الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كاليجولا يحاصر الهواء

رمضان متولي

2008 / 2 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


حكومتنا الغراء دائما سباقة عندما يتعلق الأمر بقمع الحريات في حين تتأخر في أي شيء آخر. أحدث الدلائل على ذلك ما صرح به وزير الإعلام أنس الفقي لجريدة الفايننشال تايمز يوم الخميس الماضي حول وثيقة وزراء الإعلام العرب التي تفرض قيودا على حرية البث التليفزيوني للقنوات الفضائية مشيرا إلى أن مصر سوف تقوم بتحويل مبادئ هذه الوثيقة إلى قانون يتم تطبيقه فورا.

القنوات الفضائية المستهدفة بهذه الوثيقة ليست طبعا تلك القنوات التي تنشر الخرافة أو التي تروج للدعارة كما يزعم وزراء تزييف الوعي وتغييب الحقائق، فبالنسبة للأولى لا أعتقد أن الحكومات المستبدة ترفضها بقدر ما تغذيها وتروج لها وتحميها حتى تلهي شعوبها عن التفكير العلمي والواقعي في مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، بل إن الخرافة تنتشر بقوة كلما عم الفقر والاستبداد وضعفت المؤسسات والحركات الاجتماعية وشعر الإنسان بالعجز أمام قوى القمع والخوف منها، وهذه الخصائص أكثر ما تنتشر في مجتمعاتنا العربية. أما الثانية فإنها تلجأ للبث من دول أخرى تسمح قوانينها بالدعارة ولا تستطيع الدول العربية إلزامها بعدم البث على الأقمار الأوروبية كما لا تستطيع أن تقيد جمهورها وتمنعه من مشاهدتها.

المبادرة جاءت من السعودية ومصر، ولا يستطيع أي عاقل أن يصدق أن أيا من الدولتين تحارب الخرافة أو الدعارة، فالسعودية تحديدا لا تخفي رفضها للتفكير العلمي من جذوره باعتباره ضربا من ضروب الكفر، وجاءت من السعودية الفتاوى التي تكفر من يقول بكروية الأرض (ابن باز) وتدافع عن التداوي بأبوال الإبل! أما عن مصر، فلم نشهد يوما أن اتخذت الحكومة أي إجراء من أي نوع ضد البرامج أو القنوات التي تبث الخرافة، ولم تتخذ إجراءات ضد القنوات الفضائية إلا قناة الجزيرة عندما أحيلت هويدا طه، المعدة في القناة، للمحاكمة بسبب فيلم وثائقي تعرض لمسألة التعذيب في أقسام الشرطة وحكم عليها بالغرامة بسبب تضمن البرنامج تمثيلا لحالات تعذيب يزعم رواتها أنهم تعرضوا لها، كما تعرض مدير مكتب القناة القطرية لبعض المضايقات الحكومية من قبل. غير أن الوثيقة العربية الجديدة تضمنت عقوبات أخرى أهمها مصادرة المعدات وإغلاق المكاتب وسحب التراخيص من القنوات التي تخالف القيود التي ستفرضها الحكومات عليها.

وليس غريبا أن تهتم الحكومة المصرية أكثر بالقيود التي ينبغي فرضها على حرية التعبير وأن تجعل هذه القيود مطاطة بحيث يمكن تفسيرها وتلوينها كلما استدعت الضرورة ذلك. ثم تتعمد في نفس الوقت وأد أي قانون يتعلق بحرية تداول المعلومات، وعندما أعلنت مؤخرا أنها تقوم بإعداد هذا القانون صاحب ذلك مخاوف شديدة من أن القانون الجديد سوف يكون قانونا لحجب المعلومات وليس تداولها والإفصاح عنها.

هذه المحاولات العبثية لن تفلح مع ذلك في تغييب الشعوب عن حقائق الاستبداد والفساد في المجتمعات العربية، حتى وإن دفع الغرور الحكومات المستبدة إلى الاعتقاد بأنها قادرة على محاصرة الهواء ومنع شعوبها من التنفس، فتكون بذلك أشبه بكاليجولا طاغية روما الذي ارتدى لباس الآلهة وقتله غرور السلطة. فالفضاء المفتوح مجرد بوابة واحدة من بوابات حرية التعبير وإن كانت واحدة من أقواها وأكثرها قدرة على الانتشار السريع. ولكن كلما سعت هذه الحكومات واجتهدت في إغلاق تلك المنافذ، كلما عجل ذلك بانفجار السجن وتحطم الأسوار، وكلما عجل باليوم الذي تستطيع فيه الشعوب التعبير عن نفسها ومواقفها بوسائل أخرى أكثر قوة وأشد تأثيرا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وصلت مروحيتان وتحطمت مروحية الرئيس الإيراني.. لماذا اتخذت مس


.. برقيات تعزية وحزن وحداد.. ردود الفعل الدولية على مصرع الرئيس




.. الرئيس الإيراني : نظام ينعيه كشهيد الخدمة الوطنية و معارضون


.. المدعي العام للمحكمة الجنائية: نعتقد أن محمد ضيف والسنوار وإ




.. إيران.. التعرف على هوية ضحايا المروحية الرئاسية المنكوبة