الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من قتل بي نظير بوتو؟ سيبقى الجواب واسعا

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2008 / 2 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


وفق ما نقلته وكالات الأنباء ، أن محققين جنائيين بريطانيين يبحثون في أسباب مقتل رئيس الوزراء الباكستانية الراحلة بي نظير بوتو قالوا: إن تفجير القنبلة هو الذي قتلها وليس إصابتها بالرصاص.وأشار التقرير ( حسب وكالات الأنباء أيضا) الذي وقعه جون ماكبراين، أحد كبار المحققين في سكوتلانديارد، إلى أن "التفجير تسبب في ارتطام رأسها بالسيارة عند منطقة فتحة السقف، وهو ما تسبب في إصابتها بجروح قاتلة برأسها". وقال التقرير إن الأدلة تشير إلى المهاجم كان واحد وليس اثنين، كما أشيع سابقا....
تعتبر بي نظير بوتو من ضحايا الإرهاب الذين تقيد جرائم اغتيالهم ضد قتلة مجهولين في عالم إرهابي معروف. فلجان التحقيق الدولية وبعد جهد جهيد ، لم تعلن رسميا عن القاتلين ، والمتورطين في عملية الاغتيال، بل كشفت للملأ كيفية مقتل بي نظير بوتو. فلا القتلة يمتلكون الجرأة على الاعتراف بجريمتهم، ولا مخالفوهم شجاعة اتهام خصوم و غريمي بالجريمة.
لا لأنهم يخافون الحكومات و العقوبات القانونية ، بل لأنهم لم يعد بإمكانهم تحمل لعنات الناس عليهم و غضبهم.
وقد أدى التحقيق في مقتل رئيسة الوزراء السابقة إلى أزمة أمنية و سياسية معقدة في الأوساط السياسية الغربية انعكاسا لتعقيدات الوضع السياسي الباكستاني.
إن وفرة القتلة و عناصر الإرهاب و الجريمة المهنيين سياسيا في باكستان من أهم العوامل التي تستر على التيار السياسي الذي يقف وراء هذه الجريمة، ما يوقع الخبراء و المنظمات المنية والسياسية الأمريكية والبريطانية في قلق وحرج كبيرين، وقد حاروا في مهمتهم المقعدة ، فكل الجماعات السياسية ، سواء في السلطة أو خارجها، يحوزون على مؤهلات ارتكاب مثل هذه الجرائم ، و يمكن تشخيص أي قوة سياسية هناك بأنها ارتكبت عملية القتل أو تقف وراءها. فكل جماعة لهم سجلهم الأسود الملئ بجرائم قتل النشطاء العماليين و النساء و اليسار والمدافعين عن حقوق الأطفال وإرهابهم واختطافهم. وإن أهم مبرر لوجودهم كان ولا يزال هو الوقوف حجر عثرة أمام تحقيق الطموحات السياسية لجماهير المنطقة والشرق الأوسط.
فما أسهل القتل في هذا العالم ! إنه كشرب الماء!!!
لا تكمن مشكلة باكستان في وجود جنرال ديكتاتور على رأس السلطة يمارس عمليات القتل وجرائم الإرهاب، ووجود معارضة تستهدف سلطته وإنزاله منها، ففي باكستان دكتاتورية تمسك بزمام الحكم، و تيارات سياسية تطلق على نفسها معارضة، تهدف إلى استلام الحكم ، وليس سجلّها في مجالات الجرائم السياسية والاجتماعية بأكثر نصاعة من سجل ّ الحكام .
لقد شغل مجرمون وعصابات مثل القاعدة وطالبان والجماعة الإسلامية لنواز شريف باسم المعارضة الفراغ الذي كان ينبغي لبديل يساري شيوعي قويّ أن يملأه ، ولا يمكن في هذه السياق عزل حزب الشعب الذي رفع شعار الدفاع عن حقوق الإنسان و الديمقراطية البرجوازية و الذي كانت السيدة بوتو قائدها الكاريزمي عن هذا القطب الرجعي الإرهابي في باكستان. لقد تولد الطالبان في فترة حكمها و وفق ادعاءات سياسيين أن نصر الله بابر وزير داخلية باكستان لحومة بي نظير بوتو يعتبر من مؤسسي هذه الحركة.
لقد تم تشغيل هذه الشبكات المتكونة من إرهابيين إسلاميين و يمينيين أدعياء حقوق الإنسان والديمقراطية السوق وجنرالات و زعماء قبائل في نسق و هرموني ضد المجتمع الباكستاني، فلم تتبلور حياة متمدنة في باكستان ، ولا تجذرت أحزاب سياسية لبرالية حقيقية ، سواء معارضة أو موافقة، وإن سياسة الأحزاب الموجودة هي منع اليسار الاشتراكي من الميدان السياسي ، إبعاد الجماهير و الطبقة العاملة عن لعب دورها التاريخي في التغيير ، و تحريمهم من حقوقهم الإنسانية و المدنية والاجتماعية. بدلا من ذلك سادت شبكات الإرهاب والقتل و أصبح بيدها مصير المجتمع. فهذا هو ما تعنيه الديمقراطية الأمريكية والغربية في الشرق الأوسط ، الهدف الأساس منها محاربة الطبقة العاملة و عرقلة سبيل كفاحها في سبيل تحقيق أهدافها ، وتخريب أرضية نهوض طلائعها الثورية.
لقد تأسست القاعدة في فترة حكومة السيدة الراحلة بوتو بمساعدة الأمريكان ، و اشتدّ ساعدها في فترة حكومة نواز شريف الذي تربطه ولا تزال صلات متينة مع جيش الصحابة و آل سعود الوهابيين، واستطاعت حركة طالبان فترتئذ من بسط نفوذها على أفغانستان انطلاقا من قواعدها في باكستان.
إن تعقيد الوضع السياسي في باكستان هدف بذاته للنظام العالمي الجديد للإمبريالية. فالوحوش المتسلطة على رقاب الجماهير المحرومة الباكستانية من فوق ، سواء الذين بيدهم زمام الحكم ، أو الذين يمارسون أنواع الإرهاب في هوامش الحكم ، ليسوا نتاجا طبيعيا لمسيرة الحياة في باكستان ، بل نتاج إعادة المجتمع إلى الوراء ، وفرض القيم الرجعية و المتخلفة عليه.
إن الرجعية في باكستان معقدة مثل الأوضاع السياسية هناك، وهي نتاج مباشر لسياسة النظام الإمبريالي الجديد في فترة الحرب الباردة لمواجهة الاتحاد السوفيتي، التي باتت مستمرة بحكم الأزمات الجديدة التي انتابت الرأسمالية منذ انهيار الكتلة الشرقية.

