موقفك او الموقف الشيوعي الصحيح من تطور الحركة الاجتماعية والسياسية في الاردن.
اعود تاريخيا قليلا الى الوراء. ففي السنة السابقة لثورة تموز في العراق جرى اتحاد بين العراق والاردن اطلق عليه اسم الاتحاد الهاشمي. ولم يدم هذا الاتحاد طويلا اذ انتهى مفعوله عند ازالة النظام الملكي في العراق نتيجة للثورة. ولكن الاتحاد نفسه قد يمكن اتخاذه دليلا على ان النظامين العراقي والاردني كانا متشابهين بحيث امكن توحيدهما. فلولا انهما نظامان متشابهان لما امكن اتحادهما وقد ثبت ذلك في الثورة اذ ان تغير النظام السياسي في العراق جعل النظامين مختلفين ولم يمكن استمرار الاتحاد.
وبما ان النظام السياسي والاقتصادي في العراق انذاك كان نظاما شبه اقطاعي شبه استعماري قد يمكن التوصل من ذلك الى ان النظام السياسي والاقتصادي في الاردن ايضا هو نفس النظام شبه الاقطاعي شبه الاستعماري.
ولكن العراق تجاوز مرحلة النظام السياسي والاقتصادي شبه الاقطاعي شبه الاستعماري نتيجة لثورة تموز فاصبح نظاما برجوازيا او راسماليا. ولم نسمع عن تغير جذري كهذا في الاردن. لذلك قد يستطيع الانسان التوصل الى ان النظام السياسي والاقتصادي الاردني ما زال النظام شبه الاقطاعي شبه الاستعماري كما كان في عهد الاتحاد الهاشمي. ان اول واجبات الباحث عن مستقبل الاردن كما هو الحال في اي بلد اخر هو تحديد طبيعة النظام السياسي. فطبيعة النظام السياسي القائم في كل بلد هو الاساس الذي يحدد طبيعة النضال السياسي في نفس المرحلة. فاذا كان مفهوم النظام شبه الاقطاعي شبه الاستعماري هو النظام القائم في الاردن حاليا يكون ذلك مرشدا هاما في تحديد طريق النضال وهدفه في هذه المرحلة من مراحل الثورة في الاردن.
ما هي ميزات النظام شبه الاقطاعي شبه الاستعماري؟ اولا هي تشير الى ان النظام الاقتصادي الغالب في البلد هو النظام الاقطاعي. وان علاقات الانتاج السائدة خصوصا في القطاع الزراعي هي علاقات اقطاعية. ثانيا ان النفوذ الاستعماري قائم ومسيطر على سياسة النظام السياسي القائم في البلد. وتأثير هذه السيطرة السياسية على الدولة كما هو معروف اعاقة التطور الصناعي الذي قد ينافس الاقتصاد الامبريالي للدولة الاستعمارية المسيطرة مثل بريطانيا سابقا وربما الولايات المتحدة حاليا في الاردن. وهذا ما يدعوك الى تسمية المجتمع الاردني مجتمعا ريعيا. فالاستعمار العالمي ايا كان لا يريد تطوير البلدان المستعمرة صناعيا. ولكن الاستعمار يرى من مصلحته اقامة بعض المشاريع الراسمالية في المستعمرات واشباه المستعمرات مستغلا القوة العاملة الرخيصة والمواد الخام المتوفرة في البلاد. وبذلك يخلق الاستعمار طبقة عمالية كبيرة تتجاوز العدد الذي ينشأ مع نشوء البرجوازية المحلية. وهذا ما يجعل الطبقة العاملة اوسع مما تتطلبه البرجوازية المحلية واكثر تنظيما.
ان المهمة الاساسية التي تجابه الاحزاب او المنظمات السياسية في بلد شبه اقطاعي شبه استعماري اذن هي التخلص من مثل هذا النظام السياسي قبل كل شيء. واجبها هو النضال من اجل تحرير البلاد من النفوذ الاستعماري وتخليصه من علاقات الانتاج الاقطاعية. واذا صح ان الاردن هو بلد شبه اقطاعي شبه استعماري فهذا معناه ان الاردن غير مهيأ حاليا للنضال المباشر نحو هدف الاشتراكية. ان البلد الذي يمر في مرحلة كهذه، مرحلة النظام شبه الاقطاعي شبه الاستعماري، هو بلد يمر في مرحلة الثورة البرجوازية. فالثورة في بلد كهذا تمر في مرحلتين، مرحلة الثورة البرجوازية ومرحلة الثورة الاشتراكية.
