الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الطريق ..( قصة قصيرة )

ابراهيم السراجي

2008 / 2 / 17
الادب والفن


كالعادة في طريق عودته للبيت بعد دوام طويلة ساعاته يمضي نحو (فرزة) الباصات . العمل لم يكن ذلك الذي يستدعي بذل مجهود كبير ,إلا أن إحساس الناس بالتعب بعد دوامهم أمر يحدث في كل الاحوال ,توجه للفرزة وفي داخله أمنية أن يكون سائق الباص شاباً ,الحقيقة أن أمنيته تلك كانت دائما ما تعود لأمرين ,الأول : أن السائق الشاب يكون أكثر جرأة ومغامرة على عكس السائق كبير السن ,والثاني : وهو الأهم أن السائق الشاب يهتم بأن يكون في الباص (مسجل) فهو يحب الموسيقى وهي بدورها تعينه على طول الطريق وزحمته , إنه يحتاج للموسيقى ويعشقها كثيراً ,كان أثناء الطريق دائما ما يتساءل : لماذا الموسيقى في باص الأجرة تكون أكثر جمالا منها على مكتبه رغم أنه أحيانا كان يسمع ذات الأغنية التي كان يسمعها في الدقائق الأخيرة من الدوام ؟.!

وصل الى قرب الباص الذي يفترض أنه سيتحرك الأول ,نظر من مسافة متوسطة نحو السائق حتى يطمئن إن كان شاباً فهو على استعداد أن ينتظر للباص الآخر المهم أن يستمع للموسيقى , بدت على وجهه إبتسامة رضى لقد كان الراكب الأخير مع السائق الشاب .
مشى الباص بسرعة , هو لم يكن مستعجلاً كان قد تعود أن يشغل السائقون الموسيقى بعد وقتٍ قصير من تحركهم , شرد وهو يشاهد لوحات الإعلانات عند إحدى إشارات المرور التي دائما ما تسمح للباصات بالمرور إلا بعد ان تتلون عدة مرات لشدة الزحمة التي تكون عليه .
بدأ القلق يبدو على وجهه فهو لم يسمع الموسيقى الى الآن ,رفع رأسه قليلا وكأنه يريد أن يعرف السبب فتفاجأ بإن هذا الباص لا يملك مسجلاً أصلاً ,ولا يعرف كيف خرج صوته يقول للسائق أنه يرغب بالنزول .
إنتظر على الشارع باصاً آخر لكن هذه المره سيرضى بأول باص يصل الى قربه فقد رأى أنه من السذاجة أن يهتم للموسيقى لهذه الدرجة ,وأصبح همه أن يصل الى بيته , وقف باص أجرة آخر أمامه صعد وهو يشاهد ممتعضا من كون السائق رجل كبير , وقد أحس أنه خسر الموسيقى اليوم وخسر الوقت ,صعد واختار لنفسه مكاناً مجاوراً للنافذة , شاهد الناس , ضجيج , حركة , أبواق السيارات العالية , مشاجرة هنا , حادث هناك , في ذلك الوقت الذي يصاحب خروج الناس من أعمالهم نهاية الدوام وكذلك طلاب المدارس والجامعات حيث تكون الزحمة في أوجها , تمتم بحنق :
-لماذا لا تنقل العاصمة الى مكانٍ آخر
أو لماذا لا تنظم الأسواق
أو يغيروا مسار سيارات الأجرة على الأقل ؟!
يتأفف من إشارة المرور التي لا تختلف عن سابقتها ثم أردف :
-هذه العاصمة تعشق الفوضى
كل شيءٍ هنا يشكو غياب الإدارة والتنظيم .
فجأة ومفاجأة غير متوقعة فالسائق كبير السن قد مد يده مديرا مفتاح المسجل لينساب صوت فيروز الذي بدأ بنصف كلمة وكأن السائق قد توقف عن سماع الشريط فجأة
يا جارة الوادي طربت وعادني
ما يشبه الأحلام من ذكراك
سرعان ما تخلى عن إعتراضاته السابقه , لكنه لم يتخلى عن نظرته للسائقين كبيري السن فهذه المصادفة تشبه الصدفة التي جعلت سائقا شابا يمشي دون مسجل .
غرق في الإستماع وهو يحس بالسعادة .. يراقب المارة .. المطاعم .. الشوارع .. المعاهد والمدارس .. السيارات التي تمر من جانب الباص , كل شيءٍ ممتليء بالبشر .
فتاة هناك خلف أحد أبواب المحلات .. تحاول ان تحصل على مكالمة هادئة , شاب هناك يدخل يده في جيبة بابتسامة عريضة يستقبل فتاة قادمة إليه , هناك سائق يتشاجر مع آخر ,
كان الركاب كعادة الكثير ما إن تمر احدى الفتيات المميزات إما جمالاً أو ترتدي ملابس مثيرة إلا وتراهم يديرون رأسهم مع حركتها حتى تغيب عن ناظرهم في مشهدٍ كان هو يشمئز منه , فيروز كانت تواصل هذه المره :
لا تخافي يا فتاتي
فالنجوم تكتم الأسرار
سافر بخياله .. وركاب الباص يلمحهم ورؤسهم تدور مع كل فتاة يرونها ,
اتجه نظره صوب أحد بوابات معاهد اللغة الانجليزية , رأى فتاة كانت خارجة للتو من المعهد تنظر نحو الجانب الاخر من الشارع تهم بالمرور نحوه التقت عينه بعينها أحس أن هناك باب يفتح , دخل وأحس أن الباب قد أوصد خلفه , لقد تم احتجازة , لا يدري إن كانت عيناه قد أصبحت عالماً بالنسبة لها أو لا , حدث كل هذا في ثوانٍ قصيرة مر بها الباص من امامها , هو لم يدر رأسه كونه يكره هذه العاده من الاخرين فرأى أنه لا يجب أن يفعل , لكنه سمع صوت إطارات تعانق الارض حتى كادت أن تحترق , أصواتا تعلو
هرب السائق
-ليبلغ احدكم الشرطة
-احدهم : ستموت الفتاة وأنتم تنظرون
-اتصلوا بالاسعاف
أدار رأسه رأى ذلك العالم مرمي على الارض , أحس وكأنه يحاسب سريعا على نظرته , على ما فعلته الفتاة به , صرخ بالسائق يخبره أنه يريد النزول , لكن السائق يصيح به لا تنزل هنا ستتسبب بمخالفة لي انتظر الى ما بعد إشارة المرور , نزل من الباص وهي يسرع حتى وصل للمكان
يبدو أنه كان الزائر الاخير
لـ بقعة دم
وقلم ودفاتر مرمية ممزقة .. مثله..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو


.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق




.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس


.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم




.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب