الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع العلامات

سليم بن حيولة

2008 / 2 / 14
الصحافة والاعلام


« نحن نعيش في عصر الصراعات بمختلف أشكالها وعلى رأسها الصراع العلاماتي ّ»
سليم بن حيولة

قال الفيلسوف الأمريكي ّشارلز ساندرز بيرسّ في مؤلَّفه " كتابات حول العلامات " Ecrits sur les signes :« إن الكون كله علامة » وفعلا نحن نعيش في عالم تمتلكه العلامة وتشكل إحدى عناصر الصراع فيه، ولا يبدو أن ما يقال وما يُصور وما يُفعل خارجٌ تماما عن كل تخطيط وبعيد عن كل استعداد مسبق، ولا يجب الاستهانة بهذا المظهر فإن النصر يكون في الأخير بفضل حسن التصرف وجودة التعامل مع العلامات واستعمالها في المكان والزمان المناسبين .
في سنة 1998 أثناء الدورة النهائية لكأس العالم التي أقيمت بفرنسا وفي ليلة المقابلة النصف النهائية بين فرنسا وكرواتيا أطل الحارس الفرنسي بارتيز على شاشة القناة التلفزيونية الأولى وأطلق نداء للجمهور الفرنسي كي ينزع البدلات الرسمية ولباسَه العادي ويدخل المدرجات مستعدا وبلون واحد حتى يقوم بمناصرة الفريق الفرنسي بكل ما أوتي من قوة وبكلمة واحدة ولون واحد ثلاثي التقسيم هو لون العلم الفرنسي ، وفعلا ما حصل هو تماما ما دعا إليه بارتيز . ولكن هل ما دعا إليه الحارس الفرنسي كان بمحض الصدفة وكان غير مفكر فيه وبدون سابق تفكير؟ قد تكون الإجابة مباشرة وحاسمة إذا قلت إن مخازن الملابس الرياضية في اليوم الموالي لدعوته قد نفدت بضاعتها.فهل قام بارتيز بإشهار مجاني فعلا ؟ للأسف الشديد لا يعيش بيننا فرنسي آخر ممن اختص بدراسة الإشهار هو "رولان بارت" Roland Barthes كي يخبرنا عن الطريقة التي اعتمدها الحارس الفرنسي حتى أصابت رسالته الهدف إصابة مباشرة .
في مونديال 2006 بألمانيا وبعد أن سجل لاعب غاني (إفريقي واستعمال الزنجي ليست بريئة) هدفا قام بإخراج علم إسرائيل من جواربه وحمله حتى لم نعرف أفرحا بالهدف الذي سجله أم بالعلم الذي يحمله، وهذه العلامة تحمل في طياتها الكثير من الرمز والدلالة؛ فالصراع انتقل إلى ميدان آخر يبدو بعيدا عن الميدان السياسي والعسكري ولا يظن عاقل أن هذا الفعل كان علامة سيميولوجية شديدة الدلالة في هذا الباب وينطوي على نية محددة مسبقا وإشارة إلى أن إسرائيل هي بلد الحريات والجنة الموعودة لكل إفريقي يريد العيش فهو الحلم بالنسبة إلى مغامر وباحث عن العيش الكريم هذا ما تقوله الرسالة ، فاستعمال الزنوج كان يستعمل مثل هذا الاستعمال من أجل تحقيق أهداف تعجز عنها القوة والسياسة. وتحضرني هنا الدراسةُ التي قام بها رولان بارث لصورة الزنجي في الصفحة الأولى من جريدة فرنسية مشهورة والذي يلبس لباسا عسكريا فرنسيا ويقف أما العلم الفرنسي تحية له وهي رسالة إلى كل زنجي ولكل العالم في فترة السبعينات مضمونها أن فرنسا بلد الديمقراطية والأقليات التي تعيش فيها تتفانى في خدمتها وردٌّ مباشر لأولئك الذين بالغوا في وصفها بالدولة المستعمِرة والمرتكبة للآثام والشرور في حق الشرقيين والزنوج على حد سواء .
كما لا يبدو أن ما فعله اللاعب المصري في نهائيات كأس إفريقيا التي جرت مؤخرا في غانا يخرج عن التموقع داخل هذا الصراع الذي ألمحتُ له منذ قليل وسواء أكان الفعل قصديا ( وأنا لا أرجح قصديته إلا في نية اللاعب كمصري وكعربي ملتزم الوقوفُ بجانب أهل غزة وفلسطين ككل ) فإنه قد بلغ هدفه إلى أبعد الحدود وكان ردا علاماتيا مباشرا على اللاعب الغاني المذكور وفي بلده غانا بالضبط، وإذا كان الفعل الذي قام به اللاعب الغاني وهو حمل علم بلد آخر يُعتبر تنصلا من قبله لأن الأجدربه هو أن يحمل علم بلده التي يمثلها في محفل عالمي مما يدل على الميوعة التي وصل إليها اللاعب الإفريقي في التعامل مع القضايا العالمية التي هي أساس الصراعات الكونية والرد الذي جاءه من قبل المصري أبو تريكة ففي جانب منها تدل على التعاطف الذي يشعر به هو وكل عربي ما تزال فيه عزة نفس وقدرة على الصمود مثلما تصمد غزة وكل فلسطين ، وفي رأيي فإن العلامة السيميولوجية الثانية بلغت مرادها أكثر مما توقع اللاعب المصري نفسه .
فهل صرنا كعرب نحسن اللعب بالعلامات وتخلصنا من عقدة العجز والشعور بالضعف؟
سؤال آمل أن أجد الإجابة عنه في عصر يُلعب على درجة كبيرة من العلاماتية ومفروض علينا التعامل مع هذه اللعبة بجدية كبيرة وإلا كنا نحن ضحايا لهذه اللعبة الجهنمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام: شبان مغاربة محتجزون لدى ميليشيا مسلحة في تايلاند تستغ


.. مفاوضات التهدئة.. أجواء إيجابية ومخاوف من انعطافة إسرائيل أو




.. يديعوت أحرنوت: إجماع من قادة الأجهزة على فقد إسرائيل ميزتين


.. صحيفة يديعوت أحرنوت: الجيش الإسرائيلي يستدعي مروحيات إلى موق




.. حرب غزة.. ماذا يحدث عند معبر كرم أبو سالم؟