الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عرض كتاب لمرأة والصراع النفسي للدكتورة نوال السعداوى

باسنت موسى

2008 / 2 / 22
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


مازلت أعرض كتب لمفكرين قد نأخذ منهم موقفا إيجابيا أو سلبيا دون أن نفهم ماذا يكتبون وذلك إيمانا منى كمحررة صحفية بأننا يجب أن نعرض الفكر قبل أن نشن حملات التأييد أو الرفض لنمط فكرى بعينه لذلك لا أدعوكم اليوم لتأييد أو رفض فكر د / نوال السعداوى المطروح في كتابها محور العرض وإنما أدعوكم لنقاش الطرح المعروض ولو حتى في نطاق الأصدقاء فذلك مفيد .
تقول د / نوال في مقدمة كتابها أنها خلال السنوات الطويلة التي مارست فيها مهنة الطب سواء في عياداتها الخاصة أو المستشفيات العامة أو من خلال المترددين أو المترددات على بيتها من أصحاب المشاكل النفسية والجنسية والاجتماعية أو من خلال القراء والقارئات الذين تابعوا مقالاتها في مجلة " الصحة " أو الكتب أو الدراسات التي نشرتها من خلال ذلك كله بل ومن خلال أيضا زميلاتها وصديقاتها من النساء والفتيات اللأئى يفتحن قلوبهن لها بحكم الصداقة والفهم المشترك .
أدركت أن الحاجة أصبحت شديدة وملحة لدراسة " العصاب " الذي تشكو منه الفتيات وخاصة النساء المتعلمات ، والعصاب كمرض نفسي كما تقول السعداوى ليس من الأمراض الشديدة الذي يعطل المرأة عن عملها أو روتين حياتها اليومية وبالتالي لا يدفع بالمرأة إلى الذهاب إلى لطبيب نفسي فالمرأة قد تعيش وتموت وهى مصابة به دون أن تدرى هي أو يدرى من حولها دون أن تسأل ذاتها عن أسباب تلك الكأبه التي تشعر بها من أن لأخر أو أسباب ذلك الصداع المستمر في نصف رأسها أو ذلك الخمول والرغبة في الكسل والنوم أو ذلك الأرق الذي تشعر به في بعض الليالي أو تلك الأحلام المزعجة التي تراها في نومها أو ذلك الإعراض عن الأكل أو الجنس أحيانا أو ذلك النهم الشديد للأكل إلى حد زيادة الوزن بشكل ملحوظ تلك بعض من عشرات الأعراض البسيطة أو الشديدة المؤقتة أو الدائمة لكنها أعراض غير قاتلة كما أنها غير متعارضة مع الاستمرار في الحياة اليومية صحيح أن النشاط لم يعد كما كان وصحيح أن الإقبال على الحياة لم يعد كما كان وصحيح أن هناك بعض الألأم الجسدية أو النفسية من حين لأخر لكن الحياة تسير ربما تسير ببطء أكثر ربما تسير بغير بهجة وغير لذة لكنها تسير ومادامت تسير فلاداعى للبحث عن أسباب لتلك الأعراض التي غالبا ما ترجعها المرأة ل " الدورة الشهرية " أو ما يسمى عرفا بالمرض الشهري أو بسبب الحمل والولادة أو التقدم في العمر وكما تتجاهل المرأة البحث عن أسباب لتلك الأعراض التي تصيبها فالمجتمع أيضا ممثلا في أسرة تلك السيدة يتجاهل البحث فمثلا الأسر الكادحة أو الطبقة المتوسطة أو تحت المتوسطة تطغى المشكلات الاقتصادية والاجتماعية على أي مشكلات أخرى قد تعانى منها تلك الطبقات فليس هناك وقت أو جهد للاهتمام بالإغراض الجسدية غير الملحة أو غير المتعارضة مع سير الحياة اللهم إلا إذا تحولت تلك الأعراض إلى مرض عقلي شديد أو الجنون الكامل . لكن المرأة في الطبقات " المستريحة " كما تقول السعداوى أكثر حظا بالعناية وإن كان حظها أقل من حظ الرجل في الأسرة نفسها اللهم إلا إذا كانت امرأة ثرية وهى التي تنفق من أموالها على زوجها وأولادها حينئذ تتغير القيم وتشعر المرأة بقيمتها ومن حولها كذلك يشعرون بقيمتها فتصبح أعراضها الجسدية والنفسية محل الاهتمام فهي بالنهاية صاحبة القرار في اعتبار " الصداع " مرض يستحق زيارة الطبيب أو مجرد شيء طبيعي يحدث لكل النساء .
لكن مثل هؤلاء النساء قليلات فالمرأة مازالت بحكم العرف والقوانين والأديان خاضعات للرجل وللأسف فأن غالبية أطباء النفس في مصر رجال وهم لا يختلفون بحكم التربية والتعليم والدين والعرف عن حال الرجال الأخرين من حيث نظرتهم للمرأة وبحكم التعليم الطبي التقليدي المتوارث عن " سيجموند فرويد " والذي يرى أن المرأة ذكر ينقصه عضو الذكر أو أنثى خصيت جسدا وعقلا بحيث لا يزيد طموحها الجسدي أو العقلي عن الأكل والإنجاب ، والطبيبات النفسيات ليسوا أفضل حالا فكم من امرأة أكثر تخلفا في نظرتها لنفسها وبنات جنسها من الرجال وفى إطار محاربة كل تلك الخرافات والخزعبلات عن المرأة نحتاج لرواد من النساء والرجال فالأفكار الجديدة في كل مكان وزمان تصارعها الأفكار القديمة والتاريخ البشرى أثبت في كل الأزمنة والعهود أن الانتصار دائما في صف الجديد والتقدم ومن أجل هذا تسير حياة البشر إلى الأمام وليس إلى الوراء .

التقت بعد ذلك د / نوال السعداوى بالأستاذ الدكتور أحمد عكاشة والدكتور الراحل عادل صادق ووجهها للذهاب إلى العيادة النفسية التابعة للمراقبة العامة للشئون الطبية لجامعة عين شمس وهناك ومن خلال الإطلاع على دفاتر هذه العيادة تبين لها أن عدد المريضات بالعصاب من الطالبات أعلى بكثير من الطلبة وهذا ما أستدعى السؤال لماذا ؟ هذا بالنسبة للمتعلمات وللحصول على معلومات عن غير المتعلمات المصابات بالعصاب توجهت السعداوى " لعيادة مصر الجديدة الشاملة التابعة للهيئة العامة للتأمين الصحي فرع القاهرة " ومن دفاتر تلك العيادة النفسية حصلت على بيانات تقول أن عدد المصابات بالعصاب من غير المتعلمات أعلى منها بين الرجال غير المتعلمين الذين يعيشون ذات الظروف الاقتصادية والاجتماعية .
المثل الصيني يقول " بداية الحكمة هي تسمية الأشياء بأسمائها الصحيحة " لكن في مجال الدراسات الطبية النفسية من الصعب إتباع هذه الحكمة والعصاب كمصطلح للطب النفسي هناك عده تعاريف له وهذا التخبط في التعريفات يعكس المشكلة الأساسية في الطب النفسي وهى التخبط في معرفة أسباب المرض النفسي وهذا الجهل بالأسباب الحقيقية يقود حتما إلى جهل بالتعريفات لذلك هناك كثير من أطباء النفس الجدد يكرسون جهودهم لمعرفة أسباب المرض الحقيقية وهذا قادهم إلى رفض التسميات الخاطئة والشائعة في الطب النفسي " مجنون ، عصابى ، طبيعي " فليس هناك من يمكن أن يسمى بالطبيعي ومن يطلق عليه" عصابى" قد يكون الصحيح نفسيا ومن يطلق عليه " الطبيعي " قد يكون هو المريض نفسيا .
وينطبق هذا الكلام على كل من الرجال والنساء ومن هنا صعوبة تحديد معنى امرأة عصابية أو مريضة بالعصاب وبالمثل أيضا صعوبة تعريف امرأة طبيعية أو سليمة نفسيا . أن دراسة الطب النفسي بدءا من بنيامين روش إلى فرويد يميل إلى تفسير جميع أنواع السلوك غير العادي على أنها نوع من المرض النفسي وقد اعتبرت المرأة الذكية الطموحة في الحياة امرأة عصابية لأنها ترفض وضعها الأدنى بالنسبة للرجل وترفض دورها المفروض عليها في البيت كخادمة للرجل والأطفال . أما تلك المرأة الطبيعية فهي تلك المرأة التي تقبل وضعها الأدنى برضي وسرور .
لذلك كله لجاءت د / نوال إلى التعريف العالمي المعدل للعصاب لتتخذه منطلق بحثها وهذا التعريف هو " يصبح الإنسان مريضا بالعصاب إذ صادف صعابا في التكيف مع هدوئه الداخلي أساسا أو مع علاقاته بالأخرين أو الاثنين معا . أن الشخصية الإنسانية في محاولتها للتكيف مع الضغوط داخل النفس وخارجها تستخدم أعراضا نفسية أو جسمية "

