الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل توحيد اليسار العراقي لبناء الدولة الديمقراطية

معتز حيسو

2008 / 2 / 13
ملف - دور قوى اليسار والديمقراطية في بناء دولة مدنية ديمقراطية علمانية  تضمن الحرية والعدالة الاجتماعية للجميع 


تعاني حركات اليسار في البلدان العربية عموماً إشكاليات وأزمات من الصعوبة بمكان تجاوزها وفق الأشكال والدعوات التوحيدية التي يطلقها قادة بعض الأحزاب الشيوعية العربية الرسمية وبعض المثقفين الماركسيين ، لأن ما تعانيه الحركات والأحزاب الشيوعية واليسارية من أزمات كفيل بإعاقة أي مشروع سياسي تحالفي ، فكيف إذا كانت دعوات تدعو إلى التوحيد .
إن أول ما يواجه المشاريع الداعية إلى وحدة اليسار أو وحدة الشيوعيين هي الخلافات و التناقضات النظرية والسياسية التي يتحدد على أساسها نجاح هذه المشاريع ، فمن هذه الزاوية يمكننا أن نرى عمق التناقضات والخلافات حول المرجعية النظرية ( الماركسية ) التي تعتمدها كافة الأطراف الشيوعية ، والتي باتت عاملاً من عوامل الانقسام والشقاق أكثر منها عامل توحيد ، ويمكن أن يكون مرد هذا التباعد النظري والذي على أساسه تبنى المواقف وآليات الممارسة السياسية ، هي مجمل المتغيرات العالمية ( الاقتصادية ، السياسية ) ، والتي انعكست بشكل مباشر من خلال التغيرات والتطورات التي طرأت على التركيبة البنيوية للطبقة العاملة نتيجة التطور التقني الهائل الذي زاد من سرعة وشدة الإنتاج التي انعكست على تعاظم حجم الأرباح و أدى نسبياً إلى تحسين أوضاع الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية في المراكز الصناعية ،والبلدان التي تتمتع بمناخ استثماري مناسب ،وهذه التغيرات أدت لاحقاً إلى تغيير أشكال و آليات التحليل السياسي لتجاوز أشكال ونمط علاقات الإنتاج الرأسمالية . وقد ساهم في تغيير آليات الممارسة النظرية للأحزاب الشيوعية أيضاً التحول الاقتصادي لبعض الدول مثل الصين والاتحاد السوفيتي ... من اقتصاد موجه تتحكم به مؤسسة الدول المعنية ( رأسمالية الدولة ،أو الاشتراكية المحققة ) إلى علاقات اقتصادية رأسمالية ، وقد تعزز هذا الميل بعد انهيار المنظومة السوفيتية وتفكك تحالفها السياسي والاقتصادي مما أدى إلى انتهاء القطبية الثنائية ، وبروز الولايات المتحدة الأمريكية كقائد للمشروع الرأسمالي العالمي ، والذي كان من الممكن أن يستمر لفترات زمنية أطول ، لكن تعنت القيادة الأمريكية ، واستخدامها المفرط للقوة في فرض مشروعها العالمي والذي كانت بدايته من أفغانستان و المنطقة العربية ، بكونهما وحسب تقديرات الحكومة الأمريكية المدخل لفرض سيطرتها على المستوى العالمي سرّع من إمكانية نشوء تعددية قطبية على المستوى العالمي ،وقد انعكست آثار هذه المتغيرات وتوسعت على المستويات الدولية كافة .
وقد تجلت آثار هذه المتغيرات على الأحزاب الشيوعية وقوى اليسار من خلال تراجع مستوى الأداء النظري والسياسي للأحزاب الشيوعية عموماً .
وقد تقاطعت المتغيرات العالمية في هذا السياق مع الممارسات السياسية الاقصائية و القمعية للسلطات السياسية العربية عموماً ، والتي أدت إلى إضعاف إن لم نقل استئصال القوى الماركسية التي كان من الممكن أن يكون لها الدور الريادي في التاريخ السياسي على مستوى التغيير .
إن مجمل المتغيرات السياسية والاقتصادية على المستويين العالمي والإقليمي كان لها آثاراً مدمرة على المستويات الإنسانية ، ويأتي في مقدمتها ازدياد حدة التناقض بين نمط الإنتاج الاجتماعي وشكل الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ، والذي أدى إلى ازدياد حدة التفاوت الطبقي عالمياً. مما يستدعي بداهة تكثيف الجهود السياسية من قبل كافة القوى الوطنية الديمقراطية ،وتحديداً القوى الماركسية واليسارية ، من أجل بناء تحالفات سياسية غايتها الانتقال بمجتمعاتها إلى نظم سياسية ديمقراطية ، ولا نقصد بالمشروع الديمقراطي في هذا السياق المستوى السياسي فقط ، بل المستوى الاقتصادي القائم على بناء المشاريع التنموية و التوزيع العادل للثروة .