ما هي اهمية تحديد مرحلة الثورة التي يمر بها البلد موضوع البحث؟ ان هذا التحديد غاية في الاهمية لانه يحدد القوى التي ترى من مصلحتها تغيير النظام في هذه المرحلة والقوى التي تعارض تغيير النظام فيها. ففي مرحلة الثورة البرجوزية كما في مرحلة الثورة الاشتراكية تكون الطبقة العاملة اكثر الطبقات ثورية واكثرها رغبة في تغيير النظام السياسي. ولكن في مرحلة الثورة البرجوازية هناك طبقة اخرى يهمها تغيير النظام. فالطبقة الراسمالية الناشئة حتما في احضان علاقات الانتاج الاقطاعية تعاني من تضييق الدولة الاستعمارية والطبقة الاقطاعية على تطورها وعلى توسيع ارباحها عن طريق استغلالها للطبقة العاملة والفلاحين. وعلى هذا الاساس تكون للطبقة الراسمالية الناشئة مصلحة في تغيير النظام في مرحلة الثورة البرجوازية. ويختلف موقف الفلاحين والمهنيين والمراتب المتوسطة في مرحلة الثورة البرجوازية عن موقفهم في مرحلة الثورة الاشتراكية. ففي مرحلة الثورة البرجوازية يكون من مصلحة كافة فئات الفلاحين تغيير النظام. فالفلاحون الفقراء والعمال الريفيون تكون مصلحتهم مطابقة لمصلحة الطبقة العاملة سواء في مرحلة الثورة البرجوازية ام في مرحلة الثورة الاشتراكية. اما موقف الفلاحين المتوسطين فيختلف في المرحلتين. في مرحلة الثورة البرجوازية يكون موقف متوسطي الفلاحين الى جانب الثورة وكذلك موقف اغنياء الفلاحين او ما يسمى البرجوازية الريفية لان مصلحة هذه البرجوازية مطابقة لمصلحة الطبقة الراسمالية الناشئة في المدينة.
نرى من كل هذا ان للطبقة العاملة حلفاء يهتمون بتحقيق الثورة البرجوازية ولو ان اهتمامهم فيها اقل جدية من اهتمام الطبقة العاملة. فما يهم البرجوازية هو ازاحة الطبقة الحاكمة الاقطاعية شبه الاستعمارية والاستيلاء على السلطة السياسية لكي تحقق حريتها في التطور وفي زيادة ارباحها من استغلال العمال والفلاحين. ولكن هذا لا ينفي حقيقة ان هذه الطبقة والمراتب المتوسطة هم حلفاء محتملون للطبقة العاملة في هذه المرحلة. والطبقة العاملة لا يمكنها ان تفرط بحليف محتمل وتحوله الى عدو لذلك يكون من الخطأ رفع شعار الثورة الاشتراكية في بلد لم يحقق بعد المرحلة الاولى من الثورة، الثورة البرجوازية. وفي هذه المرحلة يكون تحقيق جبهة بين الطبقة العاملة والفلاحين من جهة والبرجوازية المدنية والزراعية من الجهة الثانية مهمة في غاية الاهمية على ان لا تصبح الجبهة الهدف الاساسي على حساب المصالح الطبقية للطبقة العاملة حتى في هذه المرحلة. فنضال الطبقة العاملة من اجل تحسين ظروفها المعاشية وزيادة اجورها ومكافحة البطالة اي نضال الطبقة العاملة ضد البرجوازية المحلية وضد المشاريع البرجوازية الاجنبية يبقى العامل الاساسي ومع ذلك تكون الجبهة شيئا مهما ومفيدا من اجل تحقيق الثورة البرجوازية.
واذا اخذنا الاردن نموذجا من هذه البلدان التي لم تمر في مرحلة الثورة البرجوازية ولم تنجح الراسمالية الاردنية الناشئة في الاستيلاء على السلطة السياسية فعلينا ان ندرس الطبقات والمراتب المكونة للمجتمع الاردني حاليا وان ندرس ونحدد موقف كل من هذه الطبقات والمراتب ومصلحتها ومقدار التعاون والتحالف الممكن بينها والعمل على تحقيق هذا التعاون والتحالف في سبيل انجاز الثورة البرجوازية ورفع الطبقة البرجوازية المحلية الى الحكم كخطوة اولى للتحول من شعار الثورة البرجوازية الى شعار الثورة الاشتراكية.
