الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية التوافقية في العراق

حسين علي الحمداني

2008 / 2 / 21
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


انها لنموذج خاص بالديمقراطيات الأوروبية الصغيرة (النمسا، سويسرا، هولندا ، بلجيكا) وبالمجتمعات ذات البنيان المتعدد الإثنيات أو الطوائف أو اللغات (لبنان، ماليزيا، قبرص، نيجيريا، غانا...). اما خصائصه الرئيسية الأربع فهي:
- حكومة ائتلاف واسع ، الأمر الذي يميز النموذج التوافقي عن النموذج البرلماني على النمط البريطاني، الذي يقوم على حكومة مقابل معارضة. ان المشاركة في الائتلاف الحكومي تحمي المجموعة الأقلية.
- نسبية في التمثيل بدلاً من قاعدة الأكثرية.
- الفيتو المتبادل كوسيلة لحماية الأقلية ضد القرار الاكثري. فالمشاركة في الائتلاف الحكومي لا تكفي بالفعل لحماية المجموعة الاقلبة. لذلك يجب اعطاء هذه المجموعة حق النقض في الميادين ذات الأهمية الحيوية.
تلعب النخبة دورًا رئيسًا واستراتيجيًا في هذا النموذج الذي لا يتضمن شروط الاستقرار "الكلاسيكية" وهكذا، يتوقف هذا الاستقرار على عدة شروط أهمها الموقع الاستراتيجي للنخب القممية (الكتل الكبيرة)، وتقاليدها في التسامح، وادراكها لطبيعة النظام وحدوده.
لقد نشأ مفهوم الديمقراطية التوافقية من المقارنة، وجرى تدويله بنشر مؤلفات متعلقة بالبلدان المنخفضة وبلجيكا والنمسا وسويسرا وكندا. ثم امتد المفهوم الى بعض بلدان العالم الثالث، وخصوصًا الى لبنان وماليزيا وقبرص وكولومبيا والاوروغواي ونيجيريا. وقد صاغ العالم السياسي ، آريند ليبهارت Arend Lijphart ، هذا المفهوم بوضح وأشمل اسلوب. كما ان جيرارد لامبروخ Gerhard Lehmbruch استخدم في بادئ الامر عبارة الديمقراطية النسبية (proporzdemokratie) ثم عبارة الديمقراطية التوافقية (konkordanzdemokratie) في معرض الحديث عن النمسا وسويسرا. اما ج. بنغهام باول G. Bingham Powell فقد وصف بخاصة "التجزؤ الاجتماعي"، بينما حلل يورك شتاينر Jurg Steiner "الاتفاق الرضائي" بالمقارنة مع قاعدة الاكثرية. ودرس إريك نوردلينجر Eric Nordlinger "احتواء النزاعات في المجتمعات المقسَّمة".
ان نموذج الديمقراطية التوافقية، الموضَّح في مفهومه العام وفي حالة الديمقراطيات الاوروبية الصغيرة، لم يحظ بدراسة متعمقة لشروطه وتطبيقاته الخاصة في العراق وخاصة بعد الانتخابات الاخيرة فالعراق ينطوي على مزايا خصوصية، في مقدمتها تعدد الأطياف العراقية سواء كانت دينية أو عرقية من جهة ومن جهة اخرى ان التغيير الذي حصل في العراق ناجم من جهة خارجية في ظروف خاصة . لهذا فان الذي حصل في العراق افرز حالات عديدة في مقدمتها تحول الاقلية الى أكثرية بفضل تغيير الراي العام وبواسطة سياق انتخابي، اما في المجتمعات المتعددة (plurales) فإن الاقلية الاثنية أو الطائفية أو اللغوية محكوم عليها سياسيًا بالبقاء اقلية وبالعزل، ولا يمكنها الاعتماد إلا على نمو ديمغرافي متسارع. لكن الذي حصل في العراق مفهوم آخر بعيد عن التوافقية حيث المناصب التسعة الرئيسية وزرعت بشكل متساوٍ بغض النظر عن حجم كل كتلة وتمثيلها في البرلمان وهذا ما يعني ان الغاية من الانتخابات لم ينفذ. ومرجع هذا الاجراء حسب اعتقادي نابع من حرص البعض على اكمال مسيرة الديمقراطية في العراق والابتعاد قدر الامكان عن ما يمكن تسميته بـ مثلث الخوف والخطر ورد الفعل. والقول، من جهة أخرى، ان النظام الديمقراطي الحالي في العراق قائم على التسوية أو (الصفقة) يعني انه مبني ليس فقط على تنازلات متبادلة انما ايضًا على موازين قوى وبالتالي على التفاوض كما في أي نظام متعدد أو دولي والدليل ما حصل مؤخرا من خلال التصويت على ثلاثة قوانين هي الموازنة – قانون مجالس المحافظات – العفو العام. فالمجتمع السياسي العراقي الآن يحاول ان لا يكون هناك مهزوم والوصول، بعد سلسلة من اللقاءات والمفاوضات الى "اللاغالب واللامغلوب"، الى اعتدال عام أصبح جزءًا متممًا من البنى العقلية لشعب توافقي.
بيد ان النموذج السياسي العراقي الان يطرح مسألة مدى نجاح التوافقية ؟
تتوقف قابلية النموذج للحياة على أربعة عوامل رئيسية. فهي تتوقف أولاً على البنى الذهنية. فالسنوات الاربعة الماضية قد جعلت كافة الكتل السياسية من حيث نظرتهم الى طبيعة النظام وحدوده وآليات الانتخابات والقوائم المغلقة التي اوصلت بعض قوى الارهاب والداعمين له الى قبة البرلمان وكذلك هؤلاء اوصلو من يريدون ايصاله من الارهابيين الى منصب وزير. وتتوقف قابلية الحياة ثانيًا، على "فدرلة" النظام (fédéralisation du système) التي يعترف الدستور نفسه بمبادئها. فالدولة الموحّدة والدولة الفدرالية ليستا نوعين متعارضين حسبما تفيد النظرية الدستورية التقليدية. ان النظام السياسي في العراق الجديد، مثل الكثير من الأنظمة الأخرى المنتمية الى فئة الديمقراطيات التوافقية، يشكل فدرالية على اساس شخصي في دولة موحدة. ولا يوجد هنا لا تناقض ولا شذوذ ولا بدعة دستورية. في المجتمعات المتعددة، يمكن تطبيق الفدرالية على اساس اقليمي (territorial) عندما تتطابق الانقسامات الرئيسية مع الحدود الجغرافية. كما يمكن تطبيق الفدرالية على اساس شخصي عندما لا تتطابق هذه الانقسامات مع الحدود الجغرافية. غير ان هذه الفدرالية تتطلب وجود سلطة سياسية مركزية قوية تصحح الاختلالات السابقة للتوافقية.ثالثًا، تتوقف قابلية النموذج للحياة على تنظيم العلاقات مع المحيط الذي يشهد حالة تحول. ان تزعزع استقرارالعراق قد نتج بصورة خاصة من وجود جماعات مسلحة بدعم خارجي كبير يصاحبه رفض قاطع او شبه قاطع للحكومة العراقية من قبل المحيط العربي والاسلامي تحت ذريعة الوضع الامني رغم الجولات الكثيرة للمسؤولين العراقيين لهذه الدوا.
رابعًا، تتوقف قابلية النموذج للحياة – وهذا أمر جوهري – على ميزان قوى متوازن، مع بنى دفاعية تسمح، في حال الخطر، بالحفاظ على الطابع المتعدد للمجتمع، الذي هو شرط ديمقراطيته.
ان النموذج التوافقي يسمح بالتوفيق بين ضرورة السلطة المركزية القوية الكابحة للمداخلات الخارجية ولمحاولات الهيمنة الداخلية، وضرورة الحفاظ على الخصوصيات الاجتماعية-الثقافية. على مرّ الايام، سيمكّن نجاح التوافقية من تجاوزها، لأن هذا النجاح يؤمن الاطمئنان النفسي للمجموعات التي يتألف منها المجتمع المتعدد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المناظرة بين بايدن وترامب.. ما أبرز الادعاءات المضللة بعد أد


.. العمال يحسمون الانتخابات قبل أن تبدأ، ونايجل فاراج يعود من ج




.. لماذا صوت الفرنسيون لحزب مارين لوبان -التجمع الوطني-؟


.. ما نسبة المشاركة المتوقعة في عموم أسكتلندا بالانتخابات المبك




.. لجنة أممية تتهم سلطات باكستان باحتجاز عمران خان -تعسفا-