ومن الممكن أن تتقارب مجموع المشاريع السياسية على المستوى العربي بكونها تخضع إلى أشكال متشابهة ومتقاربة من الأنظمة السياسية ، وبذات الوقت تتقارب أوضاعها الاقتصادية من جهة التخلف والتبعية لبلدان المركز الرأسمالي . لكن يبقى الوضع العراقي يحمل خصوصية محددة لكون العراق يخضع للاحتلال الخارجي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي تعمل على فرض مشروعها القائم على تقسيم العراق والمنطقة على أسس عرقية وطائفية وإثنية ... مدعيةً دعم المجتمع العراقي والمجتمعات العربية للانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية ، لكن في حقيقة الأمر يقوم المشروع الأمريكي في المنطقة والعراق تحديداً على ( الديمقراطية الشكلية والمضللة والمزيفة) وبما يخدم مصالحه الحيوية في المنطقة ، محولاً بذلك المنطقة إلى بؤرة توتر دائمة . ويُعتبر تنفيذ المشروع الأمريكي في المنطقة وفي العراق بشكل خاص المدخل الفعلي للسيطرة على السياسات الدولية من خلال السيطرة على منابع النفط الخليجي بشكل مباشر ، وهذا يترافق مع توسيع المشروع الأمريكي للسيطرة على إيران و سوريا ولبنان ... بما يخدم استمرار المشروع الإسرائيلي المرتبط بنيوياً مع المشروع الأمريكي في المنطقة ، ومن المفارقات المهمة بأن معظم الأنظمة السياسية العربية تساهم في إنجاح المشروع الأمريكي في المنطقة بكونها وحتى اللحظة لم تتعامل مع الديمقراطية بكونها تمثل خلاص المنطقة سواءً في مواجهة الاحتلال الخارجي أو في إنجاز المشاريع الوطنية الداخلية .
وكما نعلم بأن القيادة الأمريكية استفادت من الممارسة السياسية الاستبدادية للنظام العراقي السابق ، وفي هذه اللحظة يعيش المجتمع العراقي مجموعة من التناقضات والإشكاليات ،أولها التناقضات الناتجة عن الممارسة السياسية للنظام العراقي السابق و التي تتجلى من خلال تكريس التقسيمات الطائفية والعشائرية والعائلية و تفريغ الساحة السياسية العراقية من الأحزاب السياسية الديمقراطية والماركسية / الشيوعية تحديداً بفعل القمع الذي مورس على الشعب العراقي وقواه السياسية والذي كان له الأثر الأبرز .
ثانياً : التناقضات السياسة والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية الناتجة عن الاحتلال الأمريكي للعراق ،والتي مثلت السبب الأبرز في تدمير بنية الدولة العراقية وبناه الاجتماعية والاقتصادية ...
إن مجمل الأسباب والعوامل السابقة تضع المجتمع العراقي وقواه السياسية أمام مهمات كبرى ، وتجاوزها يفترض تحالف كافة القوى السياسية الوطنية / الديمقراطية المؤمنة بوحدة الأرض العراقية والشعب العراقي بكافة أطيافه القومية والدينية و السياسية لتحقيق مشروع الدولة العراقية الديمقراطية العلمانية .
إن الدعوى إلى توحيد القوى اليسارية والديمقراطية تأتي في السياق الصحيح لتجاوز الأوضاع التي يعاني منها المجتمع العراقي ، ويأتي في مقدمة هذه المهمات إخراج قوات الاحتلال من العراق ومعالجة الآثار الناتجة عنه ، والعمل على إعادة بناء مؤسسات الدولة العراقية الديمقراطية الوطنية العلمانية .
لكن من المفترض التأكيد على أن المهمات التي تنتظر القوى السياسية العراقية أكبر وأعظم من أن تتحملها قوى اليسار العراقي بمفرده ، ذلك بناءً على المعطيات التي تدلل على ضعف إمكانياته الراهنة ، وعلى عدم قدرته على حشد قوى اجتماعية تؤهله للقيام بالمهمات المنوطة به ، ويعود هذا إلى عدم تجذر القوى الشيوعية في القاع الاجتماعي ، إضافة إلى ما يعاني منه المجتمع العراقي من تجاذبات وانقسامات وصراعات طائفية وعشائرية وإثنية و عائلية و.... وهذا لا يعني مطلقاً التقليل من أهمية القوى اليسارية عموماً والشيوعية تحديداً ، ولا التقليل أيضا من أهمية برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية . بل يستوجب التأكيد على ضرورة تشكيل أوسع تحالف سياسي وطني ديمقراطي لمواجهة المهمات والتناقضات التي يعاني منها المجتمع العراقي ، والتي ليس بمقدور أي قوة سياسية عراقية الآن إنجازها بشكل منفرد ، وهنا يجب أن نؤكد على ضرورة وأهمية الدعوة إلى توحيد قوى اليسار بكونها تمتلك برنامجاً سياسياً ديمقراطياً متكاملاً ، إضافة إلى أنها يجب أن تشكل البداية لتأسيس تحالف سياسي يضم كافة القوى الوطنية،الديمقراطية، العلمانية .
