الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضرورة النقد ضرورة العقل

عمار ديوب

2008 / 2 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


يتغذى النقد اللاعقلاني في العقل السياسي السوري من عقلية التكفير والتخوين والإدانة والعمالة والخطيئة.فهو جزء من بنية فكرية تقليدية قروسطية.فيها السيد هو المتحكم الأوحد في العائلة ،العشيرة،الطائفة،الإقليم،الدولة.إذن لم تحدث على عقلّنا تغيّرات حداثيّة تذكر.فهو عقل لا يحاور معرفياً ولا يستخلص منطقاً ،ولا يبني منظومة معارف.إنه العقل الأحادي الذي لا يراكم ولا يتطور.وبالتالي الحاضر والمستقبل في حكم القارتين المجهولتين عنه.
لا ديمقراطيته،تظهر من خلال موقفه من الأخر،فهو إن وُجد يكون:تابعاً،ملحقاً،مؤيداً،مصفقاً،رقماً بين الأرقام.وإن سها وشذّا لسبب ما فهو لا يمتلك حجة يدعم بها رأيه،أفكاره بلا أساس معرفي .وهو في أحسن الأحوال يبدأ بمقدمات خاطئة فيصل إلى نتائج خاطئة.هذه عينة من عقلية المنطق الصوري:فإما أنا أو لا آخر.فأنا إذن أنا وفقط.
الحوار التكفيري بين خطاب السلطة وخطاب المعارضة لا يتعدى ذلك.فالسلطة سيدة فيه ولا تبارى فيعرف من مقولاته أنه لها .فهي تعتبر المعارضة :خائنة ،عميلة، لا وطنية.لا ترى الظرف الموضوعي،ولا خطورة المرحلة،ولا اللحظة الراهنة.المعارضة- مالكة ذات الخطاب والعقل- بدورها تعتبر السلطة :خائنة ،عميلة ، وطنيتها استبدادية.وأحياناً يتم تلطيف الأحكام من الجهتين واستخدام مفردات تؤكد أنهما خاطئتين ولا تعطيا للشروط الموضوعية والعالمية ومستجدات السياسة والعصر أهمية تذكر بالفعل.
السلطة العربية الكثيرة الشك،الواثقة المتيقنة من معارفها بنوايا الآخرين ،حين ينفصل بعض أركانها عنها،تسارع إلى الاتهام.وقد تسخِّر مؤسسات الدولة الحداثية الممسوخة إلى سرد الحجج ونبش التاريخ وإظهار الملفات من اللوح المحفوظ واستدعاء الشهود.فكل شيء والحمد والشكر مسجل وعلى أتم منهجيات العلوم التاريخية والاليكترونية الحديثة. فيصبح المنفصل عنها أيضاً خائن من يوم يومه،وعميل أباً عن جدْ.ولا وطني .ألا يرى ظروفنا.وهو بالضرورة يخدم قضايا الآخرين.إنه بكلمة واحدة:عقل رئيس العشيرة ،عقل رجل الدين المآله ذاته،من أجل ذات الله؟!
وحين يكون المنفصل متصل بالسلطة وجزءاً منها يكون وطني بامتياز،فهو صاحب رؤية وعقل ويعمل لمصلحة الوطن والأمة والحاضر والمستقبل.وهو بالضرورة.وكتحصيل حاصل ضد المستعمر المغتصب الذي لم يشهد التاريخ الاستعماري مثيلاً يوازيه.النتيجة هنا هذا المنفصل المتصل ليس مواطن في الحالتين المذكورتين.
المعارضة لا تشذُُّ عن القاعدة.حيث أن الآخر يخدم السلطة وهو معيق لتقدم حركتها التاريخية وهو رجعيٌ في السياسة،ومتخلف ونظرته قاصرة عن مستجدات العصر والعولمة والعقلانية الواقعية ،ولديه حسابات كثيرة.إذن هو شخص لا يوثق به.وبالتالي أفكاره ضحلة وسطحية وليست ذات قيمة وملحق بالسلطة.عكس ذلك إن كان الشخص في المعارضة:فهو صاحب رأي ورؤية،لديه موقف شجاع وصلب،وهو مثقف وباحث وناشط.يعي المستجدات وروح العصر.ومُتجاوز للإيديولوجيات الشمولية من قومية وشيوعية.وإذا ما انتقد نفس الشخص أطروحات المعارضة تحوّل إلى عميل في الجوهر،وخائن لتطلعات الحزب والدولة والأمة.وهو رجل أدوار وباحث عن منصب بأي شكل.وأحياناً يتم البحث عن أصله الديني،فيقال أنه ينتقد لأنه ابن طائفة ما ،أو لأنه من أقلية ما ،وإذا كان من طائفة أكثرية فهو لا شك مضلّل وخاطئ،وربما يتوب،فالله مع التائبين.ومن الحجج الفائقة الأهمية في التاريخ العالمي كمعيار للتصنيف بين الأكثريات والأقليات،أن ابن الأقليات علماني فهو يُخفي طائفيته السياسية خدمةً لطائفته الأصلية.وإنّ ابن الأكثريات ديمقراطي ويريد الخير بالأقليات ويضمن مستقبلها وهو فقط النظام-الطائفي التوافقي"الديمقراطي"- الذي يحمي مصالحها ويخلصنا من الاستبداد. ولكن لماذا ؟الجواب لأنه نظام أكثري. وأية أكثرية ؟إنها الأكثرية الدينية العددية؟
يمكن سرد العديد العديد من أشكال المحاكمات الصورية والمتهافتة والتي لا تستند إلى أصل معرفي أو منطق حواري ولم تتجاوز عقلانية حداثة اللحظة الأولى ولا تعرف شروط الحوار والمناهج القادرة على تحليل الظواهر بشرطها التاريخي والبنيوي والمعرفي.وبالتالي ،ذلك العقل يسارع إلى إطلاق الرصاص كلما اشتبه بمختلف عنه، فكيف بمتناقض معه؟
هذه العقليات تحتاج إلى التفكيك والنقد والنقض الذي لا يراعي ولا يساوم ،لا يكذب،ولا يتملق ولا يطبطب على الظهر.لأنه ينتج معرفة .تستهدف الوصول إلى الترابطات بين الظواهر بقصد التقدم العام..إنه يريد بناء الوعي ،المنطقية في الوعي.استعادة كرامة الفلسفة والفكر وتغيير الوعي التقليدي المسيطر والمشوِّه لكل القضايا.والخاضع لايديولوجيا السلطة القائمة.وبالتالي لا بد من إخراجه من ذلك وإحداث نقلة في الواقع ،واقع البشر المشخصيين.وهو ذاته الفاعل في منطق خطاب السلطة وخطاب المعارضة.
بغياب النقد الحداثي، تُستعاد البنية القروسطية حيث التأييد،التكرار،النقل،الإكثار من الحواشي لا المتون،وطبعاً غياب السؤال المفتوح .الحضور الفاعل للسؤال المغلق القائم على الحفظ والايدولوجيا أي على السحر والشعوذة وعلى مبدأ "اسألوني قبل أن تفقدوني".
أيها القارئ الناقد ،مجتمعاتنا غارقة في النقل،إنها لا تزال تعيش عقلياً قبل قرون خلت من الآن.لم تصل إليها العقلانية أو العلمانية أو العلم أو الفلسفة.الدين يتربع في دماغها، ،الله سيد العطاء والأخذ،وهو هو الفاعل الواحد الأحد ، الذي يصول ويجول من على كرسيه أو بيديه في تفكيرها ويتحكم في سلوكها وأخلاقياتها وحتى الاقتصاد والعلم والطب يصبح دينياً. بفضله أو تتجاور مع الدين القيم العائلية والعشائرية والطائفية وأحياناً المناطقية.وبالتالي كل ما له علاقة بالأنا ،الفرد ،المواطنة، الحوار، النقد،هو تهديم لتلك الاستراحة الخالدة،لذلك التسليم المطلق،لتلك الاستقالة اللامحدودة،أو للإغفاءة التي لا تنتهي.
ما يؤسس الأنا ،الفرد ،المواطنة،هو العقل والعقل يتغذي من النقد والحوار والسؤال والعلم والفلسفة والعلمنة والحرية.العلم يعطي بعض الإشارات إلى ما هو كلي وواقعي ومشخص.ويؤكد على ضرورة الاشتغال بالعقل،ولكنه قابل للضبضبة وإحكام الدوائر التي يحاول فتحها.وبالتالي يقدم معرفة كلية عن ظاهرة جزئية.عدا عن انه لوحده لا يستطيع التغيير أو الانتقال إلى الحداثة،فالعلم قديم ويكون له دور نقدي فثوري في مشروع حداثي متكامل .ولذلك كان ما نُقل منه مشوَّهاً فغابت نقديته وبالتالي ثوريته.الفلسفة،تربط بين نتائج العلوم المختلفة ،تصيغ الكلي الجديد فيها ،تدعو إلى التفكير والتأمل والمنطقية والارتفاع عن كل ما هو شخصي .إلى ما هو أنا عام .أي أن الفرد مواطن في دولة.وله رأي في كل شيء.المواطن لا يبقى في شروط الحداثة فرد ،ذرة ،موناد فقط ،بل يصبح كون كما يشير الياس مرقص وهو ينخرط في الجماعة ويشكل هو وإياها كلاً مشتركاً ويحققون أهدافهم.يساعد في ذلك دون شك العلم والعقلانية والفرد والجماعة المنتظمة كمرتكزات للعالم.الفلسفة هي التي تدعو إلى أنسنة الإنسان والعلم والعقل –هنا نتجاهل الاتجاهات السياسوية في الفلسفة-.عند ذلك يأتي النقد المؤسس ،إشتراطات النقض ،البحث عن الجوهر،الوصول إلى القانون.وبالتالي المجتمع الحداثي.
الفلسفة الحديثة،دعوة مفتوحة لعقلانية إنسانية،إنها تهديم القائم بشروطه اللاعقلانية،والقامعة للّامحدود عند الإنسان وإبقائه محدود.إنها الداعية إلى الخلاص من عقلية السلطة والمعارضة القروسطية الما قبل حداثية وكذلك لما هو فاسد في الحداثة وما بعد الحداثة.الفلسفة تكاد تكون الغائب الأكبر في العقل السياسي السوري.البنية القروسطية تكاد تكون الحاضر الأقوى فيه.المواطنة التي هي نتاج العلمنة والعقلانية وشروط الحداثة المتزامنة مع صعود الطبقة البرجوازية ذات الطبقة التراتبية المفتوحة .هذه المواطنة وبغياب ما أشرنا إليه وما هو حاضرٌ سيد في العقل.تصبح مواطنة الأكثريةوالأقلية الدينية وهي سمة العقل المتخلف بإمتياز.أي حين يوقعن مفاهيم حداثية وفق مفاهيم قروسطية.
الحداثة تتطلب تجاوز عقلية ومنطق الدين،والعشيرة، والطائف،والإقليم.ولأنها كذلك بأساسها،فهي ترتكز على الفصل بين الدين والدولة،وعلى تحديث الوعي علمانياً وعقلانياً وعلمياً.إن ركيزتها العقل والفرد ولكن كذلك الدولة والمواطنة.وبالتالي العقل لا يتعارض مع الدولة والفرد كذلك لا يتعارض مع المواطنة شريطة أن تكون الدولة بمؤسساتها المختلفة وفي جميع مستويات المجتمع حداثية.وبتحقق ذلك يمكن أن تبدأ الحداثة.المواطنة تقود إلى الديمقراطية لأنها تستند بمعناه(كحقوق وواجبات) إلى العلمانية والمساواة القانونية بين الأفراد .مع المواطنة يتقدم النقد،وبتقدم النقد يتقدم العقل،وبتحقق ذلك إضافةً إلى الصناعة المتقدمة،يتقدم التاريخ.
عقلنا لا يزال أسير العقم،أي ما قبل الحداثة،فهو مفارق للتقدم وللحداثة.المفارقة أنه كذلك ليس بفعل الماضي لأن الماضي مضى وانقضى بل بفعل الحاضر الذي يستعيده ماضياً متخلفاً فيتخلف الحاضر فيه،ونفتقد المستقبل بحاضر ماضوي.وهذا ما يفتح المستقبل على أصوليات ماهوية وهويات قاتلة ودمار الذات والجوهر.عندها يتماهى الجنون مع الأصل كما أشارت الباحثة رجاء ابن سلامة في مقالتها الأخيرة"في الوضعية النكوصية".
سلطاتنا كما معارضاتنا لا تزال خارج شرط الحداثة.الحداثة التي تتطلب إعادة إنتاج مشروع الحداثة الأوربية ذاته،أي الاستغراب في ثورات أوربا كي نستخلص المفيد والضروري ونميزه بواقعنا وبذلك نبدأ تاريخاً حداثياً قابلاً للحضور لا الوجود الذي لا يساوى في استمرار يته الراهنة معنى الكلمات.
إذن لا نزال خارج التراكم الحداثي،فمجتمعاتنا وتفكيرنا وسلطاتنا ومعارضاتنا لا تزال خارج سياق التطور.حيث حداثتنا ممسوكة،ملجومة، منضبطة وبالتالي "مسخرة" وبذلك نكاد أن نصبح خارج التاريخ.هذا بفعل شروط إمبريالية عالمية ومحلية رأسمالية تابعة؛هذه الشروط هي ما تستدعى البنية القروسطية بكل تشعباتها.
هذا الفكر المعارض أو السلطوي،يحتاج كي يكون معارضاً وسلطوياً حداثياً، إلى النقد إلى العقلانية،إلى التنوير الأوربي وكذلك إلى المنهجية الماركسية النقدية وأيضاً إلى منهجيات العلم والعلم ذاته.

الحوار اللاعقلاني وأصالة عدم احترام الاختلاف وتجاهل الآخر.الماثلة في خطاب وعقل السلطة والمعارضة هو ما استدعى منّا النقد والتحليل.وهكذا لا يتحقق الخطاب العقلاني الحداثي،إن لم يتوقعن تحديث شامل في الاقتصاد والوعي والاجتماع والثقافة والفن والأدب والسياسة،فهل هذا ممكن قبل إعلان نعوة خروجنا من التاريخ.إنها ضرورة العقل ضرورة النقد.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سجال إيراني تركي.. من عثر على حطام طائرة رئيسي؟? | #سوشال_سك


.. السعودية وإسرائيل.. تطبيع يصطدم برفض نتنياهو لحل الدولتين وو




.. هل تفتح إيران صفحة جديدة في علاقاتها الخارجية؟ | #غرفة_الأخب


.. غزيون للجنائية الدولية: إن ذهب السنوار وهنية فلن تتوقف الأجي




.. 8 شهداء خلال اقتحام قوات الاحتلال مدينة ومخيم جنين والجيش يش