الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حاييم بريشث*: دولتان: ضئيل جداً , متأخر جداً

أماني أبو رحمة

2008 / 2 / 23
القضية الفلسطينية


ناشط السلام الشهير واللغوي المعروف ناعوم تشومسكي ، واحد من أعظم الشخصيات الأدبية من أمريكا الشمالية ، كتب مؤخرا ، حول الجدار الإسرائيلي وأجندته السيئة ( "الجدار كسلاح ،" نيويورك تايمز ، 23 شباط / فبراير 2004).
في تفنيده المكتوب بدقة لحجج إسرائيل الزائفة والمخادعة ، يدعو تشومسكي إلى إحياء الحل شبه المنسي "دولتين لشعبين " ، وأما الجدار ، وإذا كان ثمة شعور بضرورته ، فيجب أن يكون مبنيا على الأراضي الإسرائيلية. ولئن كان من الصعب أن تختلف مع تشومسكي بان تشييد أكبر جدار غيتو في الكون لا ينبغي أبدا إن تم , أن يكون على الأراضي الفلسطينية ، إلا أن حجته كلها مثيرة للجدل.
حل الدولتين ، في شكل الانسحاب الإسرائيلي إلى الخط الأخضر لما قبل حرب عام - 1967 ، من شأنه ، إذا نفذ ، أن يترك الفلسطينيين مع 22 في المائة من أرضهم . مسألة أن يقبل السكان الفلسطينيين ، وهم تقريبا بحجم السكان اليهود الإسرائيليين ، وبعد قرن من المعاناة خسارة أربعة أخماس أرضهم إلى المستوطنين الأجانب ، "العائدين " بعد إلفي سنة ، لا تبدو من السهولة بمكان.
لقد أصبح الأمر أكثر صعوبة بسبب الوقائع على الأرض. إسرائيل ستمتلك تواصلا جغرافياً ، في حين أن فلسطين ستكون مقسمة إلى جزأين ، مع ربط بطرق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية. جميع الأصول القيمة للبلد الصغير -- موارد المياه ، الساحل ، والأراضي الصالحة للزراعة -- ستكون في أيدي الإسرائيليين. إسرائيل تمتلك رابع أقوى جيش في العالم ، وهي الأولى عالمياً في الاقتصاد التكنولوجي وتحظى بدعم لا يتزعزع , في كل ما تقرر القيام به ,من اقوي إمبراطوريه على الأرض ، هذا و بعد قرابة أربعة عقود من الاحتلال الوحشي وغير الشرعي الذي قامت خلاله بكل ما في وسعها لتحطيم معنويات وتدمير الحياة اليومية لمعظم الفلسطينيين.
قد يكون مجرد اختلال توازن القوى هو ما حدا بالقيادة الفلسطينية لقبول أكثر صيغة غير متكافئة للسلام في أوسلو ، والتحرك نحو إيجاد حل للصراع عن طريق التفاوض . لبعض الوقت ، يبدو هذا ممكنا -- السيد رابين أشار إلى أن المستوطنات في الأراضي المحتلة سوف يتعين إزالتها كجزء من التسوية السلمية الشاملة التي شملت سوريا ولبنان.
المستوطنون لم يكونوا على استعداد للقبول بذلك . السيد شارون ، الأب المؤسس لمشروع الاستيطان -- المشروع العملاق متعدد مصادر التمويل ، و الأوليات والجهود ومن اجل جعل إي حل سياسي في حكم المستحيل -- كان يقف وراءهم في حين أن السيد رابين اغتيل لأنه حاول القول بوضوح ؛ انه يجب على إسرائيل إخلاء جميع الأراضي التي أخذت بالقوة من اجل السماح للفلسطينيين بالحصول على خمس أرضهم . هذا هو ثمن السلام. معظمنا يزعم أن الفلسطينيين الذين طلب منهم دفع فاتورة عملية السلام : تخلوا عن معظم أرضهم من أجل أن يسمح لهم بحكم أنفسهم بأنفسهم في ركن صغير منها.
وحتى هذا لم يتحقق. السيد رابين لم يتوصل أبدا إلى نقطة أن يُخلي أيا من المستوطنين من مواقعهم الأمامية المحمية عسكريا ، و غير القانونية. وقد أطلق عليه الرصاص في خضم واحدة من راليات السلام الإسرائيلية . وبعد جريمة القتل الخسيسة ، للرجل ،وللفكرة وللآمال الواسعة ، فان جميع القادة الإسرائيليين الذين جاؤوا بعده كانوا كارهين للمضي قدما من النقطة التي وصل إليها .
لا احد يقبل منطق اتفاق أوسلو : إن على إسرائيل إخلاء جميع المستوطنات -- كل واحدة منها -- بما في ذلك مناطق من القدس التي كانت قد ضمتها من جانب واحد و بصورة غير شرعيه. هذا هو بيت القصيد بالنسبة لمعظم الفلسطينيين. معظم الناس في مكان آخر يمكنهم أن يروا بسهولة المنطق والعدل وراء مثل هذا الحل. رجال مثل ، بيريز ، نتنياهو ، باراك وشارون الآن رفضوا أن يتصالحوا مع الواقع. كل سنوات الانتظار التي أمل فيها الفلسطينيون إن يتم الوفاء بالوعود -- هذه الوعود الجبانة ، و المهينة وذات السقف المتدني-- قد انقضت .
ولكن المجتمع الإسرائيلي لم يكن مستعدا ، ولا يزال غير مستعد ، لمواجهة الحقائق البسيطة التي أنشأها احتلاله العسكري ، ويرفض القيام حتى بتلك التعديلات الطفيفة التي من شأنها أن تخلق الظروف الضرورية من اجل السلام. ويمكن القول أن أوسلو لم تعمل أبدا ، معطية الفلسطينيين هذا القدر الضئيل مقابل تخليهم عن الكفاح من اجل تحرير فلسطين. ذلك قد يكون صحيحا تماماً ، ولكن لبعض الوقت فان إسرائيل قد عرضت إمكانية حقيقية للتعايش السلمي. وان فشلت في الارتقاء إلى مستوى هذه الفرصة التاريخية. رفضت باستمرار القيام بالتعديلات . وبدلا من ذلك اختارت التعلق بالغنائم العسكرية ؛ واستمرار ، الاحتلال اللاانساني ونظامه من الرعب والتخويف.
وإذا كانت إسرائيل مستعدة لقبول أوسلو ، وما تنطوي عليه ، فانه لا حاجة إلى بناء هذا الجدار الهائل قط. العديد من الأرواح على كلا الجانبين كان يمكن إنقاذها ، وكذلك حياة أشخاص آخرين في أماكن أخرى ، على الأرجح.
هذا شيء ليس من السهل قوله ، على إسرائيلي وابن لناجين من المحرقة مثلي . وأود أن أكون قادرا على الجدل بشأن كيان إسرائيلي – عبري -- وليس المؤسسة العسكرية الصهيونية ، وبطبيعة الحال ، كيان ديمقراطي ، مستقل سياسيا وثقافيا متوائم مع كيان فلسطيني مماثل. ولكن بعد أربعة عقود من الحكم العسكري ، و تدنيس جميع الحقوق السياسية ، والإنسانية والمدنية والممتلكات وغير ذلك من الحقوق من قبل نظام الاحتلال ، فان معظم الناس سيوافقون على انه لا يمكن تقديم الدعم لهذا النوع الذي عفا عليها الزمن ، من الهيمنة العنيفة وغير الأخلاقية وغير الفاعلة لشعب على آخر. إذا نجح ذلك على الأقل مع المضطهِدين فقد يبرر البعض الوسائل مقارنة بالنتائج .
للأسف ، لم يحصل ذلك ، لم ينجح ولم يعمل لصالح أي من الجانبين. الغرب رأى بسرعة هذا في حالة جنوب إفريقيا ، وقبرص وايرلندا الشمالية وكوسوفو والكويت وعدد من مناطق الصراع الأخرى. الاحتلال العسكري لا يمكن التغاضي عنه. من خلال هيمنه السلطة لن نجبر المهزومين على قبول المحتلين. الحلول السياسية التي يفرضها الأقوياء على الضعفاء هي خطأ -- ليس فقط من الناحية الأخلاقية ولكن لأنها تقوض سيادة القانون في أماكن أخرى.

