الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحزان العمة درخشان

حمزة الحسن

2003 / 12 / 13
الادب والفن


هذه أعتق رواية ناقصة أكتبها ويعود تاريخها إلى عام 76 يوم كنت جنديا في قضاء جومان الواقع بين رايات وكلاله وفي كل مرة أتركها وأعود مرة أخرى .

والعمة درخشان فلاحة كردية بسيطة ومفعمة بالطيبة ولحكمة والجمال الانساني الصافي كانت تعيش مع ابنة وحيدة في منزل يقع أسفل الجبل الذي تقوم عليها رابية عسكرية وكان طريق المرور إلى البلدة يمر من منزل العمة درخشان.

وكانت مطلعة على كل شيء يخص حياتنا الشخصية كجنود، الوحل، والأمطار، والرصاص في الليل ومهاجمة الربايا، ومعاناة الجنود الأبرياء، والظلم المشترك الذي يعانونه من قبل ضباطهم ومن قبل مفارز التمرد  الجبلية.

كان عندها عدة بقرات مع حقل صغير وأكداس تبن وعلف وتعيش في منزل صغير مع تلك البنت الصامتة التي لم تتكلم معي أبدا رغم كل العلاقة الحميمة مع الأم.

كنت أمر بها في طريق الصعود والهبوط نحو الرابية وكانت تعطي ما لديها من حنان ودفء ومحبة وكرزات ولبن وحليب ،خلسة، وكنت لا أبخل عليها ببعض المعلبات التي تأخذها مجاملة وفي بعض الأوقات حين تكون مريضة أقوم بحلب بقراتها لأني من خبرة سابقة في حلب الجاموس أستطيع ذلك وقد يظن القارئ أن هذه مسألة سهلة. ليس الأمر كذلك لأنها تحتاج تقنية خاصة وقص الأظافر والتعود على رائحة الشخص بل التمويه أحيانا بلبس ثيابه ومسك الثدي بطريقة خاصة جدا والضغط عليه على نحو هادئ وبطئ وقوي دون جرح.

وفي أيام الاجازات كنت أمر عليها مودعا لكي أستلم منها هدايا للعائلة وخاصة لأمي التي كانت بدورها ترسل لها هدايا خاصة وبهذه الصورة تفاهمت المراتان، عن بعد، وصارت عندهما ذاكرة مشتركة وكنت سعيدا بهذه العشرة التي كانت نقيض العمليات العسكرية الكريهة ونقيض صراخ الفتك والحقد والموت. إنها قصة حب امومية بين جندي جنوبي وعجوز رائعة شمالية. بل أبعد من ذلك: حكاية الجنوب والشمال في حب نقي مشترك وظلم مشترك، سري، خارج الأطماع والثكنات والمصالح والعرق والدم.

إلى أن نزلت في أواخر كانون الأول 76 في أجازة مارا كالعادة بالعمة درخشان( ربما يكون معنى الاسم قطر الندى)  مستأذنا ومودعا وكالعادة حملت معي بلوزة حياكة نسائية وأشياء أخرى ( جوز ولوز) وسافرت لمدة أسبوع.

في نهاية الاجازة عدت ومررت بمنزل العمة وناديت، وكنت افعل  ذلك خلسة لأن الأوامر العسكرية كانت تحرم تكوين علاقات انسانية مع السكان، مما أعطى هذه العلاقة البريئة جمالا وسرية، ولكن هذه المرة لم تخرج العمة البهية الطلعة.

ناديت اقوى فخرجت الفتاة التي لم اسمعها تتكلم يوما وهذه المرة وقفت أمامي تنظر بعينين غارقتين بالضباب والأسى في حين كان الثلج يتساقط ودخان المدخنة يخرج من فوق الكوخ الجبلي.

كان واضحا ان الفتاة تعاني من أمر ما، أو أنها تحت تأثير صدمة نفسية متواصلة ولذلك قطعت صمتها الذي ذكرني بصمت البحر لترفع يدها بالاشارة نحو مكان مرتفع يطمره الثلج الهاطل تلك اللحظة وتبرز منه بقايا شاهدة رخامية.

صرخت بصوت مرتج:( ماتت العمة درخشان؟!).
أومأت الفتاة لأول مرة.

كان الثلج يهطل فوق الشاهدة التي تبدو كذراع ممدودة نحو السماء الرصاصية، وظل  الثلج يهطل على ذلك المشهد في كل مكان عشت فيه، في طهران، في مدن النرويج، على ضفاف الدانوب الأزرق الخ.

ولا أدري متى أفرغ من هذه الرواية التي تحولت إلى هاجس ملح بما فيها من صمت وحب نظيف وثلج وشاهدة ومدخنة وجنود يصعدون الرابية وهم يحملون تلك الصخرة الأسطورية كعقاب على جريمة وهمية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض


.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار




.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة


.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن




.. سلمى أبو ضيف قلدت نفسها في التمثيل مع منى الشاذلي .. شوفوا ع