الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
عنف الثقافة/ عنف المتحف
علي حسن الفواز
2008 / 2 / 24مواضيع وابحاث سياسية
هل ان الشخصية العراقية هو الوحيدة التي تمزج السحر بالعنف، وانها تجد للعنف هامشا من السحر والتقديس؟ وهل ان الديانات الشرقية القديمة وثقافاتها كانت تؤله العنف باعتباره شكلا مقدسا للقوة وسيطرة الالوهة الذكورية على الخلق والموجودات؟ وهل ان هذه المورثات هي المسؤولة عن صناعة المجال التوليدي لاستمرارية انتاج الحاكميات والحكومات، تلك التي وجدت في فرض عنف السلطة ضرورة للدفاع الغريزي عن نوعها وعن ذكورتها القهرية؟
هذه الاسئلة تحرضنا دائما على الوقوف عند ظاهرة العنف، لا باعتباره ظاهرة انسانية غريزية دفاعية، بل باعتبارها نوعا من الثقافة الاقصائية التي تقوم على محو الاخر، او فرض اشكال من الرهاب الثقافي اللغوي والرمزي والمادي عليه، بما يمنح هذا الاخر صفة العدو الذي ينبغي قتله او طرده او تغييبه لانه يهدد النوع الثقافي والنوع السلطوي/الايديولوجي.
لقد شهد التاريخ القديم والجديد نماذج من هذا العنف الاقصائي، بدءا من نشوء المرحلة الزراعية التي حددت اول ملامح السيطرة الذكورية المرتبطة بعوامل القوة والهيمنة والامتلاك، ونشوء الدول الغازية التي سحقت الكثير من الشعوب والثقافات، وانتهاء بانماط الديكتاتوريات المعاصرة التي عمدت الى(أنسنة) العنف وتحويله الى ثقافة ايهامية كرسته كشكل ووظيفة وموقف واحيانا كايديولوجيا، تجسد في ظاهرة السجن والاغتيال والقهر النفسي والحرمان الرمزي من الحرية والخصوصية والخصوبة والنفي القهري، بالمقابل فانها انتجت شكلا من اشكال المواجهة التي تجسدت على شكل مواجهات عسكرية وحروب عصابات ونوع من السلوك الرمزي الذي اتبعه الصعاليك والشطار والعيارين، فضلا عن انتاج انماط اخرى من الثقافات الباطنية السرية التي اتبعت التقية والتراسل السري بين الوكلاء والاتباع والمريدين في صناعة ثقافة نوع اخر، تلك التي تعتمد العنف المضاد، العنف النفسي والتأويلي.
ان تاريخ العنف السلطوي/ السياسي/ الاجتماعي خلق له امتدادات نفسية داخل الشخصية وداخل المجتمع، لان السلطة، اية سلطة كانت سياسية او ابوية او دينية تكرس نمطها عبر قيود الانتماء والمصالح والتبعية وطبيعة نظام العمل وتأمين مصادر العيش والتربية، وهذا بطبيعة الحال يحدد العلاقة بين السلطوي والاخر وفق سياق يخصي الخصوصيات، ولايؤمن بالخروج عنها، يفرض شكلا من التماهي القسري. ولاشك ان تراكم رهاب هذه العلاقة اسهم في تشكيل علاقات اجتماعية/ثقافية فقهية تقوم على التطرف في القراءات النقلية وفي التقليد والتبعية، تلك التي خلقت لها رموزا وشفرات وسياقات وايهامات اكتسبت نوعا معقدا من(الثقافة) الاطارية التي تبرر اي سلوك واي موقف واي عنف، لانه سيخصع لتوصيف الايديولوجيا الدفاعية التي حددها شكل العلاقة المعقدة والغامضة بين التابع والمتبوع او الحاكم والمحكوم او بين الصاحب والمريد.
ان خطورة العنف داخل هذه الانماط الثقافية، تحوّل الى ظاهرة قهرية انعكست على انتاج ظاهرة الدولة وظاهرة المجتمع، اذ ان الدولة الشرقية خاصة شرقنا العربي والاسلامي ومنها الدولة العراقية، ظلت قرينة عنف متواصل، لان اصل هذه الدولة كان يقوم على فكرة عصاب النوع، وعصاب فكرة الرعوية، وعصاب فكرة القوة والسيطرة، لاتؤمن بالتعدد والاختلاف والحوار الاجتماعي والثقافي، لاتؤمن بالحريات وانتاج الافكار وتداولها خارج سياقها، وهذه العصابات هي اشكال عنف الدولة الذي خلق له مريدين ومهرجين ووعاظ ونصوص اكتسبت فيما بعد شكل المقدس وحتى التابو الاجتماعي. كما ان المجتمع بغياب الدولة العادلة تحوّل الى مجتمع طبقي ومجتمع سياسي وطائفي تتشرعن فيه مفاهيم القوة والعنف الاجتماعي والاقتصادي والسلوكي والثقافي بين القوى المتخاصمة، وانا اعتقد ان تاريخ العنف في الحياة العراقية هو في الاصل نتاج لعنف هذه الدولة التي لاشكل واضح لها، بدءا من دولة المناذرة ودولة الحروب خلال الفتوحات الاسلامية وصولا الى دولة الامويين ودولة العباسيين وحروب هولاكو وجنكيزخان وتيمور لنك والسلاجقة والبويهيين والصفويين ودول الخروف الاسود والخروف الابيض والعثمانيين وانتهاء بنمط الدولة الانقلابية الاكثر رعبا الذي بدأ منذ عام 1963 الى 2003. لان هذا العنف اسهم في صناعة سياقات اجتماعية ووظائف وتوصيفات رمزية مثل وظائف العسس والبصاصين والسيافين واصحاب الحسبة ورجال الامن والمخابرات والقناصين.
ان الشخصية العراقية شخصية تنتمي الى المناطق السهلية المعتدلة، وهذه الشخصية لايمكن ان تميل الى الطابع السلوكي العنفي، ولعل هذا التوصيف جعل البيئة العراقية اكثر حيازة على شخصنة الخصائص الثقافية كالشعراء والحكماء والعلماء، وابعد عن الغلظة والسلوك الوحشي وان العنف في هذه البيئة هو دائما عنف من بيئات خارجية، ولعل اية مراجعة للطغاة الذين مارسوا العنف في البيئة العراقية او الذين خلقوا سياقات ووظائف له نكتشف انهم غير عراقيين في الاصل!
ومن هنا اجد اعادة انتاج الدولة كسلطة ونظام للحكم والوظائف، هو المدخل الاساسي للتعاطي مع اشكالات ظواهر العنف السياسي، لان هذا العنف هو الذي انتج وحمى ظواهر العنف الثقافي واللغوي ومظاهر التطرف الفقهوي وحتى الحروب العشوائية التي احتشد بها تاريخنا القديم والجديد. اذ ان هذه الدولة هي المركز الاشكالي الذي نحتاج الى تفكيكه واجتراح سياقات مضادة لانتاجه تبدأ من التعليم الاولي والثانوي ومن الدرس الثقافي الاول ولاتنهي عند انتاج الكتاب والمعرفة التخصصية الاكاديمية والعلمية، لان تاريخ الازمة هو تاريخ طاعن في الجسد العراقي وبحاجة الى تطهير عميق، تطهير يرمم الخرابات ويؤنسن الوعي بالجمال والطبيعة والمدينة،ويعيد التوازن للشخصية العراقية في تعددها وتلونها، واحسب ان موت الدولة القديمة هو موت المركز الذي انتج المحنة وانتج القاموس القديم، وجعلنا عاطلين عند المقبرة والسجن والمتحف والمنفى..
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. -نأكل مما رفضت الحيوانات أكله-.. شاهد المعاناة التي يعيشها ف
.. القيادة الوسطى تعلن تدمير 4 طائرات مسيرة للحوثيين كانت تستهد
.. ميليشيات إيران في سوريا.. قصة عقد وأكثر | #الظهيرة
.. السلطات الأردنية تؤكد أن التضامن مع غزة عبر مسيرات شعبية لا
.. السلطات الأوكرانية: ثلاث محطات طاقة أوكرانية استُهدفت بقصف ر