إن إقامة تحالف ديمقراطي وطني بقيادة القوى الماركسية واليسارية عموماً ( إن تحقق هذا التحالف) يُفترض أن يساهم في : أولاً : تجاوز الانقسامات والتناقضات السياسية القائمة على التقسيمات المذهبية والعشائرية والقومية والإثنية , التي تحاول الإدارة الأمريكية تثبيتها كأمر واقع .
ثانياً : التأكيد على أهمية وضرورة بناء دولة العراق الديمقراطية الموحدة ، ورفض تقسيم العراق إلى دويلات وكانتونات تقوم على أساس التقسيمات الأولية للشعب العراقي .
ثالثاً : القضاء على الميليشيات و القوى الإسلامية السلفية التي تستهدف المواطنين العراقيين ، والتي تساهم في دمار ما تبقى من تآلف عراقي وطني ، والتي حولت العراق إلى ساحة صراعات دولية .
رابعاً : إيجاد حل لمشكلة كركوك ، و كردستان العراق، ومسألة الفيدرالية ، بعيداً عن تقسيم العراق وأيضاً إيجاد آليات لكيفية تعديل الدستور، وحل مشكلة المهجرين والفساد الإداري ، والقطاعات الخدمية والبطالة.....
خامساً : إيجاد آليات تمّكن من تحييد رجال الدين عن دورهم التكفيري للعلمانيين ...وإيجاد الآليات السياسية المناسبة لمشاركة الأطراف الدينية المتنورة في الوحدة الوطنية .
سادساً : الحد من تدخلات القوى الإقليمية التخريبية التي حولت وتحول العراق إلى ساحة نزاعات وصراعات مفتوحة .
سابعاً : العمل على حماية العلماء من موجات التصفية الجسدية والتهجير لكونهم يمثلون ثروة وطنية .
ثامناً : العمل على حماية المعالم الحضارية التي تمثل وجه العراق وعمقه التاريخي .
.............
من المؤكد بأنه يوجد الكثير من المهمات والإشكاليات والتناقضات التي يجب على القوى العراقية إيجاد الحلول لها ولم نذكرها ، لكن ما ذكرناه يدلل على حجم معاناة الشعب العراقي ، وبالتالي حجم المهمات التي يجب على القوى السياسية إيجاد الحلول لها و تجاوزها. وفي هذا السياق يجب التأكيد والتركيز و في هذه المرحلة تحديداً على أهمية ومحورية دور كافة القوى السياسية الوطنية / العلمانية / الديمقراطية / اليسارية رغم الإشكاليات التي تعاني منها ، والتي تكمن في عدم تملّك الأدوات والمفاعيل المادية الكافية للخروج من الأوضاع السائدة العراق ، ونعلم مدى أهمية وضرورة تحوّل المشاريع السياسية إلى قوة مادية حاملها الأساس القوة الجماهيرية و الشعبية .
وبما أن العمل السياسي يجب أن لا يكون محكوماً بالأحلام و الأمنيات والرغبات والتفكير الإرادوي ، فإن الدعوات إلى توحيد قوى اليسار والقوى العلمانية الديمقراطية لا تخرج عن هذا السياق ، مع تقديرنا لصدقية أصحاب هذه الدعوات ومدى التزامهم الوطني وسعيهم الدؤوب للخروج من الأوضاع الكارثية الراهنة ، لكن وكما أسلفنا فإن قوى اليسار العراقي تحديداً ، والحركات اليسارية العربية عموماً تفتقد في اللحظة الراهنة إلى القوة المادية التي من خلالها يمكن تحقيق مشاريعها السياسية، وبتقديرنا فإن أعظم المشاريع السياسية إذا لم تتحول إلى قوة مادية فعلية فإنها لا تساوي شيء في ساحات الصراع المحتدمة .
====================








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على أرجاء قطاع غزة مع اشتداد المعارك في شرق رفح


.. أوكرانيا، روسيا، غزة: هل ستغير الانتخابات البرلمانية الأوروب




.. أوكرانيا: موسكو تشن هجوما بريا على خاركيف وكييف تخلي بلدات ف


.. لبنان.. جدل واتهام للمسرحي وجدي معوض بالعمالة لإسرائيل




.. متاعب جديدة لشركة الطيران الأمريكية بوينغ.. واختفاء مجهول لع