الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لن يغرق العراقيون مرة أخرى

محيي هادي

2003 / 12 / 12
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


تستمر عجلة الزمن في الدوران و السير، لتسحق ما تلاقيه من سنين و أشهر و أيام .
و لا يمر يوم ليعبر بسلام بدون أن  يقدم لنا أخبارا، و الأخبار لا تسمى هكذا إلا إذا كانت سيئة.
تعرض لنا شاشات التلفزيونات الأسبانية صور جثث مرمية و متناثرة على  طول  سواحل البحر الأبيض المتوسط  المقابلة لسواحل المغرب و على عرض سواحل المحيط الأطلسي الأسبانية القريبة لذلك البلد.
و بالقرب من صخور الساحل نشاهد زوارقا ممزقة وقد تهشمت كزجاج عند اصطدامها بتلك الصخور.
نضطجع في الليل و في مخيلتنا صور الجثث، و يأخذنا النوم لكي نحلم بنفس  الجثث و هي تملأ أحلامنا ككابوس يضغط على صدورنا ليؤلمنا بشدة ، ألم  شبيه لآلام ذبحة صدرية تصيب قلوبنا.
و نستيقظ في الصباح و في أعيننا بقايا آثار نوم مضطرب و قلق حزين و خوف.
نذهب لشراء صحيفة اليوم، ولا  تقع أعيننا إلا على نفس أخبار الليلة الماضية، نفس الجثث التي رأينا على شاشة التلفزيون نراها أيضا في الصباح و لكنها منسوخة على صفحات الصحيفة، تعلو كلمات سوداء كئيبة تشرح لنا مأساة كارثة الأمس.
و نعود في المساء الى البيت وفي أذهاننا أخبار الجثث التي لا تنتهي. و نجلس لنرى مرة أخرى مناظر جثث أخرى.
و تعود شاشة التلفزيون لتعرض جديد قديم، فترينا زورقا آخرا فارغا تلعب به أمواج البحر العاتية ، ليس فيه أي راكب ، لقد رحل ركاب الزورق الى جحيم الموت، الى أعماق البحر.
و في اليوم الثالث نرجع مرة أخرى لنرى جثث أكثر تتراشق بها الأمواج يمينا و شمالا، تلعب بها كما يلعب بكرة المنضدة لاعبها،  و تؤكد لنا الأخبار أن زورقا - زرقورقيا- آخرا قد تحطم و تشقق ليتقئ  بركابه الى البحر، إنه كرمانة تتفطر و تتشقق لتنثر حباتها الى الخارج.
نرى كثيرا من الجثث ، و لن تكو الأخيرة، إنها كرأس -آيسبرغ- يسير مع تيار البحر،  يُظهر رأسه فقط ، أما في جوف البحر فتبقى لتضيع الى الأبد جثث  كثيرة لا تعد و لا تحصى.
و هكذا…
هذا هو حال الكثير من أبناء الشعب المغربي الذين يريدون  اجتياز  مضيق جبل طارق ليتركوا وراءهم جحيم الفقر و الحرمان في بلدهم و يرحلوا الى ما يتصورنه بأنه الجنة ، الجنة الأوربية. و يرافق المغاربة أفراد من دول أخرى، جلهم أفارقة و يصحبهم بين حين و آخر آسيويون.
لقد سمعت و شاهدت أيضا مواطنين من بلدي العراق و هم يحاولون العبور الى هذا الجانب من البحر المتوسط، فقسم منهم استطاع العبور و قسم آخر لم يستطع فبقي في المغرب أو في مدينة  سبتة   و قسم ثالث غرق في أمواج البحر، فجذبته الأعماق و ارتاح هناك الى الأبد.
العراقيون شعب لم يكن يعرف الهجرة أبدا ، إذ كانت أرضنا تشدنا بقوة، و كانت تمرة واحدة تكفي واحدنا و تغطي ما يحتاجه من طاقة. و لكن و بعد وصول البعث الدموي الى حكم العراق و جدنا الملايين من العراقيين يهربون أو يحاولون الهروب من البلاد، لا بحثا عن الغنى، أو عن الجنة الأوروبية، بل بحثا عن نسمة هواء يستطيعون أن يستنشقونها ليعيشوا.
