الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع السيدة نرمين رياض

باسنت موسى

2008 / 2 / 15
مقابلات و حوارات


قال اللورد بادن باول القائد الإنجليزي ومنشئ جمعيات الكشافين المنتشرة في كل أنحاء العالم "في جميع البيئات الاجتماعية نفوس فتية حارة هي في الحقيقية خزانات عزم" وهؤلاء هم الأعضاء الحية في الأسرة البشرية وأعمالهم وخدماتهم للآخرين هي مصدر دائم للأمل في نفوس من قست عليهم الحياة ووضعتهم في تجارب فوق احتمالهم الطبيعي، لذلك يرسل لهم الله من يتطوعون لمساعدتهم من أصحاب الواجب الإنساني والقيم الروحية النبيلة ممن يعيشون محاولين تقديم أشياء نافعة تصنع الحياة أفضل من حولهم وهم بذلك يبتعدوا عن القلق والاضطراب والعجز ويشقوا صخرة الحياة بينابيع الأمل وروح الخدمة. واليوم نقدم لقرائنا السيدة/ نرمين رياض المدير التنفيذي لمنظمة كوبتك أورفنز المعنية بتقديم الدعم النفسي والمادي للأطفال الأيتام المحتاجين بمصر، والتي تعد بتفاصيل عملها في هذا المجال نموذج ثري لمعاني العطاء والمساندة والحب.

** من هي نرمين رياض؟

ولدت بمصر ثم هاجرت منها مع أسرتي لأمريكا عندما كان عمري سبع سنوات، وهناك درست الهندسة بجامعة فيرجينا وما زلت أعيش بأمريكا وأزور مصر بشكل دوري لمتابعة عمل مؤسسة كوبتك أورفانز.

** تأسست كوبتك أورفانز عام 1989 كيف جاءت فكرة الإنشاء؟

عندما كنت طالبة بالجامعة ساهمت مع زملائي في دعم طفلة لبنانية مادياً وبعد تخرجي من الجامعة عملت بالخارجية الأمريكية في مكتب مصر ومن خلال عملي هذا تكونت لدي علاقات أقوى بالمجتمع المصري، وذات مرة زرت مع خادمة بالكنيسة أماكن لرعاية الأيتام ولمست معاناة هؤلاء الأطفال في المجتمع، وقتها تساءلت لماذا كنت أدعم طفلة لبنانية؟ في حين أن مصر بلدي بها العديد من الأطفال الفقراء المفتقدين لوجود عائلهم الأسري والمادي بسبب الوفاة ومن هنا جاءتني فكرة تأسيس "كوبتك أورفانز" لرعاية هؤلاء الأطفال، وبدأت المؤسسة العمل كجمعية سنة 1988 ثم تشكلت رسمياً عام 1992 وعملنا يهدف للوصول للأطفال الأيتام المحتاجين لمساعدتهم على النهوض علمياً وصحياً وروحياً ليصبح شباب واعي مدرك لكل مفردات الحياة من حوله واثقاً في ذاته وقدراته بما يحقق له سواء نفسي يمكنه من خدمة مجتمعه.

** لم تقصري دور "كوبتك أورفانز" على الرعاية المادية فقط، كيف تحققي الخدمات الأخرى للأطفال وهل من تتولون رعايتهم من الأطفال يقيمون معاً أم ما زالوا مع أسرهم؟

كوبتك أورفانز تسعى لبناء فرد وهذا البناء ليكون متكامل لا بد من الاهتمام بكافة جوانبه سواء كانت مادية أو غير ذلك، وتلك الأهداف نحققها من خلال الخدام المتطوعين المشاركين لنا حيث يسعى المتطوع لتفهم حاجات الأسرة المادية وإشباعها بشكل جيد بالإضافة لرعاية الأبناء نفسياً ومساعدتهم على تحسين صورتهم أمام أنفسهم أولاً ثم التصالح والمشاركة في المجتمع ثانياً ونعتمد في ذلك على أسس علمية فمثلاً نحن الآن ندرس لأطفالنا المخدومين منهج علمي يعلمهم كيف يفكرون؟ والفرد لو تعلم كيف يفكر سيدرك كيف يتعامل مع متغيرات العالم من حوله وسيستوعب قدراته وينسق حياته بشكل أفضل من الذي يعتمد على العشوائية كأسلوب للتفكير.

أولادنا المخدومين يقيمون مع أسرهم ولا نجمعهم في دور رعاية، ويقوم فريقنا المتطوع بزيارتهم مرتين أسبوعياً.