انك تتحدث عن جميع الدول الصغيرة والفقيرة. ولكن هذه الدول الصغيرة والفقيرة لا تمر كلها في نفس المرحلة من مراحل الثورة. فالدول التي تحققت فيها الثورة البرجوازية لم تعد تمر في مرحلة الثورة البرجوازية بل تحولت الى مرحلة الثورة الاشتراكية. ولا يغير من ذلك كون الدولة صغيرة او كبيرة. والموقف الثوري في حالة الدولة الصغيرة الفقيرة التي اجتازت مرحلة الثورة البرجوازية يختلف عن مثيلتها الدولة التي لم تجتز مرحلة الثورة البرجوازية. في دولة كهذه على الثوريين ان يحددوا موقفهم وفقا للظروف التي خلفتها الثورة البرجوازية واهمها استيلاء الطبقة الراسمالية على السلطة السياسية في حالة عجز الطبقة العاملة عن تحقيق الثورة بقيادتها وان تصبح هي الطبقة الحاكمة الجديدة. في هذه الحالة تتطلب مصلحة القوى الثورية ازاحة السلطة الراسمالية والمجيء بسلطة اشتراكية. هنا يترتب كما في الحالة السابقة تحديد موقف كل طبقة او مرتبة من طبقات ومراتب المجتمع كما جرى بحثه في حالة الدولة شبه الاقطاعية شبه الاستعمارية وتحديد امكانيات التعاون والتحالف بينها وتحديد الطبقات والمراتب التي لا يمكن التعاون او التحالف معها على هدف تحقيق الثورة الاشتراكية.
والفارق الاكبر في هذه الحال هو ان الطبقة الراسمالية التي اصبحت طبقة حاكمة لم يعد يمكن الاتفاق معها او التعاون معها في سبيل تحقيق الثورة الاشتراكية. فان هدف الثورة الاشتراكية هو الاطاحة بالطبقة البرجوازية الحاكمة ولا يمكن الاتفاق او التعاون مع الطبقة التي يراد الاطاحة بها. فليس من المنطق والمعقول ان تتفق الطبقة الراسمالية مع الطبقات الاخرى على هدف الاطاحة بها ذاتها. فالطبقة الراسمالية خرجت من نطاق قوى الثورة او القوى التي تناضل من اجل تحرير المجتمع من الراسمالية اي هدف تحقيق النظام الاشتراكي. ثم ان المراتب المتوسطة قد لا تكون قابلة للتعاون في هذا المجال ايضا. فالفلاحون الذين حصلوا على الاراضي نتيجة للثورة البرجوازية اذا كانت البرجوازية قد انجزت مثل هذا الاصلاح لا يكونون على استعداد للانضمام الى قوى الثورة التي تريد انهاء النظام الراسمالي. وعليه ينبغي على القوى الثورية الحقيقية، الطبقة العاملة وفقراء الفلاحين ان تدرس امكانية جذب العناصر الدنيا من هذه المراتب المتوسطة التي تتشابه اوضاعها الاقتصادية مع اوضاع الطبقة العاملة وامكانية تحييد المراتب المتوسطة من الثورة واقناعها بعدم الانضمام الى البرجوازية في معاداة الثورة ومقاومتها.
ترى عزيزي القارئ ان الحديث لا يجري عن مقدار تقدم الصناعة او التقدم الراسمالي او تحول البلد من بلد زراعي ريعي استهلاكي الى بلد صناعي متطور وانما كل الحديث يجري عن التطور الاجتماعي، تطور القوى التي من مصلحتها وواجبها التاريخي القيام بالثورة. فليس التقدم الصناعي هو الذي يقرر نضوج الثورة بل التقدم الاجتماعي، استعداد الانسان، استعداد الطبقة او الطبقات التي وضع عليها التاريخ واجب تغيير المجتمع، هو الاساس في بحث ما اذا كان بالامكان التفكير في التحول الاشتراكي، الثورة الاشتراكية ام لا. فالطبقة العاملة وحلفاؤها هم الذين ينجزون الثورة وهم الذين يدافعون عنها وهم الذين يبنون المجتمع الاشتراكي. والطبقة العاملة التي تستلم السلطة في اليورة الاشتراكية تستطيع انجاز التقدم الصناعي والزراعي باضعاف السرعة التي تستطيع الراسمالية انجاز ذلك.
