الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معاقبة أمريكا سورياً وسحر الرقم 99%

سعيد لحدو

2008 / 2 / 25
كتابات ساخرة


حدثان يهمان المواطن السوري بدرجة كبرى, وربما العربي أيضاً, حدثا في الأسبوع الماضي وأثارا فيضاً من المشاعر الجياشة: الأول حين وقف الوزير المعلم بعرضه وطوله خلف المنبر وأمام عدسات المصورين مصرحاً بأنه سيعاقب أمريكا رداً على العقوبات الأمريكية على متنفذين سوريين وتجميد أرصدتهم. والثاني الاستطلاع الذي خرجت به صحيفة الثورة السورية حول وجود الفساد في أجهزة الدولة, والذي جاء بنتيجة %99 من المستفتيين ممن يرون بأنه مستشرٍ وبخاصة بين كبار المسؤولين في السلطة.(انتبه لقدسية الرقم 99 في الميثولوجيا السياسية للأنظمة العربية)
بالطبع ودون أن يخامرنا أدنى شك بصدقية الحدثين. احترنا, ونرجو عذرنا في حيرتنا هذه, في أيهما أكثر صدقاً. ذلك لأننا اعتقدنا جازمين أن حكامنا لم يجدوا مبرراً لكلمة (صدق) فحذفوها من قواميس أنظمتهم كي لا تزرع الشك والريبة بين الحاكم والمحكوم. فالحدث الأول وهو القرار الذي اتخذه المعلم بمعاقبة أمريكا. وكما يقال في المثل السوري المعروف (ضربة المعلم بألف ولوشلفها شلف), يستدعي منا هذا القرار استنفار كل ما في تاريخنا وحاضرنا (دون أية ضمانة للمستقبل بالطبع) من مشاعر التباهي والتفاخر لأننا الوحيدون في هذا العالم ممن تجرأ على التفكير بمعاقبة أمريكا. هذه الدولة المتعجرفة بقوتها وبرئيسها المتزمت والذي لم يتعلم آداب الحديث مع أقدم عاصمة في العالم, تماماً كما عمل والده في مخاطبته أقدم حضارة في العالم.. إلا بالصواريخ والطائرات. ولكن ونحن مزهوِّين منفوشين بالموقف التاريخي والشجاع لمعلمنا هذا تردَدَ رنينُ كلماته بآذاننا كالأحجية لأننا أُخِذنا بنشوة التفاخر ونحن نتخيل ذلك المارد الأمريكي بكل عنجهيته يأتي ويركع أمام قدمي المعلم طالباً الصفح والغفران لأنه لم يكن يدري (مع مين كان عم يحكي). هذا إذا افترضنا أن نمرة رجل المعلم ظلت ثابتة على حالها ولم يتغير موقفه. ذلك لأن نمرة أقدام السوريين خاضعة ومنذ بداية حكم البعث للأخذ والرد بحسب الظرف والموقف السياسي للشخص.
ولما ذهبت السكرة وجاءت الفكرة, تساءلنا: ما الذي سيفعله المعلم فيما إذا واصل المارد الأمريكي عنجهيته ولم ياتِ راكعاً؟؟ لاشك أن وزير خارجية بهذا الحجم لا يلقي الكلام على عواهنه, و لا بد أن يكون قد حسب حسابه جيداً. فها هو قد تذكر أن مواطنين سوريين كانوا قد قتلوا في حرب تموز 2006 بسلاح أمريكي..وسيقيم (حرف السين هنا للاستقبال) أهاليهم دعاوى على أمريكا بهذا الخصوص. وفي الحقيقة أن المعلم كما معلميه لم ينسَ ولو للحظة أن مواطنين سوريين قتلوا في ذلك العام ولكنه لحكمة عظيمة حفظها ولم يرد طرحها إلا الآن. عملاً بالنصيحة: (إحفظ قرشك الأبيض ليومك الأسود) جاء اليوم على ذكرها وكأنه للتو اكتشف قارة جديدة. وها هي دماء السوريين تستخدم مرة أخرى سلعة للمتاجرات والمقايضات السياسية الرخيصة ورهينة المصالح الشخصية لأركان النظام. متجاهلاً أن القاتل الحقيقي هو إسرائيل وهي على مرمى حجر من دمشق ولا من يجرؤ على القول لها يامحلا الكحل بعينك, رغم كل ما فعلته وتفعله من انتهاكات فوق القصور الرئاسية أو غارات على مواقع سرية لا يدري حتى السوريون ما كنهها. إلى عمليات اغتيال وغيرها في وسط دمشق. والتي تجابه دائماً وأبداً بالعبارة المضحكة فاقدة المعنى ذاتها (سنحتفظ لأنفسنا بالرد في الزمان والمكان المناسبين) والذين لم ولن يأتيا أبداً في ظل هكذا عقلية تحكم البلد وتتحكم بمصيره.
هذا ليس هو السلاح الوحيد بيد المعلم لمعاقبة أمريكا خصوصاً إذا علمنا أن مكان تقديم الدعوى يشكل في الظرف الحالي إحراجاً للمعلم ولنظام القضاء السوري برمته. فإذا كانت المحكمة التي ستنظر في الدعوى سورية, فمن الذي سيضمن أنها ستبقى مستمرة حتى يتم اتخاذ القرار بشأنها؟ هذا إذا افترضنا في هذا القضاء الحد الأدنى من النزاهة والاستقلالية, ناهيك عن الكفاءة والقدرة لاتخاذ أي قرار هام. والشواهد على هكذا محاكم ولجان قضائية شُـكِّلت لدواعٍ سياسية وتم تناسيها بعد مدة قصيرة أكثر من أن تحصى, ولم تكن لجنة التحقيق في اغتيال الحريري الأولى كما لن تكون الأخيرة. كما إن التوجه إلى الأمم المتحدة لتشكيل هكذا محكمة لن يجدي نفعاً لأن المنظمة الدولية بقناعة النظام السوري كما أحمدي نجاد ليست سوى أداة لتنفيذ سياسات الدول الاستعمارية ولن تقف إلى جانب المظلومين بأي حال من الأحوال. لذا لم يعد أمام المعلم ورفاقه ممن حُجِزَتْ أموالهم في المصارف الأمريكية وضُيِّـقَ على تجاراتهم عبر المحيطات إلا وسيلة واحدة للتشفي من هذا الأمريكي المتغطرس ألا وهي (ثلاثية الصحافة السورية. وأقصد بها جرائد البعث والثورة وتشرين). هذه الصحف الثلاث التي وإن كانت في الحقيقة صورة مكررة لبعضها البعض, لكن تلك هي سر قوتها التي ستجبر بوش وأباه وكل عشيرته من آل كاوبوي للهرولة إلى دمشق ليعسكروا على الرصيف أمام وزارة الخارجية ريثما يحن قلب المعلم (ويجب أن نحدد أي معلم, لأن المعلمين كثر في هذا النظام) ويقبل بالصفح عنهم بعد تنفيذ شروط كل المعلمين.
أما كيف... فذلك هو بيت القصيد. بما أن هذه الصحف تطبع ملايين النسخ يومياً وهي كما هو معروف ومتعامل به من قبل كل مواطن سوري, لا تصلح إلا للف سندويشات الفلافل, وفي الوقت ذاته هي أرخص من أي نوع آخر للورق. يتم تحسين نوعية ورقها لتصبح صالحة للتصدير وتزاد النسخ المطبوعة ولتصبح مليارات عوضاً عن الملايين. وبما أن الاقتصاد هو عصب الحياة الأمريكية, يتم تصدير هذه المليارات من الصحف بعد تحسين وملاءمة النوعية لتغدو مناسبة للف الهمبرغر. وبعد تعويد المواطن الأمريكي على هذا المنتج السوري الفذ والرخيص, يتم إيقاف تصديرها فجأة وبدون سابق إنذار, فتكون إذاك الكارثة وتقوم القيامة على رأس الرئيس الأمريكي وإدارته. وحينذاك لن يكون أمامهم إلا الرضوخ لإرادة كل معلمي سوريا صغارهم قبل كبارهم. وهكذا يكون قد تحقق الوعد.
أما قضية الدراسة التي أجرتها صحيفة الثورة ونتيجة الـ 99% فهي لا تبتعد عن موضوعنا الأساسي ويجب أن يتم البحث عن ذلك الواحد بالمائة الضائع والذي لم نكن سنغفر له لولا أن للرقم 99 سحر خاص في نفوس السوريين الذين لم يعرفوا غيره في حياتهم السياسية الحديثة. والفساد الذي حاز على هذا الاجماع الكبير الذي لم يحز عليه الرئيس بشار نفسه في الاستفتاء الأخير إنما يدل على مدى الشوط الذي قطعته السياسة السورية الحالية في معاقبة أمريكا حتى قبل أن يتم الإعلان عن ذلك رسمياً . ألم يقل بوش, حتى ولو كان كاذباً يخفي أهدافاً أخرى, إنه سيخلق شرق أوسط جديد خالٍ من الديكتاتوريات الفاسدة؟ وأنه سيعمل على نشر الديمقراطية في دول الشرق الأوسط ؟ نكاية به وبأبيه وبكل كاوبوي من عشيرته سيعمل النظام السوري على عكس ما يريده الأمريكيون. وسيمعنون في الفساد حتى آخر ليرة في جيب المواطن. وسيضعون في السجون كل من لا يعجبهم تسريحة شعره حتى ولو كان أصلعاً. وسيمحون كلمة ديمقراطية ليس فقط من القواميس العربية بل وحتى من ذاكرة المواطنين ممن مازالوا يتمتعون بعد بذاكرة. وسيجعلون من إضعاف الشعور الوطني, لمن مازال يحتفظ ويعتز ببعض من ذلك الشعور, وتوهين نفسية الأمة (التي لم يُذكَر اسمها في المحاكمات) مادة للمحاكمات التي سيظلون يطيلون أمدها برفدها بمزيد من الوقود الآدمي رغم أنف الأمريكي المتغطرس.
وبعد... وكرمى لعيون كل من يملك رصيداً بالقطع النادر وبالمليارات من السوريين الذين تتردد أسماؤهم على ألسنة الأمريكيين, دلوا المعلم ورفاقه على أية عقوبات أخرى غير ما تم ذكره وفعله وهم سيتكفلون بالباقي إمعاناً في التنكيل والعقاب لأميركا.
فلتصمد أمريكا إن استطاعت هذه المرة أمام عقوبات الوزير المعلم الذي لايستطيع معاقبة المستخدم في وزارته دون إذن أولياء الأمر والنعمة من حوله. وإلا فإن طرق كثيرة للانتحار موصوفة ومجربة مازالت سالكة..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لما تعزم الكراش على سينما الصبح ??


.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة




.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?