الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التناقضات في تصريحات أردوغان نتيجة لسياسات خاطئة

جان كورد

2008 / 2 / 15
السياسة والعلاقات الدولية


التصريحات التي أطلقها رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، أثناء زيارته الأخيرة إلى ألمانيا، أمام حشد كبير من مواطني تركيا في ستاديون كبير بمدينة كولونيا الشهيرة بتواجد جالية كبيرة من تركيا فيها، حول ضرورة أن لاينصهر الأتراك في المجتمعات الأوربية ويحافظوا على لغتهم التركية بقوة، ومطالبته الألمان في الوقت ذاته بالسماح للأتراك أن يفتحوا مدارس وكليات وجامعات لهم في ألمانيا تدرس بالتركية، ويأتون لها بمدرسين من تركيا وكذلك الكتب والبرامج، هذه التصريحات لم تأت إلا كنتيجة للأخطاء الكبيرة في سياسة حزب أردوغان الحاكم في أنقره، وقد أثارت حفيظة أكثر الناس اعتدالا من بين الألمان، ودفعتهم للتساؤل عما يريده أردوغان حقا وما يسعى إليه، إذ أنه من جهة يظهر احترامه الكبير للحضارة الأوربية و يعمل كل ما في وسعه بين الأوربيين للسماح لبلاده بالانضمام إلى اتحادهم، أي افساح المجال أمام الأتراك ليصبحوا أوربيين، يتمتعون مثلهم بذات الحقوق والواجبات، ومن جهة أخرى يدعو شعبه إلى رفض "الانصهار" في هذا المجتمع الأوربي... ولقد تعجب العديد من الأوربيين لهذا الرجل الذي يعتبر "الصهر العنصري جريمة ضد الانسانية" وبلاده تضطهد قومية كبيرة في ظل حكومته، وتحاربها بقوة السلاح والإرهاب وكل أشكال المنع والاقصاء والصهر العنصري والقومي، ونعني بذلك القومية الكوردية التي تعتبر ثاني قومية من حيث التعداد السكاني والانتشار الجغرافي في تركيا...
هذا التناقض في السياسة الأردوغانية لانجده في ملفها الأوربي فحسب، وانما في الملف الكوردستاني والعراقي أيضا، فمن جهة تشارك مئات الشركات التركية في عملية اعمار اقليم كوردستان العراق وتفعيل الحياة الاقتصادية فيه، ومن جهة تحاول حكومة أردوغان فتح ممرات حدودية لاتمر عبر المناطق الكوردية، للوصول إلى المدن العراقية الأخرى التي ليست في نطاق هذا الاقليم...
رئيس الوزراء التركي هذا ، بل وصديقه الرئيس عبد الله غول أيضا، يؤكدان على احترام الشرعية الدستورية في العراقية، ويعتبران الرئيس العراقي مام جلال الطالباني رئيسا منتخبا بقوة صناديق الانتخاب، أي بصورة شرعية وديموقراطية، ولايجدان غضاضة في القول بأن الشعب العراقي قد اختار ديموقراطيا دستوره، ولكنهما في الوقت ذلك لايحترمان الحدود الدولية للعراق، ويقصفان قراه وأريافه برا وجوا، بشكل روتيني يومي، وتتجاوز قواتهما هذه الحدود الدولية، دون أي موافقة عراقية، وكذلك لايقبلان المادة 140 من ذات الدستور الذي يظهران احترامهما لأسلوب وضعه من قبل الشعب العراقي.
الرئيس غول يقول بأن "كركوك مدينة عراقية" ولكن كل الدلائل تشير على أن تركيا لاتزال تعتبر "كركوك" جزءا من الأراضي التركية، وأنها تلوح بذلك بين الحين والحين وتدعم مرتزقتها في "الجبهة التركمانية" العراقية لرفض أي اعتراف بالوجود الكوردي الواقعي والمطابق لمواد الدستور العراقي في المنطقة، بل تدفعها من وراء الستار، ومباشرة أحيانا، للعمل ضد تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي، أي أنها ترفض في الواقع عودة "كركوك" لأصحابها الشرعيين، وفق عملية انتخابية ديموقراطية واحصاء نزيه يخضع لكل المعايير الدولية.
