الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالم «اوجين يونسكو».. نوع من الاحتجاج عما يجري في العالم

رحيم العراقي

2008 / 2 / 24
الادب والفن



مؤلفة كتاب عبقرية اوجين يونسكو هي «بريجيت ارنو» صاحبة العديد من الكتب الاخرى من بينها «حدثوني عن الامهات والشباب والخطايا السبع الكبرى وفرنسا» و«تاريخ اشياء الحياة اليومية».
هذا الكتاب الجديد هو عن «عبقرية اوجين يونسكو»، الكاتب المسرحي الذي تحتل اعماله المرتبة الاولى في العالم من حيث تقديمها على المسارح.. وله مسرحيتان يتم عرضهما دون انقطاع منذ عام ۱۹۵۷ على خشبة مسرح «لاهوشيت» في الحي اللاتيني بباريس.. هاتان المسرحيتان هما «المغنية الصلعاء» و«الدرس».. وهذا يعني انهما قد ضربتا الرقم القياسي لعدد سنوات العرض في العالم وذلك بعد ان كانت مسرحية « الساحرة» لأغاثا كريستي هي صاحبة الصدارة عبر عرض دون انقطاع مدة ۲۲ سنة. ومن مسرحيات يونسكو الاخرى «الكراسي» و«المستأجر الجديد» و«الخراتيت» و«العطش والجوع» و«ضاحيا الواجب» .. الخ، و«يونسكو» هو ايضا «ممثل» و«رسام».
«اوجين يونسكو» من مواليد ۲۶ نوفمبر ۱۹۰۹ في رومانيا. هاجر الى فرنسا وحصل على الجنسية التونسية عام ،۱۹۴۵ كانت امه فرنسية، ولم يغادر منذ ذلك التاريخ العاصمة الفرنسية باريس التي توفى فيها بتاريخ ۲۸ مارس ۱۹۹۴ عندما كان عمره ۸۴ سنة.
و«يونسكو» هو مبدع نوع جديد من الكتابة المسرحية اطلق عليه النقاد تسمية «العبث» او« اللا معقول».. وحيث ان مبدأ التناقض في المسرح يمكن تلخيصه بالجملة التالية: «لا شيء مأساوي وكل شيء كوميدي، وكل شيء واقعي ولا واقعي، مستحيل وقابل للتحقيق.. الخ» ان «العبث» الذي يدعو له «يونسكو» يتعارض مع القواعد السائدة وقد جاء على لسان احدى شخصياته المسرحية قوله: «ان التفكير ضد العصر يعني البطولة اما قول ذلك فهو الجنون بذاته»، لكن «العبث» عند «يونسكو» هو ايضا نوع من الاحتجاج والرضا عما يجري في العالم من مظالم.. ولعل مسرحية «الخراتيت» هي الاكثر تعبيرا عن التزامه لرفضه ل«العالم المجنون» الذي اصبح فيه «البشر مجانين كلهم».
من أهم السمات التي يتم التأكيد عليها في شخصية «اوجين يونسكو» حبه للحياة وبحثه عنها.. كان قد كتب في احدى مذكراته عن نفسه: «لقد احسست بانني اصبحت عجوزا لكنني كنت اريد العيش. لقد ركضت وراء الحياة وكأنني اريد ان اقبض على الزمن، وركضت وراء الحياة كثيرا الى درجة انها هربت مني باستمرار. لقد ركضت.. ركضت: لم أكن متأخرا او متقدما ومع ذلك لم اقبض على الحياة ابدا وكما لو انني قد ركضت بجوارها. ان نوعا من الاحساس بالفراغ وبالحنين بدا وكأنه يجتاح حياة هذا الكاتب المسرحي الكبير..
ولعله «الحنين» الدفين الى بلده الاصلي رومانيا وحيث قال عندما انطلقت مظاهرات الاحتجاج التي اطاحت بنظام نيقولاي شاوشيسكو بأنه قد «عاد رومانيا من جديد» بعد قطيعة استمرت حوالي نصف قرن من الزمن، يقول: «انا فرنسي بثقافتي لكنني احسست وكأنني قد عدت رومانيا من جديد».. لم يكن موقفه هذا ايديولوجيا وانما نابعا من قناعته وايمانه بحريته. يقول: «احس بأنني أمام العالم كما لو انني امام كتلة كتيمة ويعتريني الشعور ايضا بأنني لا افهم شيئا وليس هناك ما يمكن فهمه.. اننا بنفس الوقت سجناء لثقافتنا وللهيئات القائمة لكن علينا اذا اردنا الوصول الى حقائق ابعد واعمق اذا كان هناك مثل هذه الحقائق التي نبحث عنها».
وعلى قاعدة ضرورات الحياة يطالب «يونسكو» بضرورة المزاوجة بين «التاريخ واللا تاريخ، الراهن والابدي».. يقول ايضا: «انني لا اخشى بأن اؤكد ان الفن الطليعي الحقيقي او الفن الثوري انما هو الذي يبرهن على انه لازمني مع معارضته بنفس الوقت للزمن الذي يعيش فيه».. كذلك اولى هذا الكاتب المسرحي الكبير اهتماما خاصا لما اسماه «تحولات البشر» خلال سنوات الثلاثينيات والاربعينيات من القرن الماضي وحيث يلاحظ كيف «شاهد» بعض الاخوة والاصدقاء يتحولون تدريجيا الى «غرباء» عن بعضهم البعض وبالتالي كانوا يكتسبون «شخصية جديدة» ما يطالب به هو بالاحرى الصمود والمقاومة، يقول «بيرانجيه» الشخصية الرئيسية في مسرحية «الخراتيت» وذلك اثناء حديثه مع نفسه - المنولوج - ما مفاده: «انني سادافع عن نفسي ضد جميع البشر! أنا الانسان الاخير، وسأبقى كذلك حتى النهاية! انني سوف لن استسلم».. وهذا ما علق عليه يونسكو نفسه بالقول ان الشخصية التي ابدعها انما تعبر عن «الوعي الاخلاقي الكوني» ويقول في احدى مقابلاته الاخيرة مع صحيفة «لوفيغارو» عام :۱۹۹۳ «آمل بالانتصار النهائي لقوى الخير».
انتخب «اوجين يونسكو» عضوا في الاكاديمية الفرنسية عام ۱۹۷۱ وذلك في العقد الذي كان يشغله الكاتب «جون بولهات» مؤسس «المجلة الفرنسية الجديدة» التي اصبحت احد اهم الدوريات الادبية والفكرية الحديثة في المشهد الثقافي الحديث. وقد ركز «جان دولاي» عضو الاكاديمية الذي قدمه بأنه عرف كيف يحافظ دائما على «حريته» و«استقلاليته» في فترة يجد الفرد فيها نفسه أمام خيار «الانصياع» او «التلاشي». ومن هنا يأتي «تفرد» مؤلف «المغنية الصلعاء» الذي اكد باستمرار بأنه «لا يوجد اي مجتمع استطاع ان ينهي الكآبة الانسانية ولم يستطع اي نظام سياسي ان يحرر البشر من الم الحياة».
لا شك بأن العالم الذي ابدعه «اوجين يونسكو» هو عالم سحري وقريب من «الحلم» او من «الكابوس».. وكان قد رأى الحلم تماما بأنه بمثابة عودة الى «طفولة الانسانية» وكانت حياته هو نفسه مشربة ب«النزعة البوهيمية».. ولم تكن هذه النزعة بعيدة اصلا عن حبه الجموح ل«الطبيعة» وما تملكه من قدرة على «اثارة الدهشة المستمرة» خاصة «اشعة الشمس خلال شهر مايو».. كان يونسكو قد كتب: «من اجل الحديث عن هذه الأشعة وعن هذه الدهشة.».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب