الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألعلاقة بين الانتماء الفكري والموقف السياسي والتنظيم الحزبي

محمد نفاع

2008 / 2 / 25
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


الاحزاب الشيوعية بمجملها او بمعظمها هي احزاب ثورية اممية ماركسية لينينية، ثورية بمعنى انها ليست اصلاحية، فلا تكتفي باصلاح وترقيع النظام الرأسمالي بل تهدف الى تغييره جذريا واستبداله بنظام خال من الاستغلال والملكية الخاصة التي هي اساس النظام الرأسمالي، ونقصد الملكية الخاصة لوسائل الانتاج. وثورية لأنها تعتمد اساليب نضال ثورية، قوتها ومحركها الطبقة العاملة وكل المستغَلين والمضطهدين عبر تراكمات المظالم وتراكمات قوة وتنظيم المتضررين من هذه المظالم وخاصة الاستغلال. والشيوعيون ليسوا ضد الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والدمقراطية، بالعكس فهم يناضلون من اجل ذلك، ولكن هذه الاصلاحات ليست المحطة الاخيرة، بل هي عامل مساعد للوصول الى الهدف، ان جوهر كل حزب شيوعي يتمثل بالهدف أي بالعمل على اقامة نظام اشتراكي، وبالطريقة المتبعة لتحقيق هذا الهدف، وبالحزب الثوري الطليعي وادائه وتنظيمه. بالاعتماد على القوانين الجدلية: التراكمات الكمية وحدوث التغييرات الكيفية، وقانون نفي النفي، وقانون وحدة وصراع الاضداد والذي هو جوهر الديالكتيك. وأحد الجوانب المدهشة لعبقرية ماركس وانجلز تتلخص في تماثل وتطبيق هذه القوانين المادية على المجتمع أي المادية التاريخية وأهمية الحركة الذاتية، وتبني وتطوير البديهة العلمية القائلة: لا توجد مادة بدون حركة ولا توجد حركة خارج المادة، والوصول الى النوع او الطور الراقي من الحركة وهو الحركة الاجتماعية، فمن الاجتماع والاضراب والمظاهرة وكلها اطوار من الحركة الاجتماعية الى الثورة الاجتماعية، وأساس العامل المحرك لهذا التطور هو الحزب الثوري ودوره كما جاء في كتاب "ما العمل" للينين والذي يعني: ما العمل من اجل اقامة حزب شيوعي حتى الوصول الى النظام الاشتراكي، وعندها يتطرق الى التنظيم الحزبي فيما سمي بحزب من نوع جديد.
ان الانتماء الفكري ووعي هذا الفكر هو الاساس لاتخاذ موقف سياسي صحيح. وفي تاريخ حزبنا الشيوعي مثل واضح على ذلك، فالانحراف الفكري، الانحراف عن الاممي الى القومي وضرب هذا التناسب ما بين الاممي والقومي لدى مجموعة من قادة الحزب – ميكونس سنيه - ادى بالنتيجة الى اتخاذ مواقف سياسية خاطئة جدا فيما يتعلق بطبيعة حركة التحرر الوطني العربية والموقف منها، وخاصة ثورة الجزائر، وكذلك النظرة الى الرفاق بحسب انتمائهم القومي، رفاق الاكثرية ورفاق الاقلية، ورؤية وزن الرفيق بحسب انتمائه القومي، الامر الذي ادى بهذه المجموعة الى الانفصال عن الحزب ومدح الاحتلال العدواني الاسرائيلي سنة 67 وبالتالي الاندثار بعد ان سرقوا اسم الحزب وضللوا عددا من الاحزاب الشيوعية لفترة قصيرة ومنها الحزب الشيوعي السوفييتي.
والآن وبعد هذه التوطئة المبسطة جدا، الى الموضوع العيني المقصود. من الطبيعي ان تكون لحزبنا الشيوعي مواقف سياسية ذات ثوابت تنطلق من فكره وجوهره الاممي والثوري، والقدرة والحكمة هي التمسك بهذه الثوابت الاساسية وجوهرها بالرغم من تغير الظروف وتعقيدات القضية، ونقصد القضية الفلسطينية.
فهل هنالك اساس لفروق معينة بين الحزب والجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة!! اعتمادا على ما تقدم، من الطبيعي ان تكون مثل هذه الفوارق، فالجبهة ليست فكرية، وليس كل من فيها يتميز بالعلمانية، وهذا لا يعيب، بل هذا هو الامر الطبيعي جدا دون اية حساسيات ودون أي تقليل ولو بمقدار ذرة من دور غير الحزبيين. فلا يمكن الطلب من الجبهويين غير الحزبيين اكثر من ذلك، مع ان الامر البارز هو العكس، فقلما تجد فرقا في المواقف والرؤية السياسية بين الحزب والجبهة، وهذا يدل على امرين: اخلاص وقناعة الجبهويين بهذا الطريق، وصحة المواقف الحزبية المبدئية المتراكمة والعريقة قبل قيام الجبهة وبعد اقامتها، في الجبهة يوجد غير شيوعيين، لكن لا يوجد معادون للشيوعية والشيوعيين، فلولا هذا الاطار الجبهوي لكان الجميع من غير الحزبيين مؤيدين للحزب ايضا، أي كما كان الوضع عندما الحزب الشيوعي خاض الانتخابات بقائمة تحمل اسم: قائمة الحزب الشيوعي وغير الحزبيين، وهذا ينطبق على وضع وتركيبة الجبهة اليوم، حيث لا توجد مركبات عدا الحزب الشيوعي.
ومع ذلك ومن اجل المحافظة على خصوصية الحزب وفكره، على هذا الحزب ان يبرز اكثر موقفه السياسي المبني على فكره وامميته، ولا توجد غضاضة ابدا ان انوجدت هنالك بعض نقاط من الفوارق مع الجبهة بالرغم من كونه المركب الوحيد والقوي والعمود الفقري في الجبهة ليس فقط في بنية وتركيبة الجبهة بل ايضا في نشاطها وفعالياتها، فاذا اصبحت الجبهة كالحزب تماما في مختلف النواحي السياسية والتنظيمية نكون قد اخطأنا الهدف الذي من اجله اقيمت الجبهة، فليس من مصلحة الحزب ابدا ان يتنازل عن أي من ثوابته الفكرية والطبقية وبالتالي السياسية كُرمى للجبهة وكأن هذا هو احترام وتقدير للجبهة، وليس من مصلحة الجبهة ان يطلب منها نسخ الثوابت الحزبية ومنها التنظيمية، هنالك فوارق يجب المحافظة عليها لمصلحة هذا الخط، فالقضية ليست قضية مجاملات بل هنالك اساس فكري لهذه الفوارق، خاصة ونحن نطمح الى توسيع الجبهة ليس فقط على اساس فردي شخصي بل على اساس مركبات حتى مع احزاب وقوى سياسية لا تتماثل مع الحزب الشيوعي فكريا، هذا هو محور العمل الجبهوي، والمشكلة هي: ان يعمل الحزب للتماثل مع الجبهة وتعمل الجبهة للتماثل مع الحزب وكأنه ليست هنالك فوارق، هذه هي البلبلة وهذا هو الخطأ، فهنالك فرق واضح وطبيعي بين برنامج الجبهة وبين النظام الداخلي للحزب ليس فقط في المجال التنظيمي بل وبالاساس في الناحية الفكرية، في العلمانية وأسس الاشتراكية العلمية والمسألة الاساسية في الفلسفة والموقف الثابت والصارم والحاسم من المادة والوعي ومن المادية والمثالية وكل ما ينجم عن ذلك من تضاد خطير، هذا الامر يبدو طبيعيا جدا بالنسبة للشيوعيين، ولا يبدو كذلك ابدا بالنسبة لغير الحزبيين او لشرائح منهم دون ان يقلل ذلك ابدا من احترامهم ودورهم ومكانتهم.
في سوريا مثلا هنالك الجبهة القومية التقدمية واساسها حزب البعث العربي الاشتراكي، والحزب الشيوعي السوري بشقيه عضو فيها، لكن هذا الحزب الشيوعي له برنامجه ونظامه الداخلي وهو حزب شيوعي ماركسي لينيني، ولم يُذب نفسه بالرغم من انه ليس المركب الاقوى، اقول هذا بهدف الا يطلب من الجبهة اكثر مما هي، وألا يُطلب من الحزب ولو ادنى شيء مما يجب ان يبقى عليه كحزب في المجالات الفكرية والاممية والطبقية والاجتماعية والسياسية. هنالك نقاط التقاء يجب المحافظة عليها بمنتهى الوعي والمسؤولية، وهنالك نقاط اختلاف يجب المحافظة عليها بمنتهى الوعي والمسؤولية ايضا. اهداف الحزب ابعد وأعمق بكثير من اهداف الجبهة، وهذه الاهداف تتطلب تقوية الانتماء الحزبي والتمسك بها ليس ضدا في الجبهة بل لمصلحة الكفاح الحزبي والجبهوي، ومن هنا يأتي الاصرار على عدم تحويل الجبهة الى حزب، وعدم تنازل الحزب عن ثوابته في كافة المجالات، وأعود واؤكد ان هذا هو الاساس ولا تحل المسألة بالمجاملات او بالتفتيش عن نقاط التقاء لا يجب ان تكون خاصة في المجال الفكري الذي هو الاساس، وهذا الامر لا يجب ان يحدّ من نشاط وحضور الجبهة، وهذا الامر لا يجب ان يحد ابدا من نشاط وحضور الحزب الشيوعي، ليس من باب التنافس السلبي، بل من اجل مصلحة الكفاح المشترك، ولذلك فان كافة النشاطات والفعاليات السياسية من الطبيعي ان تكون باسم الحزب والجبهة عدا الفعاليات التنظيمية طبعا، وهذا ليس بديلا ابدا لنشاطات حزبية والتي يجب ان تتقوى وتتعزز في المجالات الفكرية والتنظيمية والطبقية والسياسية والاجتماعية، فالمجال واسع والحاجة ماسة، وهذه الامور يجب ان تجري بشكل طبيعي جدا ومفهوم جدا دون اية حساسيات وتبقى للحزب الشيوعي خصوصياته ومميزاته بالاضافة الى كونه المركب الاساسي وعمليا الوحيد لغاية الآن في اطار الجبهة، هكذا يجب ان يتعامل الحزب مع نفسه، وهكذا يجب ان تتعامل الجبهة مع نفسها وكل ذلك في جو من الثقة والانسجام والاحترام والوعي التام والضروري لدور الحزب ودور الجبهة. ومما لا شك فيه ان هنالك العديد من غير الحزبيين يلتقون مع الشيوعيين فكريا ايضا وهذا امر طبيعي وموجود منذ نشوء الاحزاب الشيوعية ولكنهم ليسوا منظمين داخل الحزب وهذا لا يقلل من دورهم ابدا، وفي نفس الوقت يجب ألا يهمل الحزب قضية التثقيف النظري والسياسي والعمل على توسيع صفوفه والاهتمام بنفسه اكثر، وشهدنا في الفترة الاخيرة انضمام العديد من الرفاق الجدد، او الذين عادوا تنظيميا الى صفوف الحزب في مناطق البطوف وشفاعمرو وحيفا والقدس وتل ابيب – وأخص بالذكر فروع شعب والمغار ودالية الكرمل وكفر ياسيف ويركا، ولا ننسى ايضا انضمام العديد من القوى والقوائم المحلية والاطر السياسية الى صفوف الجبهة فالبركة في اللمّة وكثر الايادي.
في هذه الظروف المعقدة والخطيرة في العالم والمنطقة وخاصة ما يجري على الساحة الفلسطينية، من المفروض والطبيعي جدا ان يبرز الحزب دوره السياسي ورؤيته الواضحة المبنية على هويته الفكرية الاممية والثورية. وهنالك تقدير كبير لدور هذا الحزب خاصة في القضية الفلسطينية، ويكتسب هذا الامر اهمية استثنائية والحزب يقترب من الاحتفال بتسعين سنة على تأسيسه، وهذا الامر ليس شأنا شيوعيا فقط بل انه دور جماهيري شعبي يهودي عربي يخص الجبهة ايضا، ان هذه المواقف الواضحة والمبدئية هي التي اكسبت الحزب هذا التقدير من قبل الشعب العربي الفلسطيني وقيادته في اطار منظمة التحرير الفلسطينية وحيث كان هنالك خلاف، كان الحق دائما الى جانب الحزب باعتراف قيادة هذا الشعب وفي طليعتها القائد الراحل ياسر عرفات ومنها اتفاق عمان مثلا او الموقف من دور وزيارة الرئيس المصري انور السادات الى اسرائيل.. وغيرها ليس بالقليل.
يعرّف المبدأ كالتالي: المبدأ هو مجموع مسار نقاط الانطلاق الاساسية. ومن هنا مواقف الحزب المبدئية، لأن المنطلق والاساس الفكري، هو ثوري اممي، وكل حياد مهما كان صغيرا عن هذا الفكر، يؤدي الى تشويش وتشويه وانحرافات في مبدئية الحزب وصحة سيره ومساره.
وأخيرا، تُراني اجرؤ على القول بان المشكلة ليست في هذه الفوارق بين الحزب والجبهة، بل احيانا في قلة او انعدام هذه الفوارق، الامر الذي يؤدي الى طرح دمج الجسمين في جسم واحد!! ولذلك على الجبهة ان تبتعد جدا عن كل ما يقربها من التنظيم الحزبي، وعلى الحزب ان يبتعد جدا عن كل ما من شأنه اضعاف جوهره الفكري والتنظيمي والطبقي والسياسي، وان يمهر ذلك بالتأكيد على هذه الفوارق وتوسيع صفوفه بالذات من هذا المدخل، حيث يبدو ان الذين لا يفرقون بين الحزب والجبهة هم كثر، وبذلك نحرر الجبهة من هذا الضيق ونحرر الحزب من هذا الضعف والضائقة في التنظيم.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في إسرائيل: خطاب غا


.. حركات يسارية وطلابية ألمانية تنظم مسيرة في برلين ضد حرب إسرا




.. الحضارة والبربرية - د. موفق محادين.


.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو




.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza