الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انها « الحرية» بعينها ، إنما بأي معنى؟

خالد سليمان

2008 / 2 / 15
الصحافة والاعلام


تضمن البيان الذي أصدرته مجموعة من المثقفين اللبنانيين تضامناً مع الكاتب سماح إدريس صاحب دار الآداب اللبنانية ضد الدعوى القضائية التي رفعها ضده صاحب دار المدى فخري كريم ، جملة إشكاليات ومتناقضات فكرية وسياسية تستقضي التوقف والتأمل . ولا نذهب بعيداً ان قلنا انه بيان يحمل في حياته عناصر جميع تلك السجالات الفكرية والسياسية التي تتجنبها الثقافة العربية اليوم ، أي ميثاق الكلمة الحرة و مواجهة الفكر بالفكر والصيانة الدستورية لحرية القول والفعل والرأي . فكل هذه المبادئ التي صيغ بها البيان هي في الحقيقة غائبة في معانيها ، لأن من يقرأ المقال الذي دافع عنه الموقعون واعتبروه جريئاً وتشريحاً لواقع ثقافي مريض يلاحظ بأن البيان جزء من الواقع ذاته ، ذاك انه اعتمد لغة الإستفزاز المباشر والشتائم والتجريح الشخصي . تجدر الإشارة في البداية إلى ان البيان ومضمونه يشيران في أغلب الظن إلى إمكانيات إظهار مشتركات طرف واحد في حواره مع الإخر ولا يتركان سوى محل المتهم لهذا الآخر . وهو بالتالي دعوة للحوار والسجال الفكري إنما وفق شروط ثقافة المقاومة الضامنة للموت اليومي والدمار ، والتي توفر لذاتها وعناصرها كل «حق» وللآخر باطل مطلق . نقول هذا دون الخروج من سياق البيان وكلماته الداعية للحوار الفكري ،إنما المشهد العراقي المُمَرّغ في الدم ، والذي هو عصب رئيسي من أي بيان أو سجال من هذا النوع منذ خمس سنوات بفعل عوامل عديدة ، الإحتلال منها ضمناً، هو جوهر البيان والدعوى القضائية ضد السيد إدريس وقبلهما تلك الإفتتاحية النارية التي كتبها في مجلة الإداب إذ تضمنت الكثير من القدح والذم ضد شخص السيد فخري كريم ، كما تضمن الإتهامات والتخوينات ليس ضد العملية السياسية وحدها في العراق وكردستانه ، بل ضد المثقفين والأوساط الثقافية أيضاً
يقول البيان في مقدمته : نحن الموقّعين أدناه، أنصار الكلمة الحرة، المؤمنين بحق المواطن/الإنسان في إبداء رأيه قولاً وكتابة وفعلاً؛ واستناداً إلى المادة (ج) من مقدمة الدستور اللبناني التي جاء فيها: «لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد...»؛ وكذلك استناداً إلى المادة الثالثة عشرة من الفصل الثاني، التي كفلت «حرية إبداء الرأي قولاً وكتابة وحرية الطباعة...»؛
ويستطرد الموقعون على البيان قائلاً: إن مجلة «الآداب» والحق يقال ، جامعة في حد ذاتها كثيراً ما أرسل نقادٌ أو أصحابُ رأي يعترضون على ما نشرته «الآداب» في عدد ما، فلم تتوان مرة عن نشر الاعتراضات ومختلف الآراء، وهي المجلة التي كان عنوانُ أشهر أبوابها الثابتة في النقد العقلاني: «قرأتُ العدد الماضي من الآداب». غير أنّ الافتتاحية الجريئة التي كتبها الدكتور سماح إدريس في عدد «الآداب» 5/6/2007، والتي لاقت إعجاباً من الكثيرين، لا لجرأتها في الزمن الصعب فحسب، بل لوضوحها كذلك في تشريح بعض أمراض الواقع الثقافي
تبدو الحرية والدفاع عنها في المقطع الأول من البيان سنداً فكرياً وقانونياً للموقعين في آن ، كما انها مساحة للمعارك الفكرية ومعاني الرقي ، وهي التي تصون حق القول والكتابة والفعل .انها فعلاً الحرية بعينها ، إنما في أية طريق وما هي حدود التعبير فيها وهل توفر للجميع حق «القول والفعل » . لا يمكن مناقشة هذه الأسئلة في سياق البيان وفيه رأي الموقعين ، ذاك ان الموضوع الأساسي للسجال أو « الإفتتاحية الجريئة» كما تمت تسميتها لم يتم التطرق إليها سوى انها لاقت إعجاباً وكان الوضوح في تشريح بعض أمراض الواقع الثقافي فيه أجرأ من جرأتها حسب الموقعون .
يا ترى هل قرأ المثقفون المتضامنون مع السيد إدريس تلك الإفتتاحية وهل جميع فقراتها جريئة وتشريحاً للواقع الثقافي المريض وكيف يتم الرد على هذه الكلمات التي كتبها رئيس تحرير مجلة الآداب في الصفحة الأخيرة من مقاله : ( فخري كريم . وأخيراً، لا آخراً ، هل يعرف المدعووّن إلى مهرجان المدى ، ممن طبّل وزمّر لإنجازات كردستان الديمقراطية ، من هو مدير مهرجان المدى ،الأستاذ فخري كريم ؟
ان شبكة الأنترنيت تكاد تختنق بما يكتب دورياً عن هذا الزميل الناشر . وكثير من الاخبار والتعليقات مكتوب بالعربية ، ان كان مثقفونا ومراسلونا لا يتقنون لغات أخرى . فإذا مايزالون يجهلون استخدام الأنترنيت أيضاً ( وهو أمر مشكوك فيه ) ، فيكفي ان يلتقوا بأي شيوعي عراقي ، مخضرم نظيف ، من حزب الرفيق فهد ، ليعلموا أين آلت إليه أموال الحزب الشيوعي العراقي ، أموال الفقراء والطلاب وعائلات الشهداء ،وأموال مجلة النهج ودار المدى ، وليعلموا صلات بعض « الشيوعيين » العراقيين القدامى/الجدد بمخبابرات صدام نفسه في الستينات والسبعينات ، فضلاً عن المخابرات العربية الأمريكية والبريطانية في ما تلا ذلك من عقود . أم ان ذلك كله لا يهم مادام بعض المتمولينم العراقيين الكبار ، الحديثي النعمة ، يقيمون المهرجانات الثقافية ، ويدعمون الثقافة الشعبية بكتاب مجاني يوزع بالملايين كل شهر ، ويقيلون عثرة بعض الشيوعيين السابقين ممن قرروا لحس ماضيهم و « محاكمة » ماركس ولينين والإشادة بالديمقراطية العراقية الجديدة ؟(مجلة الآداب ، نقد الوعي « النقدي » : كردستان العراق نموذجاً)