إن تعذر انفضاح قتلة بي نظير بوتو الإرهابيين ، وامتناعهم عن الإقرار بجريمتهم وراءه سبب آخر أهم ألا هو أن الرجعية المعقدة الدموية و السياسات الإرهابية لقطبي الإرهاب انهارت أخلاقيا في الشرق الأوسط والعالم، وقد لم يعد الناس يطيقون وجود هذه الوحوش تتمرغ في دماء وأشلاء البشر الأبرياء. هذه الكائنات شبة البشرية قدمت خدمات جلى للرأسمالية بضمانها استغلال الطبقة العاملة والكادحين في البلدان المتخلفة. لقد مضى ذاك الزمان الذي كان الإرهابيون يعلنون للملأ جهارا عن ذبائحهم، و يلبسون الأكفان استعدادا لقتل الأرواح البريئة و دخول الجنة و الأكل والشرب مع رسول الله على مائدته.
لم تعد للإرهابيين القتلة الجرأة على اتهام بعضهم بعضا في قتل بوتو ، رغم خلافاتهم الواسعة و تناطحهم على الحصص والغنائم . إنهم يخافون غضب الجماهير التي باتت تلعن السلطات و معارضيها و أسيادهم الإمبرياليين . و الإرهابيون فقدوا الشجاعة حتى عن التعبير عن فرحهم بمقتل بوتو.
لا يمكن حقا اعتبار القاعدة وطالبان معارضة للحكم في باكستان، إذ أن الحكام لهم صلات بشكل أو بآخر معهم، وكانت المخابرات ولا تزال تدعم طالبان ورقة ضغط في بورصة السياسة العالمية. لقد نظمت المخابرات الأمريكية والبنتاغون شبكات واسعة رجعية إرهابية من أكثر القوى ظلامية و رجعية في باكستان باسم منطقة الحرام بوجه ما كان يسمى بالزحف الشيوعي.
فغضبة الجماهير أجبرت الإرهابيين بمختلف أشكالهم على اتخاذ الحيطة والحذر و الحسبان ألف مرة لما يبدر منهم من كلام لن يكون لصالحهم مستقبلا، وهذا أيضا يعتبر مانعا في كشف القتلة الإرهابيين مرتكبي جريمة السيدة بوتو.
لقد عادت بوتو إلى باكستان لتستغل الأزمات التي تواجه مشرف ، لعلها تجبره على إجراء انتخابات وراء ستار أمريكي، واقتسام السلطة معه ، تمهيدا لانتزاعها منه في انتخابات قادمة شكلية ، إذ أن العملية كانت ستكون فوقية أرضية ، و خلف ظهر الناس.
فقتلها كان رد القوى السياسية على عجزها في الاستمرار في التنافس، وفي القيام بأي تغيير سياسي. لكن رغم تمكن هذه القوى من القتل و الإرهاب و الإفقار والسلب والنهب ألا أنها عجزت على إقناع الجماهير بقبول هذا الجحيم الذي خلقته لهم.
ولم يشفع لمشرّف حكومته اتهامه القاعدة وطالبان بقتل بوتو ، لكنه خاب بعد نفي الخيرين أن يكونوا وراء العملية. إن القاعدة ليست في حاجة للفضح ، وهي تقف في قمة جبل من جماجم البشر ، و أصبحت سببا عند الكثيرين لكراهية أمريكا لدورها الكبير في خلقها و تقويتها، ولم تعد أمامها أية فرصة لاستلام السلطة بأي شكل ، ولن تحظى بقبول أغلبية الناس الذين يزدادون وعيا يوما بعد يوم ، ويكتشفون أسرار وجودها وأسبابه. إن سياسة الترقيع التي تمارسها قوى ما يسمى بالمعارضة ، مثل سياسة إنقاذ الأنظمة الفاسدة من أزماتها لن تؤدي سوى إلى المزيد من إفقار الناس و تفاقم مصائب المجتمع .

2008-02-14








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المناظرة الرئاسية بين بايدن وترامب على CNN.. إليك أبرز اللقط


.. رغم تراجع الرئيس عن توقيع مشروع الموازنة.. استمرار المظاهرات




.. انفعال بايدن على ترمب بسبب -قدامى المحاربين-


.. عائلات قتلى ومحتجزين إسرائيليين تلجأ للمحكمة العليا للمطالبة




.. سي إن إن تحقق في تصريحات ترمب: بايدن تمكن من توفير 15.6 مليو