الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع د. إدريس لكريني حول تطورات قضية الصحراء في ضوء المفاوضات الجارية

إدريس لكريني
كاتب وباحث جامعي

(Driss Lagrini)

2008 / 2 / 15
مقابلات و حوارات


أجرى الحوار محمد أشلواح
أجريت في بداية شهر يناير الماضي؛ جولة من المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو؛ بخصوص قضية الصحراء؛ وبعد تصريحات مضادة من كلا الطرفين المتفاوضين، تبين أن هذه الجولة من المفاوضات، لم تكن أفضل من الجولتين الأولى والثانية، فكل ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين، هو إجراء جولة رابعة من المفاوضات في شهر مارس المقبل.
في الحوار التارلي يجيب د. إدريس لكريني؛ الباحث والأستاذ بجامعة القاضي عياض بمراكش؛ عن جملة من الأسئلة بخصوص مستقبل المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو؛ على ضوء نتائج مانهاست الثالثة.

1- ما هو تقييمكم للجولة الأخيرة من المفاوضات بين المغرب والبوليساريو التي أجريت في منهاست؟
جرت الجولة الثالثة من مفاوضات مانهاست في ظروف غلب عليها طابع التوتر؛ فقبيل هذه الجولة وفي الوقت الذي عبر المغرب فيه عن حسن نيته وإرادته الجادة لإغلاق هذا الملف الذي عمر طويلا؛ عبر طرحه لمقترح الحكم الذاتي الذي حاول من خلاله المواءمة بين مختلف المصالح(الانفصال والوحدة)؛ حاولت البوليساريو مدعومة من الجزائر ممارسة نوع من التشويش على مسار المفاوضات وعلى الترحيب الدولي الواسع الذي لاقته المبادرة المغربية؛ حيث بدأت البوليساريو تحرق آخر أوراقها في سياق الهروب إلى الأمام من خلال التهديد بإمكانية العودة إلى العمل المسلح؛ ناهيك عن عقدها لمؤتمرها في المنطقة العازلة بتيفاريتي في خرق واضح لاتفاقيات وقف إطلاق النار التي تشرف عليها الأمم المتحدة؛ وهي سلوكات تبرز إفلاس الطروحات الانفصالية ومدى الاضطراب الذي تعيشه الجبهة التي اختارت قبل ذلك مسار المفاوضات السلمية..
فإذا كانت البوليساريو قد ركزت مرة أخرى على مطلبها التقليدي المرتبط بالاستفتاء وتقرير المصير؛ فقد عمل المفاوض المغربي على تسليط الضوء على التحولات الكبرى التي شهدتها منطقة الصحراء؛ ومختلف الإصلاحات السياسية التي شهدها المغرب في السنوات الأخيرة التي تعزز تطبيق مشروح الحكم الذاتي..
وعلى الرغم من إصرار الطرفين على مواقفهما خلال هذه الجولة أيضا؛ فإن اتفاقهما على إجراء جولة مقبلة في شهر مارس 2008؛ والتي ستسبقها زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، بيتر "فان والسوم" إلى المنطقة لتذليل الصعاب؛ هو مؤشر على وعي الطرفين بأهمية التفاوض من جهة وبحجم التحديات التي يطرحها بقاء الأوضاع على حالها.
2- ما هو في نظركم مستقبل هاته المفاوضات؟
إن جلوس الطرفين إلى طاولة المفاوضات؛ هو تعبير عن الاقتناع بأهمية وضرورة البحث عن حل للقضية، ومؤشر على تبدل مجموعة من المعطيات.. كما أن رعاية الأمم المتحدة للمفاوضات وحضور بعض الأطراف الدولية والإقليمية فيها؛ من شأنه توفير الشروط اللازمة لتطوير ودفع الأمور إلى الأمام.
ورغم بعض المواقف المتشائمة من مستقبل المفاوضات؛ فمن السابق لأوانه القول بفشل هذا الخيار؛ وبخاصة وأن الممارسة الدولية تؤكد أن هذه الوسيلة التقليدية لتسوية المنازعات؛ تتطلب وقتا طويلا وصبرا جميلا ولقاءات "ماراطونية" متعددة؛ من أجل التوصل إلى حلول جذرية للمشكلات العالقة؛ كفيلة ببناء حل عادل ودائم.
ويمكن القول أن مستقبل المفاوضات يظل مرهونا بمدى استيعاب أطرافه المباشرة وغير المباشرة؛ لحجم التحديات التي يفرضها استمرار النزاع على المنطقة المغاربية في زمن التكتلات الدولية الكبرى؛ وبخاصة مع تنامي مخاطر الإرهاب الدولي في المنطقة؛ وظهور ما يسمى ب"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" التي تراهن على تعزيز انتشارها في المنطقة؛ كما يظل متوقفا على مدى قيامها على أساس حسن النية التي تستحضر مصالح شعوب المنطقة وانتظاراتهم أولا، وانخراط مختلف الأطراف الإقليمية والدولية في القيام بأدوار إيجابية بعيدا عن التحريض والمعاكسة والحسابات المصلحية الضيقة التي لن تزيد الأمر إلا تأزما.