** هل المتطوعين لديكم يتطلب توفر شروط معينة بهم خاصة وأن دور هذا المتطوع سيمتد للتعليم والتأثير النفسي في الأطفال؟

بالطبع لا بد أن يكون المتطوع منفتح الذهن رحب الأفاق العقلية لأنه يربي ويعلم ويؤثر ولا يمنح المال فقط، لذلك نعقد لمن يرغب بالتطوع لدينا مقابلة شخصية نسأله فيها مجموعة من الأسئلة التي من إجاباتها نكتشف شخصية هذا المتطوع جيداً، فمثلاً نسأله لو أصبحت رئيس للبلاد غداً ماذا ستفعل؟ لو أجاب هذا مستحيل نعرف قدراته على التصور كم هي محدودة ونحن لا نحتاج المحدودين بالطبع.

** الأطفال كيف تصلون لهم وعلى أي أسس تحددوا أنهم يستحقوا خدماتكم أم لا؟

نصل للأطفال من خلال متطوعينا فهم يقدمون لنا نماذج من الأسر المحتاجة، ونحن ندرس هذه النماذج ونقدم الخدمة إذا كانت الأسرة تدخل في نطاق خدماتنا، محددات خدماتنا هي أن تكون الأسرة لديها أطفال في التعليم ومفتقدة لعائلها بفعل الوفاة ومستواها الاقتصادي يجعلها تقف على خط الفقر أو ما دونه.

** البعض ممن يتابعون نشاطهم يتساءل لماذا تخدمون أطفال الأقباط فقط في حين أن المصريين الأطفال الفقراء والأيتام كثيرين؟

نحن بالطبع نريد أن نقدم يد العون والمساعدة للجميع لكن برنامجنا لرعاية الأيتام يتطلب أن يذهب متطوعينا لمنزل الأسرة مرتين أسبوعياً وهذا الوضع ربما لن يتفهمه المجتمع المصري على أنه خدمة ورعاية لو قام به متطوع مسيحي لبيت مسلم، لذلك وتفادياً لعدم التفهم هذا نبتعد عن هذا النوع من الخدمات، لكن هناك مشروعات ترعاها كوبتك أورفانز بها مستفيدين غير مسيحيين كمشروع "ابنتي الغالية" وهو مشروع بدأ عام 2002 في منطقة البرشا بملوي وفي عام 2003 امتد ليشمل عزبة الهجانة -إحدى المناطق العشوائية بالقاهرة- ومع عام 2005 امتد وأصبح الآن مطبق في إثنى عشر موقعاً في مناطق مختلفة من أنحاء الجمهورية، وهذا المجهود تم بالتعاون مع مجموعة من الهيئات التنموية. ويعمل البرنامج هذا على إنشاء علاقة فردية بين فتاة كبيرة وأخرى أصغر منها في مرحلة التعليم، حيث تقوم الأخت الكبيرة بمساعدة أختها الصغيرة على استذكار دروسها وتوسيع مداركها وقدراتها من خلال أنشطة ثقافية وألعاب تعليمية وفنية، وبذلك نساعد الفتيات الكبيرات على تنمية شخصيتهن لتصبحن نموذج حي واقعي ترى فيه الفتيات الصغيرات صورة إيجابية لمشاركة المرأة في المجتمع، وهذا بالطبع يخالف ما قد يفرض من صور نمطية عن تبعية المرأة وسلبية دورها بالحياة.

** مصادر تمويل "كوبتك أورفانز" ما هي؟ وهل هناك دور لمنظمات قبطية في المهجر في الدعم؟

نعتمد لتنمية مشروعاتنا على التبرعات، ولكن نعتمد نظام يجعل هذه التبرعات مستمرة بحيث لا نسير بالصدفة، ليس للمنظمات القبطية الخارجية دور مالي في نشاطنا لكننا نعتمد بشكل كبير على تبرعات الأقباط المهاجرين، وحقيقة هم متعاونين بدرجة كبيرة جداً.

** بما أنك تعملين كمدير تنفيذي لمؤسسة خدمية عاملة في مصر ما هو تقييمك لحال المجتمع المصري؟

المجتمع المصري مليء بالقدرات البشرية المتميزة لكن تلك القدرات لا تجد الدعم الكافي لتبرز وتظهر بقوة على السطح وأظن أن النظام التعليمي هو من أكثر معوقات نمو الشخصية، تدهشني الرغبة في العطاء التي ألمحها في عيون وسلوكيات الكثيرين هنا بمصر وهذا ما يفتقده الفرد بأمريكا، أما الدرس الذي يعلمه بعض أفراد المجتمع المصري لكثيرين هو "القناعة" هنا البشر قانعين ولديهم رضا وسلام داخلي نتيجة علاقتهم الجيدة مع الله، عكس ما قد تجده في الغرب حيث يفتقد الإنسان للسلام والقناعة في إطار لهثه الدائم وراء جني المزيد من المال، وأتذكر في هذا الإطار موقف حدث لي مع سيدة بسيطة جداً تعيش بمحافظة قنا في صعيد مصر ولديها أربعة أبناء جميعهم من ذوي الإعاقات الذهنية بدرجات متفاوتة، وابنها الكبير أفضلهم حالاً ويعمل في صناعة الأقفاص. وتلك السيدة تعيش في حجرة ليس بها من الأثاث أي شيء وتنام هي وأبنائها على كارتونات ورقية، وعندما شاهدت وضعها هذا تحدثت لرفيقتي بالزيارة أنه يجب أن نأتي بمراتب قطنية لهذه السيدة وأبنائها ليناموا عليها كأقل ما يمكننا فعله للمساندة، لكنني فوجئت بها ترفض بشكل قاطع أن تأخذ المراتب لشعورها بأن هناك من يحتاجها ولا يملك كما تملك هي كارتونات للنوم.

** الأطفال بالطبع نطاق احتكاكك بهم كبير، هل تذكرين موقف مميز مع أحدهم؟

أتذكر طفلة قابلتها في صعيد مصر كانت بالمدرسة الإعدادية ومع ذلك لا تتقن القراءة أو الكتابة وقد كان اسمها "مانجه" وبذل معها المتطوعون مجهود كبير لتعليمها القراءة والكتابة وبالفعل نجحوا، وعندما قابلتها بعد ذلك سألتها "إيه أخبارك يامانجه" فاجأبت: الحمد لله بقيت التالتة على الفصل والسنة الجاية هاطلع الأولى وأكون جاهزة للتصدير.

** لو عقدنا مقارنة بين طفل يتيم في مصر وآخر بأمريكا ما هي مشكلات كل منهم؟

في مصر الطفل اليتيم يعاني من شعور بالدونية لفقدانه والده، خاصة وأن مصر مجتمع لا يهتم بشخصية الفرد كمحدد لنجاح هذا الفرد وإنما يعتمد على النسب والعائلة لتحديد قيمته، كما أن اليتيم بمصر يفقد عائل أسرته ووالده بالموت، وهو ليس له دخل في هذا لكنه يتحمل وحده دون دعم تبعات هذا الفقدان النفسية والمادية.

الطفل اليتيم بأمريكا لا يعاني من تلك الحساسيات لكون الشخصية والنجاح الفردي هو مقياس الحكم عليه كفرد كما أنه بأمريكا هناك عدد من المؤسسات الحكومية التي ترعى مثل هؤلاء الأطفال مادياً حتى الوصول للجامعة وهذا ما نفتقده بمصر.

** برأيك ماهو الدور الذي يمكن أن يلعبه القبطي المهاجر لخدمه وطنه مصر؟ وهل الأجيال الشابة بالمهجر تدرك مصر كوطن كما يدركه جيلك وما سبقه؟

القبطي يمكنه أن يساعد وطنه مصر كثيراً من خلال دعم هذا الوطن من داخله وليس من خلال بناء افتراضات وتصورات من الخارج، ونحن من خلال "كوبتك أورفانز" نخدم وطننا من الداخل ووفق معايشتنا للواقع في مجال خدمتنا.

الأجيال الشابة تحتاج من جيلنا مساعدة ودفع كبير لنربطهم بالوطن مصر ومن خلال "كوبتك أورفانز" نحاول أن نقدم دفعة للشباب المقيم في المهجر للتعرف على مصر حيث نشركهم في برنامج تعليم اللغة الإنجليزية للأطفال في شهور الصيف، وهذا برنامج مفيد جداً للأطفال ولهم أيضاً كشباب يحتاج معرفة المزيد عن مصر.

** كيف ترى كوبتك أورفانز بعد عشر سنوات؟

تضحك قائلة لم نرسم خطط لما وصلنا له الآن، نحن فقط نعمل وبجد لنعطي ونجعل الحياة أفضل والله يكمل عملنا ويكلله بالنجاح.

** من هو مثلك الأعلى في العطاء؟

الزعيم الهندي غاندي

** في كلمة واحدة أو عبارة صغيرة عبري لنا عن فهمك لتلك الكلمات؟

الأسرة:- تعني لي الوحدة.

الطفل:- ملاك.

اليتيم:- كلمة ينبغي تغييرها واختيار أخرى أفضل للتعبير عن من فقدوا آبائهم.

مصر:- أفضل مكان بالنسبة لي في العالم.

أمريكا:- علمتني الكثير في الحياة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط


.. ما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع




.. الجيش الاسرائيلي يعلن عن مقتل ضابط برتبة رائد احتياط في غلاف