الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشرعية والقانون

رمضان متولي

2008 / 2 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


موجة الإضرابات والمظاهرات التي شهدتها مصر مؤخرا جميعها جاءت مخالفة للقانون، سواء كان قانون العمل الموحد الذي فرض قيودا غريبة على حق العمال في الإضراب، مثل ضرورة موافقة ثلثي أعضاء النقابة العامة على الإضراب والإعلان عنه قبلها بخمسة عشر يوما إلى غير ذلك من القيود التي جعلت ممارسة هذا الحق مستحيلة، أو قرارات وزير الداخلية التي اعتبرت أي مظاهرة أو اعتصام غير شرعي إذا لم يكن هناك موافقة مسبقة من الجهات الأمنية بما يجعلها أيضا مستحيلة، ثم قانون الطوارئ نفسه الذي يجعل ممارسة أي حق مستحيلة.

لكن كل هذه المستحيلات أثبتت عمليا وبما لا يدع مجالا للشك أنها مستحيلات شكلية مادام الناس قادرون على كسر تلك القيود، ووضع القانون في موقف حرج بأن أثبتت حركة الإضرابات أن هذه القوانين نفسها هي التي تفتقد إلى الشرعية، الأمر الذي يلقي شكوكا واسعة – ليس على شرعية التحركات الجماهيرية – وإنما على شرعية القانون نفسه، وعلى شرعية السلطة التي تصدر هذه القوانين.

شرعية أي قانون أو إجراء لا تستند إلا على القوة المادية والأخلاقية التي تستطيع فرض هذا القانون وذلك الإجراء على الأرض، ومن هنا تحاول الحكومة أن تزعم أن قوانينها هي الشرعية وتحاول أن تجد لهذا الزعم تمثيلا حقيقيا من خلال استخدام أجهزة الأمن في فرضها. وبالفعل تستطيع أجهزة الأمن أن تفرض هذه القوانين طالما لم تواجه مخاطر حقيقية في صورة مظاهرات واسعة النطاق وإضرابات قوية تضم شرائح عريضة من المجتمع. ولكن حقيقة ضعفها وعجزها تظهر جلية وواضحة عندما تواجه بإضرابات واعتصامات تمتد من عمال المحلة إلى موظفي الضرائب العقارية وطلاب الجامعات وغيرها.

هذا عن عنصر القوة المادية التي تمتلكها السلطة، فماذا عن القوة الأخلاقية (العمود الثاني الذي تستند عليه الشرعية)؟ لقد فقدت الحكومة المصرية أي شرعية أخلاقية منذ أن بدأت تحتقر مشاعر الشعب المصري وتتعالى على رغباته، ومنذ أن بدأت تتبنى سياسات معادية لطموحات هذا الشعب تكسب بها ود من تعتبرهم أغلبية الشعب المصري أعداء لها، بل وتبنت وطبقت سياسات اقتصادية ضد مصالح الغالبية العظمى من أبناء هذا الشعب من أجل خدمة مصالح أقلية محدودة من أصحاب الثروة والنفوذ في الداخل والمؤسسات الدولية الداعمة للحكومة في الخارج.

ولأنها كذلك، فلم تستطع إقناع هذه الغالبية بأنها تعمل لصالحها، بل سعت دائما إلى تأكيد أنها قوة فوقها تحكمها وتفرض إرادتها عليها. تجلى ذلك بوضوح في تصريح وزير المالية عندما واجه إضراب موظفي الضرائب العقارية قائلا "محدش يلوي دراعي"، ومع ذلك فقد كادوا أن يكسروه. وتجلى ذلك أيضا في الشعار الذي تصر عليه وزارة الداخلية بأن "الشرطة والشعب في خدمة الوطن"، مع أن الوطن نفسه لا شرعية له إلا بالشعب، ولا معنى له إلا باعتباره ملكا لهذا الشعب (على الأقل من الناحية النظرية!!). وعندما يحين موعد خداع الشعب بأن إرادته هي الحكم والمرجع في أداء السلطة – أي موعد الانتخابات – تلجأ السلطة إلى التزوير، وكأنها بهذا التزوير تستطيع أن تكون سلطة شرعية!

غير أن حقائق التاريخ تثبت أن أي سلطة لا تستطيع أن تحظى بالشرعية اعتمادا على القمع والتزوير مهما طال بها الزمن. وقد أثبتت حركة الإضرابات العمالية الأخيرة أن التزوير فشل فشلا ذريعا في استيعاب مظالمهم حتى أن عمال المحلة انتخبوا نقابة أخرى بديلة عن النقابة التي فرضت عليهم بالتزوير. كما أن الاتحاد العام للنقابات أثبت عجزا شديدا ومخزيا عن التفاعل مع هذه الحركة العمالية فأصبح عبئا على السلطة حتى أن وزيرة القوى العاملة انتقدته علنا لإخفاقه في التعامل مع حركة الإضرابات. والمعضلة التي تواجه المجتمع المصري الآن تتمثل في أن تنتج الحركات الاجتماعية الراهنة تمثيلا سياسيا لها يكون قادرا على فرض شرعية حقيقية تستند إلى دعم جماهيري وشعبي وتكون تعبيرا صادقا عن إرادة هذا الشعب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر يبدع في تحضير جاج بالفريكة ????


.. ما تأثير وفاة رئيسي على السياسة الخارجية الإيرانية؟ • فرانس




.. كيف سقطت مروحية الرئيس الإيراني رئيسي؟ وما سبب تحطمها؟


.. كيف حولت أميركا طائرات إيران إلى -نعوش طائرة-؟




.. بعد مقتل رئيسي.. كيف أثرت العقوبات الأميركية على قطاع الطيرا