كان العراقيون يهربون من البطش و الإرهاب.
إرهاب السجون و التعذيب و القتل.
إرهاب الجوع.
إرهاب عدم القدرة على  الدراسة في أرض الوطن.
إرهاب و إرهاب.
ثم إرهاب المقابر الجماعية.
ماعدا العراقيين، فإن كثيرا من الناس من غير العراقيين  كانوا يعيشون برفاهية و بحبحة و غنج في  العراق، لا بل  أن البعض منهم كان يضحك على ذقن العراقي و يشمت به، و كان آخرون يرقصون كقردة و يقفزون  أمامه.
كان الأعراب، و بشكل خاص المرتزقة منهم ، يعيشون بتطفل رهيب على حساب ثروة العراق و رغم أنف العراقي.
كان على العراقي أن يهرب و يهاجر. أي بلد في العالم يتحمل هروب خمسة ملايين من مواطنيه؟
كان على العراقي أن يتحسر و يبقى محروما :
محروما من أرضه،
محروما من ثروته،
محروما من مضغ لقمة العيش براحة على ترابه،
محروما من التعليم،
لا بل كان محروما من هواء التنفس، كان الأوكسجين معدوما في العراق فقد حلت محله غازات التسميم، لتسمم الأهوار و الجبال.
أكتب كلمات هذه السطور و أنا أدعو الى الله أن يسكن فسيح جناته هؤلاء المغاربة الذين هربوا من الفقر فلقوا الموت في انتظارهم، و أرجو الرحمة لأولئك العراقيين الذين هربوا من بطش النظام العفلقي، فزهقت أرواحهم على صخور الجبال أو خنقت في أعماق البحار. و أتذكر بشكل خاص أولئك الأربعمائة ضحية الذين غرقوا في أجواف بحار أندنوسيا، لم تسلم تلك  الطفلة  من الغرق و قد تبدلت ضحكاتها الملائكية بصراخ الخوف و ببكاء الرعب، و لم يسلم الأب و لا الأم.
إن جثث البائسين المغاربة هنا تذكرني دائما بجثث العراقيين هناك.
لا أريد أن أنسى الضحايا، و في هذه المرة لا  أنسى ضحايا الباخرة الاندنوسية، إن ذكراهم تؤجج  في نفسي حافزا شديدا  يناهض كل أشكال الإجرام، و خاصة إجرام البعثيين، اسوء خلق عرفهم تاريخ العراق.
لقد  خُلِع حكم البعثيين من العراق، و ذهبت همجيتهم الى الجحيم ، و رجعت الى أبناء العراق بعضا من الحرية و عادت اليهم ابتسامتهم. فلم أعد أسمع أن هناك عراقيا  مات بردا على سفوح جبال روسيا أو غيرها  و هو يحاول العبور الى بلد من أوروبا الغربية أو أكلته الذئاب، و لم أعد أسمع أو أرى عراقيا يغرق في بحر إيجة أو في  بحر آخر.
إنه البقاء في أحضان الوطن و إنها العودة الى أفراح جنته.
ستكمل الفرحة عندما نقضي تماما على بقايا البعث الدموي و أفكاره الهمجية.
و ستكون الفرحة أكبر عندما نشاهد خروج جيوش و قوات التحالف من أرضنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقوى تعليقات على كابلز وفيديو كليبات مع بدر صالح ????


.. خوارزميات الخداع | #وثائقيات_سكاي




.. من هي وحدة عزيز في حزب الله التي اغتالت إسرائيل قائدها؟


.. رئيس التيار الوطني الحر في لبنان: إسرائيل عاجزة عن دخول حرب




.. مراسلتنا: مقتل قائد -وحدة عزيز- في حزب الله باستهداف سيارته