الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحروب السعيدة

حمزة الحسن

2003 / 12 / 11
الادب والفن


هذا عنوان قصيدة للشاعر الراحل الصديق رعد عبد القادر في ديوانه الكبير( دع البلبل يتعجب) الذي صدر في بغداد عام 1996 يوم كانت السلطة مشغولة بترقيع ثقوبها المتكاثرة غير عابئة بأقوال الشعراء، ومن المصادفات السعيدة أن يكون مسؤول لجنة الفحص في تلك الفترة هو روائي صديق أيضا قرر أن "يتواطأ" مع هذا النص المتمرد لكي يوبخ بعد ذلك على هذا" السهو" الجميل.وغناء الشاعر في فم الوحش ليس جديدا في التاريخ: كان ناظم حكمت يقرأ قصائده وهو غاطس في مرحاض السجن!

 ليس هنا مجال الحديث عن هذا الديوان المدهش وهو موجود الآن كاملا على موقعنا:

http://www.hamza.ws لكن لحديث هو عن الحروب السعيدة التي لم يستطع الشاعر أن يعطيها غير هذا الاسم زيادة في التباس المعنى ولخلق فوضى في ذهن الرقيب الذي لم يكن غائبا وعيه تلك اللحظة عن مقاصد الشاعر ولا عن جنون القصيدة.

حين يقال اليوم ان العراقيين لا يبالون بالموت ولا بالانفجارات ولا بالسعادة الهاربة ولا بالقصف ولا بكل الأشياء المخيفة فليس لأنهم الشعب البطل كما حاولت السلطة الوحشية خلق تلك الميثولوجيا البربرية.

بل لأنهم عاشوا جوار الموت، وعاشروه، وحدقوا في وجهه الكريه الذي كان يزورهم كل يوم بل كل لحظة على صورة جديدة.

فالحروب السعيدة دربتهم على أن الموت ليس أسطورة أو قدرا أو حكاية تأتي مرة واحدة في العمر بل على أن الموت هو الوجه الحقيقي للوجود.

هذا هو سبب اللامبالاة اليوم أمام مشاهد الموت. فليس العراقي بطلا وهو يسخر من الجنون اليومي، بل لأنه أفرغ من شهوة الحياة وعبئ بقبول الموت، والموت هنا ليس قدرا للعراقي، كما لغيره، بل هو الصفعة أو الإهانة.

هناك أنواع من الموت قد يكون بعضها شرفا وفخرا ومجدا وقدرا أو بطولة، لكن هذا النوع من الموت هو جريمة لأنه اغتيال للفرح البشري وقنص للسعادة الإنسانية.

قد يكون نزول العراقي إلى الشارع هو النزول الأخير، وقد تكون زيارة المقهى هي آخر الزيارات، وربما يكون صعود الحافلة رحلة نحو موت مرتجل. 

هذا هو السبب أيضا الذي يجعل العراقي اليوم أكثر احتفالا بالتفاصيل الصغيرة التي لا تلفت نظر غيره كوجود فاكهة طازجة على منضدة أو ضوء فانوس أو عربة أطفال في شارع أو صوت مؤذن أو جرس كنيسة أو مشهد عرس أو مرور حسناء من خلف زجاج نافذة تحت أمطار هذا الشتاء الثقيل.

وحين يحتفل رعد عبد القادر بهذه الليالي، ساخرا، تلك السخرية التي خطفته على عجل، لأنه تجاوز بها حدود القلب، فلأن تلك الليالي لا تشبه الحياة في أي مكان آخر.

( المجد لك أيتها الليالي، أيتها الأيام..
المجد لك يا بلادي... أنا عبد الحميد، جندي مشاة من سلاح المشاة عشت أخيرا في مستشفى معسكر الرشيد، بالضبط في قسم الجملة العصبية.

أقف كعينة أمام طلاب علم النفس الصغار، يدرسون جنون عظمتي، يدرسون صلتي بالشمس وزحل والمريخ، أنطق باسم مردوخ وزفس ومثراس،
أخرج لهم أوراقا من محفظتي الصغيرة كأوراق سيبيل
أخرج لهم قرون الاسكندر وعشبة كلكامش
عظيما كأعظم دون كيشوت
سعيدا بمدني الفاضلة
أيها الرعاع
أيها الأتباع

أنا نابليون بموسيقى العودة من المنفى
عودوا معي إلى المسرح
لنمثل أدوارنا في الحياة.
الحياة هنا لا تشبه الحياة هناك).

هل صدقتم الآن أن العراقي ليس بطلا وهو يواجه كل يوم هذا الجنون العاري ولكنه يخرج إلى الشارع في نزهة  عاجلة خارج القبر؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الموزع الموسيقى أسامة الهندى: فخور بتعاونى مع الهضبة في 60 أ


.. الفنان محمد التاجى يتعرض لأزمة صحية ما القصة؟




.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا


.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -عالماشي- في العرض الخاص بالفيل