هذا الدستور ينص على أن اقليم كوردستان العراق يتمتع بحقوقه الفيدرالية في اطار الدولة العراقية الموحدة، ولكن السيدين، رئيس تركيا الذي يبدو مهذبا للغاية، و رئيس وزرائه المهذب مثله أيضا، لايستسيغان ذكر عبارة "كوردستان العراق" مطلقا، فأي احترام للشرعية الدستورية في العراق وأي قبول بسيادة العراق؟
هذا ان السيدان اللذان يؤكدان على الحوار وعلى أن تركيا دولة "ديموقراطية!" يرفضان في الوقت نفسه الحوار مع ممثلي الشعب الكوردي في شمال كوردستان، بذرائع وحجج غير مقنعة، وحزب أردوغان يتهرب من حوار حقيقي وديموقراطي، بينه وبين فصائل حركة التحرر الوطني الكوردستاني... وهنا تقع حكومة أردوغان في تناقض صريح وواضح... وفي الوقت الذي تدرك فيه بأن السلاح ليس طريقا لحل المشاكل السياسية ولاتخدم الوحدة الوطنية، فإنها تسمح بقرار برلماني لجيشها العنصري الأتاتوركي المعادي للشعب الكوردي أن ينتشر في شمال كوردستان ويهدد جنوب كوردستان أيضا، ويباشر بعملياته الاجرامية القذرة ضد الشعب الكوردي المطالب بحقه في الحرية والحياة، لا أكثر ولا أقل.
هذان السيدان يظهران الولاء للإسلام والمحبة للعرب، ولكنهما في الوقت ذاته يعمقان من علاقاتهما باسرائيل، على مختلف الأصعدة، وهما يدركان أن العرب يرون في اسرائيل عدوا لهم... أليس هذا ذروة التناقض في عقلية حزب أردوغان ورئيسه غول...؟
السياسة الرسمية التركية، كانت ولاتزال مبنية على أسس كمالية معادية للكورد والعرب والفرس واليونان والبلغار والأرمن وكل الجيران، إنها نتيجة حتمية لسقوط الامبراطورية العثمانية التي تسمى زورا وبهتانا ب"الخلافة العثمانية" والتي كان لسقوطها تأثير سلبي كبير على النفسية التركية، حيث لايعترف الترك بمساوئهم السياسية وفشلهم في القيادة والادارة في العالم الإسلامي، وانما يتهمون جيرانهم بالرغبة الدائمة في تقسيم الدولة التي كانت فيما مضى مترامية الأطراف، فتقلصت وانكمشت، وقد تتعرض للانقسام من جديد مستقبلا... هذه الصورة السلبية عن الجيران تدفعهم لممارسة سياسات متناقضة وخاطئة وخارجة عن مسار المعقولية والواقعية...
ونعود لنؤكد أن أردوغان أراد تجميع أكبر حشد سياسي له بين الجاليات التركية في أوروبا من خلال الضرب على الوتر العنصري التركي، وهذا تناقض كبير مع خلفيته الإسلامية وادعاءاته الديموقراطية في آن واحد... ودعوته الأتراك لعدم الانصهار في المجتمعات الأوربية عداء سافر للتوجهات الأوربية الداعية لتحقيق فكرة "الانتغراسيون" حسب فهمهم لها.. وهذا ما سيجلب نقمة كبيرة عليه في الأوساط الدولية، أي أنه يسير بالقارب التركي في الاتجاه الخاطىء، وستدفع تركيا ثمن هذه السياسة الخاطئة، وبخاصة إن أحسن الكورد من تصرفهم السياسي في هذا المجال على الصعيد الأوربي، وهذا ما نأمله ونحلم به...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد توغل بري إسرائيلي وقصف مكثف.. نزوح عائلات من حي الزيتون


.. هل بدأت التحولات بالمواقف الأمريكية من حرب إسرائيل على غزة؟




.. هل سيؤدي تعليق شحنة الأسلحة الأمريكية لإسرائيل للضغط على نتن


.. الشرطة الهولندية تفض اعتصام طلاب مؤيدين لغزة بجامعة أمستردام




.. هل بدأت معركة الولايات المتأرجحة بين بايدن وترامب؟ | #أميركا