الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلة القبض على الحب

سهيلة بورزق

2008 / 2 / 21
الادب والفن


على مسافة قريبة، كنت أرقبه وهو يحتفل بصمته، كانت السماء تمطر خارج البار، اقتربتُ من طاولته، حدقتُ في وجهه، لم تكن بيننا سابق معرفة، لكن المكان بحميميته له سلطة غريبة على القلب يجعلك تتخيل زائريه كلهم من طينتك، يبحثون عن ظلٍّ ما يحتمون به من أجساد أنهكها الترحال في اللغة.
جلستُ على الكرسي المقابل وقلت: اسمي شاهين.
ابتسم باستحياء وردّ قائلاً: اسمك "شاهين.ن.م" من فلسطين.
قهقهتُ بصوت مسموع وقلت: وماذا أيضاً؟
قال: رسامة تشكيلية وكاتبة.
قلت: وأبحث عن رجل يشبه المطر.
قال مازحاً: أنا أشبه الإعصار، هل ينفع؟
قلت: أخاف ألا تهدأ أبداً.
قال: صدقتِ، أنا لم أهدأ مع أية امرأة.
قلت: وأنا لا أحبُّ المجازفة بقلبي.
قال: كيف إذن ترسمين؟
قلت: أدغدغ الألوان بخيالي.
قال: والحب؟
قلت: مجرد نغمة جميلة أسمعها من بعيد.
قال: لم تسأليني من أنا؟
قلت: لا أثق في الأسماء.
قال: أنت تشبهين البحر.
قلت: لا، أنا أشبهك.
قال: ماذا تعنين؟
قلت: ألستَ تبحث عن امرأة تهرب منها بعد وقت؟
قال: أنا لا أبحث، أنا أستعطف.
قلت: إذن أنا حالتك.
قال مرتبكاً: حالتي؟ كيف؟
قلت: سأرسم لك جسد امرأة من خيالي، أجمع فيها رغباتك كلها، وما عليك إلا محاورتها من خلالي.
قال: ومع من سأنام؟
قلت: نم مع الجسد الصورة في خيالك.
قال: وأنتِ؟
قلت: سبق وقلتُ لكَ إنني لا أحبُّ المجازفة بقلبي.
قال: وما دخل الحب هنا؟
قلت: كيف تستطيع معاشرة امرأة لا تحبها؟
قال: عفواً، أنا لا أبحث عن الحب، أنا أبحث عن المتعة.
قلت: دعنا نجرِّب فقط.
قال على مضض: لنجرِّب.
بعد أسبوع أعطيتُه اللوحة، وطلبتُ منه تعليقها في غرفة نومه.
كنا نلتقي تباعاً، نتحدث في أمور كثيرة، نشارك بعضنا البعض الأفكار.
حاولتُ تعليمه الرسم، وبعد شهر استطاع رسم وجه يشبهني.
أخبرني أنه نام معي في خياله أكثر مما نام مع الجسد الصورة، لم أتعجب من ذلك فكل الرجال يفعلونها مع اللواتي يغرمون بهن حتى وإن كانوا بين أحضان زوجاتهم... انتظرتُ أن يعلن فراره، انتظرتُ أكثر من سنة، بدأ يجيد الرسم، وبدأت الألوان تمنحه القوة والصبر وربما الحب أيضاً، فمن الصعب الجزم مع رجل مثله يتقن فن الفراش عن متعة.
أصبحت علاقتنا ودودة ومفتوحة على الحياة.. وذات يوم كتبتُ له رسالة وداع، أخبرته فيها عن سفري إلى فلسطين من غير رجعة..
اتصل بي هاتفياً وودّعني بحب، سألني عن موعد الطائرة، وتمنى لي الاستقرار.
وأنا أصعد إلى الطائرة، كنت مملوءة بوجهه وبصوت ضحكته، لقد ملأ أيامي مطراً،
جلستُ بالقرب من النافذة، وتاه نظري بعيداً، وإذا بصوت أعرفه يقول لي: اسمي "مطر.ع.ح" فلسطيني، رسام مبتدئ، يعشقك حدّ العبادة، هل تسمحين لي بالجلوس؟
ضحكنا طويلاً، في حين راحت الطائرة ترتفع، وعلى مسافة بعيدة من الأرض ودعنا أمريكا إلى الأبد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