وبناء على ذلك فالمرأة الطبيعية هي " المرأة التي لم تشعر في يوم من الأيام بأي أعراض نفسية تدعوها إلى استشارة طبيب ولم تضطر في يوم من الأيام إلى تناول أقراص مهدئه أو منومة من تلقاء نفسها أو بواسطة طبيب "

كما فرقت بين المراة المتعلمة وغير المتعلمة حيث تقول " المرأة المتعلمة هي التي تعمل في عمل فكرى أو فني خلاق ومتعلمة جامعيا أما غير المتعلمة فهي التي حرمت من التعليم الجامعي وتعلمت تعليم منخفض أو متوسط وتكون ربه بيت أو تعمل عمل يدويا روتينيا أو عملا من أعمال الخدمة "
لم تتبع في البحث الأسلوب التقليدي لجمع المعلومات من النساء والفتيات اللأئى اخترتهن للدراسة بل كانت تستقبلهن في بيتها كأصدقائها أو نزور الواحدة منهن كما تفعل مع صديقاتها المقربات والجلسات معهن لم تكن باردة بل كانت جلسة أصدقاء محبين وهذا كان يساعد كل سيدة أن تفتح قلبها وتحكى فتسقط كل الأقنعة التي ترتديها .

نتائج الدراسة :-

القلق أكثر أنواع العصاب انتشارا بين المتعلمات بنسبة" 54 بالمئة " يليه الإكتئاب " 26 بالمئة " أما الخوف والهستريا فلا يمثلان إلا نسبة ضئيلة " 10بالمئة " وهذا على عكس مجموعة غير المتعلمات إذ يلاحظ أن الخوف والهستريا يمثلان أعلى النسب " 28 بالمئة " يليها الإكتئاب " 22 بالمئة " أما القلق فلا يمثل إلا " 18 بالمئة " من الحالات .
ولكن بالنسبة للنساء للمجموعتين معا فأن القلق عامة يمثل أكثر الحالات بين النساء " 29 بالمئة " يليه الأكتئاب " 22 بالمئة " ثم الخوف " 18 بالمئة " وفى النهاية الهستريا " 13 بالمئة " .

نقاش للنتائج :-

أن ارتفاع نسبة إصابة الفتيات والسيدات بالعصاب يدل على أن مجتمعنا المصري يتعرض لصرا عات وتناقضات عديدة تشعر بها على الأخص النساء المتعلمات اللاتي خرجن للتعليم والعمل وأصبح لهن وعى ودور جديد بالإضافة لدورهن التقليدي القديم داخل المنزل وعلى الرغم من أن المجتمع المصري كأي مجتمع أخر تغزوه أفكار جديدة عن تعليم المرأة وعملها إلا أنه لا يزال خاضعا للكثير من الأفكار التقليدية القديمة مثل وضع المرأة الأدنى في الأسرة ولو قلنا أن المجتمع المصري سيتغير فهو الآن في فترة إنتقاليه والمجتمعات في الفترات الانتقالية يتعرض أفرادها لصرا عات نفسية وخاصة النساء .

تزداد حدة الصراعات في حياة المرأة المتعلمة الواعية بحقوقها لان المجتمع لم يهيأ بعد اجتماعيا وتربويا ونفسيا لدور المرأة المتعلمة العاملة فمازال دور المرأة كزوجة وأم هو الدور الأساسي لها ، المرأة المصرية العاملة خارج البيت عليها أن تؤدى واجباتها داخل البيت دون تقصير أو إهمال إلا تعرضت للوم والعقاب فالرجل المصري لا يشاركها مسؤولية الأعمال داخل البيت فتلك الأعمال لا تليق بكرامته كرجل . والتعليم هنا يلعب دورا كبيرا في جعل الأنثى رافضة لوضعها الأدنى في الأسرة .


المرأة العاملة في الحقل " الفلاحة المصرية " فهي تخرج منذ الأف السنين وهى تجمع بين عملها داخل البيت وخارجه وهى تعمل خارج البيت بغير أجر تحت سيطرة زوجها ولحسابه .

من نتائج البحث أن 63 بالمئة من النساء المتعلمات الطبيعيات تمنين في فترة من حياتهن أن يكون ذكورا وهذه النسبة تكاد تكون ضعف مثيلاتها بين النساء غير المتعلمات وهذا دليل أن التعليم يشعر الفتاة بالتفرقة الواقعة ضدها لصالح الذكر وبالتالي رغبتها في أن تكون ذكر ولهذا لا يمكننا أن نتهم الفتاة التي تتمنى أن تكون ذكرا بالشذوذ أو المرض النفسي أو العقلي بل علينا دراسة الظروف الاجتماعية لندك الفروق والأمتيازات . وقد أعتبر فرويد وأتباعه أن الفتاة التي تتمنى أن تكون ذكرا فتاة غير طبيعية وأرجع رغبتها تلك إلى أنها تنشد عضو الذكر الذي ينقصها .

