الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدوان التركي على الدولة العراقية

منذر الفضل

2008 / 2 / 29
دراسات وابحاث قانونية


في الأسبوع الأخير من شهر شباط 2008, قامت القوات العسكرية التركية بسلسلة من العمليات الحربية من قصف وقتل وتدمير ضد القرى الأمنة والجسور والبنية التحتية في كوردستان التي هي جزء من الدولة العراقية الفيدرالية طبقا للدستور العراقي لعام 2005 . وهذه هي المرة ال25 التي تتوغل فيها القوات العسكرية التركية في الأراضي العراقية بذريعة مطاردة حزب العمال الكوردستاني .
من الناحية القانونية فان الهجوم العسكري بالطائرات والدبابات وبأنزال قوات الجيش وضرب المنشأت والجسور والتسبب في ترويع ونزوح المدنيين يعد عملا عدوانيا يحاسب عليه القانون الدولي لأنه يهدد السلم والأمن في المنطقة المشتعلة أصلا بالتوتر وإنتشار الارهاب والاضطراب السياسي .
واذا كان النظام السابق وكما هو معروف قد أبرم إتفاقية أمنية مع الجانب التركي وتجددت هذه الأتفاقية عام 2007 بتوقيع وزير الداخلية العراقي جواد البولاني وبدون علم حكومة اقليم كوردستان , فأن هذا لا يبرر مطلقا قيام الجيش التركي بضرب الأهداف المدنية في كوردستان وتدمير الجسور وقتل المدنيين وحرق القرى وإتلاف الثروة الحيوانية وحرق المزارع والبيوت القروية لأن هذه الأعمال تصنف ضمن جريمة العدوان على دولة أخرى ويترتب على ذلك المسؤولية القانونية على الدولة التركية وبضمنها تعويض الضرر للمتضررين من الأفراد والشخصيات المعنوية وكذلك للدولة العراقية ولحكومة إقليم كوردستان , كما إن هذه الأعمال تنتهك قواعد حسن الجوار بين الدول وتمس بالسيادة للدولة العراقية الفيدرالية وبسيادة إقليم كوردستان الثابتة حسب الدستور العراقي النافذ (المادة 117 و المادة 121 ) .
إن مشكلة حزب العمال الكوردستاني ليست قضية عراقية وإنما هي شأن داخلي للدولة التركية ومن مصلحة كوردستان والعراق الأتحادي التعاون في حل هذه المشكلة وتأمين السلام والأستقرار في المنطقة لاسيما وإن القوة لا ولن تحل المشكلات الجوهرية المعقدة , وقد ثبت ذلك للحكومة التركية ولدول الجوار وللعالم بأن الحل العسكري غير مجد وليس صائبا إذ لا يمكن حل المشكلات من هذا النوع إلا بالحوار السلمي ووفقا لمبدأ حسن النوايا وحسب قواعد القانون الدولي والأتفاقيات الدولية ذات الصلة وفي ضوء إحترام قواعد حقوق الانسان ومنها حقوق الشعوب الثابتة دوليا والتي لا يمكن نكرانها أو تجاهلها إذ صار من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الانسان لكي لا يضطر المرء الى اللجوء الى التمرد على الاستبداد والظلم .
ولكن الذي يحصل في تركيا هو الظلم والأستبداد بعينه ضد الشعب الكوردي الذي يرفض بقوة الصهر القومي وإنكار الوجود وسلب الهوية الثقافية بسبب سياسة الأستعلاء القومي التركي وممارسات الدولة التركية البعيدة عن قواعد القانون الدولي والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الشعوب والقوميات وأهمية إحترام ثقافاتها وهوياتها ومعتقداتها .
لا يخفى على أحد إن حزب العمال الكوردستاني قد جنح مرات ومرات الى السلم والحوار الذي رفضته الحكومات التركية بحجة انها لا تتفاوض مع منظمات إرهابية , في حين إن وصف الارهاب لا ينطبق على منظمة حزب العمال الكوردستاني لأن وصف الأرهاب مفهوم نسبي يختلف من مكان لآخر ومن زمان الى زمان . ألم توصف منظمة التحرير الفلسطينية في فترة ما بأنها منظمة إرهابية ورئيسها السابق ياسر عرفات بأنه شخص إرهابي ومن ثم اضطرت دول العالم ومنها القوى الكبرى وإسرائيل الى رفع هذه الصفة لاحقا وجلس الجميع معا لبناء السلام الذي هو قانون الحياة ؟
إن ما ترتكز عليه الحكومة التركية من حجة في إن عملياتها العسكرية تدخل ضمن أعمال الدفاع الشرعي حسب أحكام المادة ( 51 ) من ميثاق الأمم المتحدة غير صحيح قانونا لأن المادة سالفة الذكر أوجبت على الدول الرجوع الى مجلس الأمن الدولي في حال وقوع أي تهديد عليها , إضافة الى أن المادة المذكورة تخص حالة الدفاع الشرعي عند حصول النزاع العسكري بين الدول , بينما الحالة الواقعة امامنا ليست نزاعا دوليا وانما حالة داخل الدولة التركية , وان تواجد قواعد متنقلة لحزب العمال الكوردستاني على الحدود الجبلية الوعرة بين تركيا وايران والعراق لا ينفي هذه الصفة الداخلية للنزاع .
إن قواعد القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار ومقتضيات الأعراف الدولية توجب على الحكومة التركية وقف هذه الأعمال العسكرية التي تدخل ضمن مفهوم العدوان دوليا aggression وسحب قواتها العسكرية من الاراضي العراقية واحترام السيادة للدولة العراقية الفيدرالية والدخول بمفاوضات مباشرة مع حزب العمال الكوردستاني لحل هذه المشكلة التركية الداخلية بروح العصر وبالحوار إنطلاقا من قواعد حقوق الانسان والاتفاقيات الدولية ذات الصلة التي توجب احترام حقوق الشعوب ومنها حق الشعب الكوردي وكذلك تعويض المتضررين عن الاضرار التي لحقت بهم وفقا لما بيناه , لاسيما وان حكومة إقليم كوردستان قد أعلنت مرارا وتكرارا بأنها لن تسمح بأي عمل يهدد علاقات حسن الجوار ولم تقدم لقوات حزب العمال الكوردستاني أي دعم مالي أو لوجستي أو عسكري وانما هي حريصة على تطوير العلاقات مع تركيا لبناء الأستقرار والسلم . فتركيا دولة جارة للعراق ويجب عليها احترام سيادته وسلامة أراضيه وتحافظ على استقرار أمنه لا بل دعمه ضد الارهاب والعنف بكل اشكاله وعليها إحترام قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بالعراق التي صدرت بعد 9 نيسان 2003 .
هناك عدة أطراف ينبغي عليها التحرك بسرعة لوقف هذه الاعمال العدوانية على رأسها الولايات المتحدة الامريكية بأعتبارها دولة محتلة للعراق طبقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم ( 1546 ) لعام 2004 وتقع عليها مسؤولية قانونية في حماية السكان المدنيين والدفاع عن سلامة الأراضي العراقية وفقا لقرار مجلس الامن الدولي رقم (1511 ) لعام 2003 المتعلق بسيادة العراق وسلامة أراضيه ووفقا لأتفاقية جنيف لعام 1949 والاتفاقيات الأخرى ذات الشأن , كما إن الحكومة العراقية التي هي معنية أصلا و بدرجة كبيرة وأساسية بهذا الموضوع عليها اللجوء الى مجلس الأمن الدولي لوقف الأعتداءات واستحصال قرار عاجل لسحب القوات التركية فورا من الأراضي العراقية وتعويض المتضررين .
من المؤسف حقا أن تكون جامعة الدول العربية ساكنة دون حراك دبلوماسي لوقف هذه العمليات التي تمس سيادة دولة هي عضو في الجامعة العربية ومن هنا نأمل منها ومن منظمة المؤتمر الاسلامي ومن مجلس الأمن الدولي ودول الأتحاد الاوربي ومن الولايات المتحدة الامريكية التدخل الفوري لوقف هذه الاعمال العسكرية والاسهام الجدي في ايجاد الحل السلمي لمشكلة حزب العمال الكوردستاني وللقضيىة الكوردية في تركيا , وبدون ذلك فان الجروح ستظل نازفة وتسبب التوتر المستمر وتضر بالأمن والسلم الدوليين وتتواصل انتهاكات قواعد القانون الدولي مما يزيد في معاناة الشعوب من كوارث الحروب وويلاتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة.. ماذا بعد؟| القادة العسكريون يراكمون الضغوط على نتنياهو


.. احتجاجات متنافسة في الجامعات الأميركية..طلاب مؤيدون لفلسطين




.. السودان.. طوابير من النازحين في انتظار المساعدات بولاية القض


.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بعقد صفقة تبا




.. مجلس الحرب الإسرائيلي يجتمع لدراسة رد حماس على مقترح صفقة تب