هذه الحقيقة البسيطة في حد ذاتها ، لم تكن مهملة من قبل إسرائيل بل ومن القوى الجبارة في ظل النظام العالمي الجديد. هذا الإنكار عاد ليجثم على الوطن أخيرا . ضياع الأمل في التوصل إلى حل عن طريق التفاوض المعقول ترك الميدان مفتوحا للمتطرفين ولأولئك الذين يشعرون ، بعد أن فقدوا جميع السبل الأخرى وخرجوا عن سيطرة أي سلطة حقيقية لتغيير الواقع ، أن الانتحار هو الوسيلة الوحيدة التي تؤثر في التاريخ. وهذا في حد ذاته اتهام في غاية الخطورة للنظام السياسي الدولي. حشر أمة في هذه الزاوية لا يمكن وصفه بأقل من جريمة . هذا هو بالضبط ما حدث مع تجاهل المطالبة الفلسطينية بالعدالة الطبيعية لأكثر من نصف قرن.
وهكذا ، بعد كل الذي حدث منذ تشرين الأول / أكتوبر 2000 عند ما جعل السيد شارون ، مهندس ومؤلف أبشع الأمثلة على العدوان الإسرائيلي -- من مجزرة قبيا ، إلى مجزرة صبرا وشاتيلا إلى رعب انتفاضة الأقصى -- من المستحيل ، بالعمل الدقيق والمفصل على مدى عقود كثيرة ، تنفيذ الحل القائم على أساس دولتين. الجدار ، الهيكلية التي من شأنها أن تخلق 16 غيتو من نوع لم يشهده العالم من قبل ، حتى خلال فظائع الحرب العالمية الثانية ، جعل الحياة بالنسبة للفلسطينيين مستحيلة ، كانت آخر قشة . أنها ستحقق بالضبط ما صممت له : لا, لاحتمال العودة إلى حدود عام 1967.
فما الذي ينبغي أن يفعله الفلسطينيون؟ ما الذي ينبغي للمجتمع الدولي أن يفعله؟ هل يجب أن نتعامل مع الخطر ، وعدم المشروعية والأعمال الوحشية لنظام شارون وكأنها كوارث طبيعيه؟ وهل ينبغي على المجتمع الدولي ، والأمم المتحدة ، والاتحاد الأوروبي (وحتى الولايات المتحدة) أن تقبل ما يقوم به شارون في حين أنها لم تقبل قط تلك الفظائع التي ارتكبها ميلوسيفيتش ، صدام حسين أو عيدي أمين؟ وإذا كان من الممكن والضروري ، للمجتمع الدولي التدخل في قبرص ، لماذا ليس في فلسطين؟
الخطأ الذي ارتكبه تشومسكي هو افتراضه انه أنه لا يزال هناك حل يقوم على دولتين. لا شيء ممكن هناك . شارون قد حرص على أن يحدث ذلك . كثير من الفلسطينيين يعودون الآن إلى المرحلة المبكرة ، والأكثر مبدئية من تطورهم السياسي و مجادلاتهم -- حل منظمة التحرير الفلسطينية لدولة واحدة علمانيه ، ديمقراطيه على كل فلسطين ؛ دولة واحدة تسمح بالمساواة في الحقوق بين اليهود والعرب على حد سواء. ومن المفارقة انه من خلال عدم قدرتهم على الحفاظ على دولة إسرائيلية مستقلة في حدود ما قبل - 1967 ، فان قاده إسرائيل قد قادوا إلى التغيير في التفكير الفلسطيني : "إذا لم يسمح لنا بالعيش كشعب حر على 22 في المائة من أرضنا ، أو حتى 10 في المائة منه ، وربما ينبغي لنا نعود إلى القتال من أجل تحرير الأرض كلها ، ليتمكن كلا الشعبين من العيش في سلام ، وعلى قدم المساواة. ".
ما يقترحه تشومسكي ضئيل جدا ، متأخر جداً . ليس لان إسرائيل رفضت هذا الحل ، ولكن لان إسرائيل قبلته . إن الفلسطينيين ليسوا أتراك ، ولن يصوتوا لعيد الميلاد ، وفكره أن يجبروا على ال 16 غيتو تثير السخرية. و كذلك أيضا فكرة أن تعود إسرائيل إلى حدود عام 1967 عن طيب خاطر. المجتمع الدولي يتحمل المسؤولية الكاملة عن عدم العمل حينما تسنى له ذلك .
وفي حين انه ليس من الواضح متى قد يتجسد حل يمكن اليهود والعرب من العيش جنبا إلى جنب ، ويبدو انه هو الوحيد الذي تبقى ، لان إسرائيل قد تأكدت من أي حل آخر لن يمنح حتى نصف فرصة. السؤال يبدو انه : هل يجب علينا أن نخوض مواجهة دمويه ، ومذابح وتطهير عرقي قبل أن يرى هذا الحل النور ؟

هذا سؤال لا يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاهله .

*الكاتب : أكاديمي إسرائيلي في جامعة شرق لندن. وهو محرر مشارك في: حرب الخليج والنظام العالمي الجديد ، وشارك في تأليف: مقدمة للهولوكوست .
**نشرت المقالة بالانجليزية في الأهرام الأسبوعي في 15 مارس 2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السياسة الفرنسية تدخل على خط الاحتجاجات الطلابية


.. روسيا تزيد تسليح قواتها ردا على الدعم الغربي لكييف | #غرفة_ا




.. طهران.. مفاوضات سرية لشراء 300 طن من اليورانيوم | #غرفة_الأخ


.. الرياض تسعى للفصل بين التطبيع والاتفاق مع واشنطن | #غرفة_الأ




.. قراءة عسكرية.. صور خاصة للجزيرة تظهر رصد حزب الله مواقع الجي