المجتمع لا يزال ينظر إلى أن الوظيفة الأساسية للمرأة في الحياة هي الزواج ولهذا تواجه المرأة الطموحة فكريا العراقيل والصعاب التي تقودها أحيانا إلى العصاب وتواجه المرأة العصابية المشاكل الجنسية والمشاكل الأسرية أكثر من المرأة الطبيعية بسبب رغبة المرأة العصابية في الانطلاق والتساوي مع الرجل في الحرية الاجتماعية والشخصية ، وهو مطلب طبيعي للمرأة التي تشعر بإنسانيتها وتكامل شخصيتها كجسم وعقل . أما المرأة الطبيعية فأن قبولها للأمر الواقع وتكيفها معه يجعلها أكثر استسلاما للقيود الجنسية والاجتماعية والأسرية وبالتالي أقل مواجهة للمشاكل الصعاب من المرأة غير المكبوتة أو العصابية .

وقد أتضح من البحث أن 58 بالمئة من العصابيات المتعلمات لديهن مشاكل بسبب الدورين داخل البيت وخارجه وهذه النسبة مرتفعة عن حالة الطبيعيات المتعلمات حيث لا تشعر بمثل هذه المشكلة إلا 16 بالمئة منهن فقط وهذا يشير إلى أن العوامل التي تسبب العصاب للنساء والفتيات مشكلة الجمع بين الدورين داخل البيت وخارجه وأن مثل هذه المشكلة لا يواجهها الرجل الذي لا يطلب منه أي عمل أو مسؤوليات داخل البيت وبازدياد خروج المرأة للتعليم والعمل فإن اثر هذه المشكلة يزداد خاصة وأن عقلية المجتمع تقتضى من الرجل إلا يكنس ويمسح ويغسل الصحون فهذه أعمال لا تليق بكرامة الذكر .

ارتفاع نسبة المشاكل الزوجية في هذا البحث يوضح أن الزواج يمثل مشكلة كبيرة في حياة المرأة وأنها بانتقالها من حالة كونها غير متزوجة إلى كونها زوجة تصبح معرضة لعدد من المشاكل الاجتماعية والنفسية والجنسية التي تسبب لها العصاب في أحيان كثيرة .

وجد أيضا أن العصابيات المتعلمات أكثر استخداما لوسائل منع الحمل وتفسير ذلك أن الثقافة تجعل المرأة أكثر وعيا ورغبة في التحكم في جسدها وحملها وأنها لا تحتاج للأطفال من أجل تحقق ذاتها من خلالهم كما تحتاج إليهم المرأة غير المثقفة وحيث أن زيادة وعى المرأة بحقوقها كإنسانة يعرضها للصراع من أجل تحقيق ذاتها داخل البيت وخارجه لذلك فالمرأة العصابية أكثر إدراكا بأن كثرة الأطفال تمثل قيدا على حرية المرأة ووقتها وبالتالي هي تحاول التحرر من هذا القيد بوسائل منع الحمل .

النساء العصابيات أقل التصاقا بأطفالهن من النساء الطبيعيات وقد يقسر البعض ذلك بأنه نقصان في مشاعر الأمومة لكن د / نوال ترى عكس ذلك فهي ترى أن التصاق المرأة الطبيعية بأطفالها وتعلقها الشديد بهم ليس إلا أمومة متضخمة تعوض بها عن أنواع الحرمان الأخرى المفروضة عليها من الأسرة والمجتمع .

القلق يحتاج لدرجة معينة من الوعي حتى يحدث والقلق ليس إلا رغبة في الحصول على المزيد ورغبة في حياة أفضل وطموح أكبر وتحقيق نوع من التكامل والرضا عن النفس أما الخوف فهو شعور بالضعف والرغبة في الانسحاب وعدم القدرة على مواجهة التحديات لذلك فالقلق هو مرض النساء القويات الصامدات اللاتي يواجهن التحديات والهستيريا والخوف مرض العاجزات عن المواجهة لذلك علاج القلق لا يكون بالمهدئات وإنما بتسليح المرأة بقوة وإمكانيات أكثر للانتصار على التحديات وتحقيق ذاتها كأنسانة متكاملة العقل والجسد في مجتمع يساوى بين جميع أفراده .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح