الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة التنافس

سعدون محسن ضمد

2008 / 2 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


عندما يرفض راكب الكيا صباح كل يوم أن يدفع كامل الأجرة لسائقها وهو يلعن جشعه. فإنه لا يكشف سوى عن جشعه هو. كما أن السائق وهو يعتبر اعتراضات الركاب على تصاعد الأجرة نوعاً من أنواع اللصوصية فإنه يكشف عن لصوصيته هو. الأمر بسيط لأن كلاً منهما ينطلق عن نفس الدوافع ويحاول أن يحقق نفس الأهداف. كلا منهما يحاول أن يحقق القدر الأكبر من مصالحه.
وعندما يلعن العربي العراقي حرص الكردي العراقي على ضم كركوك لإقليم كردستان فإنه يلعن أيضاً حرصه هو على بقائها خارج الإقليم. فالموضوع ينطوي على تناقض مضحك جداً. ذلك أن الحرص على المصلحة دافع فطري وهو سلوك بشري متوقع. وهو كسلوك إما أن يكون مقبولاً على كل حال أو مرفوضاً على كل حال. بالتأكيد هذا الكلام لا يشمل حالات التنافس غير الشرعي. إذ هناك فرق واضح بين الراكب الذي يحاول أن يدفع أقل قدر ممكن من الأجرة، وبين الذي يحاول أن يجد وسيلة لسرقتها من السائق. الأول مُنافِس والثاني سارق.
نادراً ما يدرك أطراف الصراع داخل سيارة الكيا حقيقة أن الصراع بينهما حق مشروع لكليهما، وأن كلاهما محق في دوافعه وشرعي في أهدافه. ومثل هذا الجهل مقبول بحكم تلقائية الصراع ويوميته. لكن غير المقبول هو أن لا يدرك أطراف الصراع السياسي حقيقة أن التنافس حق مشروع لكليهما. فهذا النوع من أنواع الجهل غير مقبول إطلاقاً. فعندما يعتبر أحد الأطراف السياسية بأن سعيه لتحقيق مصالحه ومصالح ناخبيه مشروع وسعي الآخرين غير مشروع فهو إما أن يكون جاهلاً بمعنى الصراع وشرعية التنافس ومثله لا يستحق الدخول لعالم السياسة وتمثيل الناخبين لأنه قاصر. أو يكون ناكراً لحق الآخر. بمعنى أنه أحادي النظرة، ولا يرى غير شرعيته هو. وهذا الآخر لا يستحق أيضاً تمثيل الناخبين لأنه متطرف. هذا حدٌّ من حدود الشرعية في الجدل السياسي. وحتى المحاصصة سواء أكانت حزبية أم طائفية يمكن لها أن تكون منتجة في حال أنها استندت لثقافة الإقرار بحق الآخر في دخول ميدان الصراع وامتلاك كامل أدواته. خاصَّة المحاصصة الحتمية كما هي المحاصصة في العراق وهي تعشش حتى بالمفوضية العليا (المستقلة) للانتخابات. إذ لايمكن لنا في ظل الظرف العراقي الراهن أن ننشئ مفوضية انتخابات خالية من المحاصصة. هذا واقع علينا الإقرار به. إذن فلنحاول أن نتحول لخيار الانتقال بالمحاصصة من كونها سعياً للإقصاء إلى كونها حقاً في امتلاك أدوات التنافس. فعندما يكون مجلس المفوضين وباقي هرم المسؤولين فيها نزيهين لدرجة معقولة فإنهم سيتمكنون من تشكيل فريق مؤهل لمنع الانتخابات من أن تكون لقمة سائغة لحساب أي طرف من الأطراف التي يمثلونها. بمعنى أنهم سيتحولون لدائرة رصد مُمَثِلة للجميع. وبالنتيجة يجب أن يقتنع كل طرف بحصوله على حقه الكامل بالتنافس ما يرغمه على الرضا بالنتيجة التي تكشف عن الحجم الحقيقي لناخبيه.
ثقافة التنافس النزيه لا يمكن الوصول إليها بسهولة فهي تعبر عن أهلية اجتماعية تنطلق من الكيا باعتبارها بيئة صراع بين متنافسين على تحقيق المصلحة، وتنتهي بمجلس النواب. ومع الأسف الشديد لا تكشف المؤشرات التي تعبر عن واقع هذه الثقافة عن أننا مقبلون على تحقيقها. لكن مع ذلك فانتخابات مجالس المحافظات ما تزال بعيدة. ما يجعلنا نتمنى أن يتمكن الكادر المسؤول عن نزاهتها باتخاذ القرار الحازم بالتحول بالمحاصصة في المفوضية من مستواها اللصوصي إلى مستواها التنافسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يتسبب بإقالة سفير بريطانيا لدى #المكسيك #سوشال_سكاي


.. فيديو متداول لطرد السفير الإسرائيلي من قبل الطلاب في جامعة #




.. نشرة إيجاز - مقترح إسرائيلي أعلنه بايدن لوقف الحرب في غزة


.. سلاح -إنفيديا- للسيطرة على سوق الذكاء الاصطناعي




.. -العربية- توثق استخدام منزل بـ-أم درمان- لتنفيذ إعدامات خلال