يقول المدافعون عن هذه الكلمات في البيان المذكور بأن (فالفكر لا يجابَه إلاّ بالفكر، والحقائق لا تدحضها إلّا الحقائق) ، بينما هي في الحقيقة كلمات لا تحتوي سوى على القدح والذم والتخوين والإتهام وهي بعيدة بالتالي عن السجال فكري ولا تصلح لأن تكون نقطة إنطلاق لميثاق شرف بين أنصار الكلمة الحرّة . سبق لي شخصياً حاورت السيد سماح إدريس حول فقرات أخرى في ذات الإفتتاحية خصت الأراد ومثقفيهم بالدرجة الأُولى وكان رده على كاتب هذه السطور وصديقه «بدرخان علي» هو انه نسي ان يقول : (ان مأساة الوطن العربي لا تقتصر علر الصهيونية والإمبريالية والأنظمة العربية والمثقفين العرب المتواطئين ، بل تشمل أيضاً بعض المثقفين الأكراد الذين تحولوا -بحجة الإضطهاد البعثي البشع ومقابره الجماعية المريعة- إلى شياطين خُرس ، بل أبواق صداحة لإستعمار الجديد .
لست بصدد تجديد ذلك النقاش هنا واعتبره شيء مضى وفي حدوده الطبيعية ، إنما الذي اريد قوله هو ان الصفات التخوينية التي الصقها السيد إدريس بشخص المثقف والكاتب فخري كريم لا تعتبر سجالاً فكرياً ولا يمكن اعتبارها منطلقاً لأي ميثاق شرف للكلمة الحرة . ذاك ان حدود حرية التعبير ونشر المعلومة فيها تجاوزت جميع الأُطر الثقافية المألوفة في الحياة الفكرية والسياسية. وهذا لا يعني بطبيعة الحال الدفاع عن فكرة المحاكم ، ولا تكمن الإشكالية في عدم إمتلاك الكلمات لمناقشة سماح إدريس ، بل في إختيار الاسلوب المناسب . تالياً، ماذا يقول «فخري كريم » وكيف يناقش وهو يتهمه بالعمالة لمخابرات أجنبية وعربية وصدامية بناءاً على معلومات شفهية وشخصية من شاعر عراقي إنزلقت الكتابة لديه إلي التخوين والشعوبية ، أو من عامل «آثوري » كان يعمل في فندق الشيراتون في أربيل .
كما لست في حالة الدفاع عن فخري كريم ، ذاك انه ببساطة لديه مؤسسة إعلامية وثقافية كبيرة ويمكنه الدفاع عن نفسه بطرق شتى ، إنما دفاعي عن مشروع كتاب في جريدة ودار نشر مثل المدى وصحيفة رصينة في الفوضى العراقية في الثقافة والسياسة اليوم لا يحتاج إلى عباءة أي شخص ولا جهة سياسية . ففي الوقت الذي كنا نعاني فيه من الحصار الإقتصادي والثقافي والإعلامي في كردستان العراق ، كانت المدى المؤسسة الوحيدة تضع أمامنا آخر إصدارات العربية والمجلات العربية الثقافية والسياسية والفنية وكانت « الأداب » من ضمن كتب ومجلات تلك المعارض التي أقامتها المدى في كردستان العراق
انا مع سحب دعوة السيد فخري كريم وترك المسألة بين المثقفين ولتكن موضوعاً خلافياً وجعلها مشروعاً للحوار والسجال ، إنما مع إعتذار السيد إدريس أيضاً من فخري كريم وسحب تلك الإتهامات التي وجهها له دون حق يُذكر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ


.. مسيرة تجوب شوارع العاصمة البريطانية لندن تطالب بوقف بيع الأس




.. تشييع جثمان مقاوم فلسطيني قتل في غارة إسرائيلية على مخيم جني


.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش




.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا