الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(السميط) التركي في مواجهة الغزو الثقافي الامريكي

أدهم ميران

2008 / 2 / 26
العولمة وتطورات العالم المعاصر


العنوان ليس دعاية لكعكة السميط المشهورة في تركيا، وانما كان احد اهم محاور النقاش المهمة لأحدى حلقات برنامج (من الواقع) الذي عرضته شاشة قناة (العالم) الفضائية الايرانية الاسبوع الماضي، وجاء تحت عنوان "الوجبات العثمانية في مواجهة الغزو الغذائي الامريكي".
بعد ان عرضت مقدمة البرنامج تعريفا بالموضوع ومقدمة موجزة عن خطورة الوجبات الامريكية السريعة (كمطاعم الماكدونالد وغيرها) في بلدان العالم ومنها تركيا، عرض البرنامج احصاءات دقيقة حول انتشار هذه الوجبات وما تشكله من خطر في غزو ثقافة البلدان التي تتعاطاها، ما قد يؤدي بالنتيجة بتلك البلدان الى نسيان تراثها وثقافتها. وارتأى البرنامج ان تكون تركيا خير محطة للبرهنة على واقعية هذا الموضوع. حيث عرض بعد هذه المقدمة تقرير صحفي من انقرة يلقي الضوء على أفران عمل (السميط) التركي المنتشرة في انقرة وغيرها من المدن التركية ومدى اقبال الناس عليه وهم يتناولونه مع الافطار قبل ذهابهم الى دوائرهم، ويفيد التقرير ان عمل (السميط) وانتشاره لا يدخل ضمن مواجهة الغزو الغذائي الامريكي فحسب وانما هو لمواجهة الغزو الثقافي الأمريكي ايضا.

وهنا تنتقل مقدمة البرنامج بالصوت والصورة للقاء السيد طه عودة، الخبير في الشؤون التركية – استانبول. لتطرح عليه جملة من الأسئلة تصب في مدى تأثير الوجبات الامريكية السريعة وما تشكله من غزو لثقافة الشعب التركي، وما مدى تأثر الطلاب والشباب التركي بالثقافة الامريكية لتناولهم وجبات (ماكدونالد) والوجبات الامريكية الاخرى، وهل سيترك هذا الشباب تبعا لذلك تراثه لصالح التراث الامريكي؟، وما مدى امكانية تصدي (السميط) لهذا الغزو الثقافي؟!!
فيجيب الخبير طه عودة قائلا: ان انتشار السميط متوازن مع انتشار الوجبات الامريكية السريعة، ما يمكننا من الاستدلال على عدم امكانية تأثير الثقافة الامريكية في الشباب التركي كل هذا التأثير. وهنا يحاول الخبير ان يتماشى ويتماهى مع ما ترمي اليه مقدمة البرنامج من ان الوجبات الامريكية هي مؤامرة وعدوان لغزو بلداننا وينبغي معاداتهم نحن ايضا في مجال الاقتصاد ومجالات اخرى. ويسترسل السيد طه عودة ليثبت بالدلائل والوقائع السياسية الدامغة بأن عمل السميط ازداد انتشارا وازدهارا بعد وصول حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الاسلامي الى دفة الحكم في تركيا عام 2002، وان الحكومة التركية الجديدة استطاعت ان تزيد من عمل كعكة (السميط) التركي في ارجاء تركيا ليزيد ذلك من العداء للأغذية الامريكية ومواجهة خطر الغزو الغذائي والثقافي الامريكي، وهو ما اثر في الوقت نفسه بشكل كبير على العلاقات السياسية مع امريكا، وأدى بالحكومة من خلال هذا العمل وغيره الى فتور في العلاقات الاقتصادية والثقافية بين امريكا وتركيا.
وحسب الخبير فإن الحكومة التركية ساعدت في تطوير وزيادة انتاج وانتشار عمل كعكة السميط للحفاظ على تراث تركيا من النسيان !!!

وهذا منحى خطير في السياسة يقودنا الى أن احد أهم اسرار مواجهة الغزو الثقافي الامريكي هو معاداة اكلاتها اولا، ومن ثم اذا ارادت دولنا ان تغزو امريكا أو اوربا ثقافيا فما عليها سوى تصدير (الباجه، والكوارع، والملوخية، وزنود الست، والسميط) الى تلك الدول ليتناول شباب اوربا هذه بالأكلات، فيتأثر بثقافة دول مصنعيها، الامر الذي قد يؤدي بهم في النهاية الى نسيان ثقافتهم ويتشربوا بثقافتنا!!.
ثم يلتقي البرنامج ايضا عبر الهاتف الكاتب والصحفي ابراهيم اقبابا، ليدلي هو الآخر بدلوه في الموضوع، حيث يصف الكاتب عمل كعكة السميط بأنه تحدي ثقافي للغزو الثقافي الامريكي وانها اكثرصحية من الوجبات الغذائية الامريكية السريعة.

اي منطق تدفع به هذه القناة او تلك من القنوات التي لا يجول في خاطرها سوى شبح المؤامرات ونظرية المؤامرة لغزو بلادها وثقافتها وحضارتها، وحيث لم يبق لأمريكا من مسلك للغزو سوى وجباتها السريعة. هل من المعقول ان كل ما تصنعه امريكا او تنتجه من اكلات او حفاظات للأطفال (دايبي)، يدرجه الاعلام الايراني وبعض الاعلام العربي على انه غزو ثقافي يسعى لمحو تراث بلدانهم؟!!
ثم ما هذه المحاولة العقيمة لتصوير خطورة الوجبات الامريكية السريعة وكأنها اشد خطورة وتأثيرا على الشباب وثقافتهم في تركيا وبلدان الشرق من اي خطر آخر، دون الاستشهاد ببقية المؤثرات الحقيقية التي يستخدمها الشباب ويتعاطاها او يتعامل معها في العصر الحديث من وسائل الاتصال الحديثة والقنوات الفضائية وانتشار افلام الاكشن الامريكية، او تكنلوجيا المعلومات والبرمجيات وشبكة الانترنيت العالمية العملاقة التي تسيطر عليها امريكا، والتي صارت تدخل من اوسع الأبواب الى بيوتنا وحياتنا.
ألا يبدو ان كل هذا التنطع واللف والدوران من حلقة البرنامج هذه، هو لتوجيه رسالة مفضوحة مفادها ان مريكا ليست تعادي ايران والعراق فحسب وانما تعادي تركيا والمنطقة ككل، وأن غزوها الغذائي الذي بدأت تتنبه له الأوساط السياسية والاعلامية في المنطقة ليس بأقل خطر من الغزو الامريكي نفسه. الى درجة ان البعض من برامج المحطات الفضائية الشرق اوسطية، اتخذت من عملية تناول ابسط المواضيع والحاقها بقائمة الغزوات والمؤامرات منهجا واسلوبا لها، وهذا العمل يذكرنا بما فعله احد الطلاب حين اراد الاجابة عن سؤال: اشرح الفيل والنملة؟، فأسهب الطالب فيما يعرفه عن شرح الفيل، وحين أتى على شرح النملة ولم يكن يعرف عنها الكثير راح يقول: ان حجم النملة صغير جدا ولا يشكل سوى جزء صغير جدا جدا من حجم ذيل الفيل، فأما الفيل وراح ليسهب ثانية في شرح الفيل.

كفى هراءا ايها السادة، وكفى رؤية الاشياء من زاوية الغزو والمؤامرة، وكفى مبالغة وتأليها لأمريكا، فأنتم تسفهون قدراتها وتعيبون عليها من ناحية، وتسبغون عليها صفة الالوهية من ناحية اخرى، وكأنها لا تفوتها شاردة ولا واردة إلا واحصتها ووظفتها في غزوكم !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكوفية توشح أعناق الطلاب خلال حراكهم ضد الحرب في قطاع غزة


.. النبض المغاربي: لماذا تتكرر في إسبانيا الإنذارات بشأن المنتج




.. على خلفية تعيينات الجيش.. بن غفير يدعو إلى إقالة غالانت | #م


.. ما هي سرايا الأشتر المدرجة على لوائح الإرهاب؟




.. القسام: مقاتلونا يخوضون اشتباكات مع الاحتلال في طولكرم بالضف