الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انفعالات تقاوم الريح

رحاب حسين الصائغ

2008 / 2 / 26
الادب والفن


للخروج من سنين الهلاك؛ والزحف خارج هموم الخوف وخيوط الوهم، لا بد أن نحتفظ بكثير من الهواء النقي، لا نترك فرصة لسرقة أحلام المرأة، رغم وضع المسامير في طريقها، اجتماعياً ثقافياً وأدبياً، نعم للمرأة قضية إنسانية مثل باقي القضايا المهمة.
تيار اللغة في الشعر يجلس خلف جدران معانيها مغلفة بالفكر، وللتحليل براءة تراقص مفردات مدلولها المبطن بالظاهر منها، أن ما يعمق وجه الأسطورة والعالم مفاهيم فكرية كالتي تملك الوعي القادر على إخراجها من قمم الوضع السائد، لذا الشعر يسطر مفاهيمه الانفعالية بصور مدهشة، حينما يكتب الشاعر أو الشاعرة عن المرأة، تزف الحركات والسكنات وهمزة الوصل وهمزة القطع، كعروس عذراء تغمرها الفرحة ساعة دخولها عالم الأنوثة.

الشاعرة فاطمة محسن، قصيدة( محاولة حياة) يغمرها حزن القهر الاجتماعي، ما أن تبحث عن مشاعرها هي، حتى تجد نفسها امرأة لا تعترف بصور الخداع، لأنها تُرسَمْ من خلالها كحروف نقوشها حزينة، تكتب فوق ميزان مواقيتها ما تريد هي كامرأة لتؤكد أنها الشاهد والجنازة، فاطمة محسن، بعمق وضعت المرأة والمجتمع الذي يتلاعب بمصيرها بألف وألف جانب من جوانب الحياة كي يخضعها، أما هي لها نظرة فاصلة تخطها من وجه نظر رؤاها كشاعرة، ليكن أمر المجتمع في حالة ابتعاد، تأخذنا إلى حالة، أسمتها في قصيدتها( محاولة حياة) تبدأ القصيدة بفعل أمر( اليوم) تشد بقوة على السكون، امرأة مستعدة لقبول حالة طارئ، بشجاعة تقدم على ما عزمت، بقولها:
اليوم
احتسي الجنون سأموت قليلاً
ثم أغير رأي
سأقرأ بودلير
ورامبو
لم تجفل من طهر التحدي واضعة احتمالات أخرى، قد تكون غير حميدة، لما هي مقدمة عليه، بإصرار المجرب، تقول:
فموعد لقائنا بعد ساعة
سأضع جسدي فوق فنجان قهوتك
وأترك خطوط كثيرة في الفنجان
لتقرأ لي
قصيدة طويلة تنبئ عن سفر
فغداً قد نموت مرة أخرى
شاهرة كل المفاجئات أمام مشاعرها والمجتمع، تتحدى بتفوق يعتلي صدرها كالثلوج التي تغطي الجبال، ربما آن للشمس أن تشرق، متى ما شاءت هي، وتغيب متى ما تشاء، بقولها:
من يرسم حلمي إذاً؟
أراقب سماء ابتسامتك
وأضحك
غداً سنرتبك مرة أخرى

يوم آخر
سنتحدث عن جنازتي
سأتظاهر بالحداد على نفسي
سأجالس الشاطئ وأرثيني
سأضع الزهور على قبري
وأتظاهر بالحزن
أن أكون موجودة في جنازتي
سأرى عينيك
وأبكي
غداً ستكون لي جنازة
هنا الشاعرة فاطمة تبحث عن المرأة التي من سالف الزمان، يريدون تشتيت ضفائر أحلامها على صخر حكاياتهم المشنوقة بالقالح من أفكارهم، وإرغامها على الخضوع لأفكارهم الشعثاء.

الشاعر عبد السلام العطار، فلسطين/ في قصيدة (لجف) وقصيدة (أرجوحة) يهدر بعمق في صوته تيار العصر إلى التقاط المفردة الساطعة برمزيتها عبر احتمالات التجربة الشعرية المخبوء في صميم الظاهر من وجه الحياة، وما أصابها من تهميش، الشاعر عبد السلام ممعن في حقن القصيدة بكل ما هو حديث وجديد الشعر مفردة(لجف) تعني البئر التي حفرت جانبها، تبرق قصيدته بصور مضيئة لحالة معاشة قد تكون متشائمة لكنها مفروشة بالأمل، تحمل نوع من العبث الساطع في الإسلوب، وللمرأة وجود مشار إليه بإبداع مميز، التخيل في القصيدة يبني تمايز ظاهر في أبراز الجانب الجمالي، بقوله:
ما زلت تسمعين القهوة
وتشربين فيروز الصباح
وأنا أنتظر المذياع
لكي أدرك أنكِ في الشغف العالي.
ذبُلَت رائحة القهوة
وانطفأ بلور الشجن
ومازلت..
أنتظرُ..
أما قصيدة (أرجوحة) كتب هذه القصيدة بلون المشاع الواسع من فقرات مؤطرة بفراغ غير مفتوح، تحمل باطنها انفعالات للشاعر عبد السلام، صور لها شظايا ترتقي بجذر مموسق في المعنى، لحياة تطغى عليها البراءة ويغلفها الألم، بقوله:
على شجرة التوت
نصبت أمي أرجوحة
وأختي (باسمة) تلهو بها إلى آخر القوس
أما أنا فلم أشتر الهواء..
وبعد أن كبرت
ما زالت أرجوحتها في صدري
تخفق..
رسم دقيق لمسارات عززها الشاعر بدقة في اختياره للمفردة، تشبه عملية الفارس المقدام، حين يَسَحِبُ القوس ويرمي بالسهم صوب الهدف، دون الوقوع في خطأ، بقوله:
وضفائرها سنابل .. أتبعها،
وتخفق..
تخفق..
ونهتفُّ الآن على وجهي!
الشاعران، فاطمة محسن، وعبد السلام العطار، استخدما مفردة ( فنجان القهوة) كلازمة عربية، تتقارب والسائد من العادات التي من الصعب رفضها ومع ذلك لابد من وجودها لما تحمل من نكهة تصاحب وجود الجمالية، كتبا باستحداث وعي يتقاطر من بين السطور في قصائدهم الخالية من فجواتها الهذيان، واكبا مرحلة القصيدة الحديثة خارجين من السقوط في برك الملل، القيا الضوء على جرح الإنسان العربي، وأدخلا المرأة في حتمية الفعل الحياتي، فكان باب الشعر مشرعاً على النفس والواقع بين رحلة القديم والحديث، مستندة قصائدهم على هالات متلألئة فوق إسطرلاب اللغة، تاركين طبول الموت تعلن عن نهايتها، أما الغد المجهول العنوان رسما له أفق جديد لعله يتوسم الخير في ليلة القمر فيها بدراً.

كاتبة: ناقدة من العراق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عبد الوهاب الدوكالي يحكي لصباح العربية عن قصة صداقته بالفنان


.. -مقابلة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ-.. بداية مشوار الفنان المغ




.. الفنان المغربي عبد الوهاب الدوكالي يتحدث عن الانتقادات التي


.. الفنان محمد خير الجراح ضيف صباح العربية




.. أفلام مهرجان سينما-فلسطين في باريس، تتناول قضايا الذاكرة وال