3- ألا يمكن حل قضية الصحراء بالدخول في مفاوضات مباشرة مع الجزائر؟
لقد أصبح مؤكدا لدى المغرب والأمم المتحدة والمجتمع الدولي برمته بأن الدور الجزائري هو حاسم وأساسي في تحديد مواقف البوليساريو؛ ذلك أن البلد المغاربي الذي احتضن الجبهة منذ ظهورها؛ وظف إمكانياته الدبلوماسية والمادية للترويج لطروحاتها والتعتيم على حقوق المغرب؛ كما أجهض مختلف المبادرات الرامية لحل النزاع؛ سواء تلك التي قادها المجتمع الدولي أو بادر إلى طرحها المغرب.
ومن هذا المنطلق فالمفاوضات في حقيقة الأمر ينبغي أن تتم مع الجزائر؛ وقد عبر المغرب غير ما مرة عن هذا المطلب؛ كما أن العديد المتتبعين والمهتمين والباحثين وعددا من الدول؛ أصبحوا على قناعة تامة بأن تسوية الملف بشكل نهائي لن يمر إلا عبر بوابة الجزائر التي تقف بثقلها خلف الجبهة.
إن بلورة حل عادل ونهائي للقضية يظل في جانب مهم منه متوقفا على إبداء الجزائر ومختلف القوى الإقليمية المجاورة لحسن نيتها اتجاه هذه القضية؛ بعيدا عن أي تحريض أو تشويش؛ والسعي إلى دعم أي حل توفيقي ودي بين الطرفين؛ وإتاحة الظروف الملائمة لإجراء مفاوضات بناءة؛ كما على جبهة البوليساريو من جانبها والتي تدعي "تمثيلها لسكان الصحراء" أن تتخلص من الوصاية الجزائرية..
وأعتقد أن الموضوعية والمصلحة تقتضيان من الجزائر ترك المفاوضات تجري بشكل تلقائي بعيدا عن أية وصاية أو الدخول مع المغرب في مفاوضات جدية مباشرة بدل ممارسة الوصاية على الجبهة وتحريكها عن بعد.

4- ما هو تقييمكم لتدبير الملف في السنوات الأخيرة؟
من المعلوم أن تدبير القضية تميز لسنوات طويلة بالانفراد والانغلاق؛ مما كان له انعكاسات سلبية على مسار القضية داخليا وخارجيا؛ قبل أن تبدأ ملامح الانفتاح المحسوب في العقد الأخير على بعض الفاعلين كالبرلمان رغم ضيق الهامش القانوني الذي يؤطر مشاركته في صناعة القرار الخارجي للمغرب؛ والحكومة التي بدت حاضرة بقوة في المفاوضات الأخيرة؛ والمجتمع المدني الذي أسهم بتحركاته محليا ودوليا في تفنيد طروحات الخصوم والترويج لمواقف المغرب؛ ومختلف الباحثين الذين أغنوا النقاش بصدد مشروع الحكم الذاتي..
وإذا كان البعض قد اعتبر ذلك مؤشرا يعكس الرغبة في توزيع مسؤوليات المأزق الذي وصلت إليه القضية؛ فإن هذا الانفتاح أملاه أيضا الوعي بأهمية المقاربة الديموقراطية والتشاركية وبالقيمة المضافة التي سيضفيها ذلك على تعزيز وتمتين مواقف المغرب بصدد القضية.
ويعد وجود رئيس المجلس الاستشاري الملكي لشؤون الصحراء ضمن الوفد المغربي المفاوض؛ أمرا حيويا ومهما؛ ذلك أنه أكد للجبهة وللجزائر وللعالم بأن البوليساريو لا يشكل الممثل الشرعي الوحيد لكل الصحراويين، وبخاصة وأن المجلس يضم في تشكيلته مختلف التنظيمات والأطياف القبلية والسياسية.. الصحراوية من مقاومين وأعضاء جيش التحرير وأعضاء منظمات وأحزاب محلية تاريخية وممثلي هيئات المجتمع المدني وأعضاء سابقين في قيادة البوليساريو وشيوخ القبائل ومنتخبين في البرلمان والمجالس المحلية والإقليمية..

5- ما هي السيناريوهات المتوقعة في نظركم في حال فشل المفاوضات؟
أعتقد أن هناك ثلاث سيناريوهات كبرى تبدو مطروحة في الأفق؛ فهناك إمكانية بلورة حل تفاوضي يحظى برضى الطرفين؛ في إطار أرضية مشروع الحكم الذاتي الذي لم يشر بتفصيل مدقق إلى الاختصاصات التي ستخول للسكان، وذلك لإتاحة الفرصة في هذا الصدد لما قد يتم بلورته من معطيات ومقترحات تفصيلية بناءة ستعززه؛ وبخاصة وأن تطبيق هذا المشروع يمكن أن يكون امتدادا لتقرير المصير الذي تركز عليه الجزائر والبوليساريو؛ إذا ما مورس في إطار ديموقراطي وضمن اختصاصات حيوية وهامة.. تنسجم مع واقع الحال الذي تشكل في المنطقة على امتداد أكثر من ثلاثة عقود..
ويجد هذا الرأي أساسه في كون أن العديد من المبادئ التي أقرها القانون الدولي من قبيل عدم التدخل في الشؤون الداخلية والمساواة في السيادة.. تطورت ولم تعد بالقداسة والصرامة؛ كما كانت عليه في السابق؛ نتيجة لمجموعة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أفرزها تطور العلاقات الدولية في العقود الثلاث الأخيرة.
وهناك سناريو آخر مفاده؛ دخول مجلس الأمن على خط فرض حل على الطرفين بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؛ ويبدو من خلال قراءة متأنية للقرارين 1754 و 1783 اللذان أصدرهما المجلس عقب طرح المغرب لمقترحه البناء؛ بأن هذا الأخير الذي عبر عن ارتياحه لهذه المبادرة؛ بدأ يقتنع ويقر بدوره بصعوبة تنفيذ الاستفتاء أو تقرير المصير بالشكل الذي يطرحه الخصوم هناك ارتياحا إزاء هذه المبادرة ويؤكد في مقابل ذلك على أهمية الخيار التفاوضي؛ في أفق بلورة حل يحظى بقبول الطرفين.
ولذلك؛ فأعتقد أن انخراط المغرب في هذه المفاوضات؛ ينبغي ألا يثنيه عن الترويج لمقترحه المرتبط بالحكم الذاتي على نطاق ودولي واسع في أفق حصد مزيد من الترحيب والاستحسان، وبخاصة وأن ردود الفعل الإيجابية نحوه واستيعاب نجاعة مقترحاته؛ ستدفع حتما بمجلس الأمن إلى إيصاء الأطراف باعتمادها وتبنيها باعتبارها لقيت قبولا ورضا من المجتمع الدولي.
وللإشارة فإن تقريرا صدر عن مجموعات الأزمات الدولية في شهر يونيو 2007؛ اعتبر أن مجلس الأمن بتبنيه لقراره رقم 1754 الداعي إلى مفاوضات بين الأطراف المعنية؛ يبدو وكأنه نبذ نهائيا خيار تقرير المصير من خلال الاستفتاء واعتمد مقترح الحكم الذاتي؛ المقدمين إلى الأمم المتحدة؛ واعتبر من جهة أخرى؛ أن المجلس إذا أبدى في المستقبل ميلا إلى أي من الاقتراحين، فلن تكون النتيجة إلا "حلا" مفروضا..
والأكيد أن سير المجلس في هذا الاتجاه تدعمه رغبة المغرب الحقيقة في طي هذا المشكل من جهة؛ وينسجم إلى حد كبير مع أهداف الأمم المتحدة المرتبطة بالحد من مخاطر العوامل التي تغذي بعض الظواهر الجديدة المهددة للسلم والأمن الدوليين من قبيل الهجرة غير المشروعة والتهريب والإرهاب.. عبر احتواء مناطق التوتر وحسم النزاعات؛ ورغبتها أيضا في بلورة حل لنزاع مزمن سيعزز حتما من مصداقيتها؛ ويعيد ثقة الدول في قدرتها وفعاليتها.
أما السيناريو الثالث؛ وفي حالة إصرار الجزائر والبوليساريو على مواقفهما؛ فهو بقاء الأمور على حالها وبمخلفاتها وتداعياتها السلبية على المنطقة برمتها؛ غير أن هذه الوضعية ينبغي أن لا تمنع المغرب من السير قدما في تطبيق مشروعه المرتبط بالحكم الذاتي؛ ضمن مقاربة ديموقراطية تسمح بإشراك فعال للسكان في تدبير مختلف شؤونهم؛ وببلورة تنمية حقيقية تركز على الإنسان باعتباره وسيلة وهدفا.

*عن جريدة المغرب الدبلوماسي في عددها 12 لشهر فبراير 2008










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : شهادة طبيب • فرانس 24 / FRANCE 24


.. -يوروفيجن- في قلب التجاذبات حول غزة • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الذكاء الاصطناعي يفتح جولة جديدة في الحرب التجارية بين بكين


.. إسرائيل نفذت عمليات عسكرية في كل قطاع غزة من الشمال وصولا إل




.. عرض عسكري في موسكو بمناسبة الذكرى الـ79 للانتصار على ألمانيا