في هذا المقال القصير اهملت الحديث عن قيادة الثورة البرجوازية والفرق بين تحقيق الثورة بقيادة الطبقة الراسمالية او تحقيقها بقيادة الطبقة العاملة. واذا شئت الحديث عن هذا الموضوع بالتفصيل فيجب ترك ذلك الى مقال اخر.
ان الاعداد للثورة الاشتراكية في اي بلد عملية حيوية وهامة قد تطول في بلد وتقصر في بلد اخر وفقا لظروف الحركة الثورية الرامية الى تحقيق الثورة الاشتراكية. ولكن اهم شروط تحقيق الثورة الاشتراكية هو ان تكون جماهير الطبقة العاملة وحلفاؤها ناضجين وعيا وتنظيما ومستعدين للثورة والاطاحة بالنظام الراسمالي. وهذه العملية ما زالت غير ناضجة حتى في اكثر البلدان الراسمالية والامبريالية تقدما. ولكن الامر المهم هو العمل الجدي على الوصول الى هذا النضوج السياسي لدى الطبقة العاملة وحلفائها في كل بلد. وهنا يأتي دور الاحزاب الشيوعية التي يحملها التاريخ واجب توعية الطبقة العاملة وحلفائها وتهيئتهم للقيام بالثورة الاشتراكية.
ولكن دولة كالاردن او اية دولة اخرى صغيرة فقيرة او غنية كبيرة مرتبط بالضرورة بالوضع العالمي القائم. وسبب ذلك يرجع الى ان النظام الامبريالي يعمل موحدا بكل ما اوتي من قوة وبطش ضد اية حركة تجري من اجل تحقيق الاشتراكية في اي بلد كبيرا كان ام صغيرا. وتاريخ الصراع بين الدولة الاشتراكية الاولى في تاريخ البشرية، الاتحاد السوفييتي، وبين العالم الامبريالي كله اروع مثال على ذلك.
واستنادا الى ذلك تكون الحركة الثورية في اي بلد صغير كالاردن او اي بلد كبير كالصين او الهند مرتبطة بالوضع الثوري في العالم كله. وعلى ذلك يترتب على الحركات الثورية في العالم كله ان تتعاون فيما بينها للدفاع عن اية دولة صغيرة او كبيرة تتحقق فيها مرحلة الثورة الاشتراكية وتقوم ببناء المجتمع الاشتراكي. على المنظمات الشعبية العمالية والفلاحية في جميع العالم ان تتحد وتتعاون كما تتحد الدول الامبريالية وعميلاتها في مكافحة اية حركة ثورية. وهذا ما عملت من اجله الاحزاب الشيوعية العالمية في عهد الاممية الثالثة. وما يترتب حاليا على الاحزاب الشيوعية الحقيقية محاولة اعادة توحيد الحركات الشيوعية الحقيقية بصورة تتلاءم والنضال الحالي ضد النظام الامبريالي ككل. ولهذا نرى ان العديد من الاحزاب الشيوعية التي تألفت بعد تدمير الحركة الشيوعية العالمية من قبل الخروشوفيين وانهيار الاتحاد السوفييتي اخذت تدعو الى تشكيل اممية جديدة عمالية حقيقية شبيهة بالامميات الثلاث السابقة.
ارجو عزيزي القارئ ان يكون في هذه الملاحظات النظرية السريعة بعض الفائدة في توصلكم الى ظروف النضال الحقيقي في الاردن والى تحديد المرحلة الثورية في الاردن على اساس التحليل الطبقي للمجتمع الاردني والى تنظيم وتوعية القوات الثورية وقيادتها في الاستعداد للقيام بالثورة المناسبة للمرحلة القائمة في الاردن والعمل على الاتصال بالحركات الثورية والتعاون معها في البلدان المجاورة والبلدان البعيدة على حد سواء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تبدو النتائج الأولية غير الرسمية للانتخابات العامة البري


.. مراسل الجزيرة يرصد أبرز تصريحات وزير المالية الإسرائيلي سموت




.. بايدن يعترف: لقد أخفقت في المناظرة وكنت متوترا جدا وقضيت ليل


.. استطلاعات رأي: -العمال- يفوز في الانتخابات البريطانية ويخرج




.. أبرز المرشحين الديمقراطيين لخوض انتخابات الرئاسة في حال انسح