الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعيدا عن الواقع... ومن أجله

منير شحود

2003 / 12 / 16
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


لا أقول جديدا عندما أكرر أن حياة الإنسان هي أغلى شيء في الوجود, وأن جهد البشر يتمحور, أو يفترض أن يتمحور, حول احترام هذه الحياة كحلقة أهم في سياق احترام كل أشكال الحياة, والأرض التي تحتضنها. والاجتماعات البشرية كلها تحاول الارتقاء متعثرة بدناءة الغرائز التي جعلت لها امتدادات اخطبوتية تقنية, لعل السلاح أبرزها بما يمثله من تمادٍ للعدوانية الذكورية. وفيما يحدث ذلك فإن الانزلاق في هذا الارتقاء يتكرر مرارا.
ويمكن تشبيه الأمر بصعود تلة موحلة, يحاول كل مُرتق فيها أن يصعد على حساب الآخرين, متمسكا بهم, ولكنه لا يلبث أن يتزحلق بدوره بفعل تمسك الآخرين به. ولا يحاول من اقترب من القمة مساعدة الآخرين على الارتقاء بل, على العكس, فهو مشغول بمنعهم من بلوغها. وفي هذا الخضم الموحل ثمة من ينادي, بلا جدوى تقريبا, لتنظيم الوضع, واستبدال  الفوضى وتنافر الطاقات بالتعاون والتعاضد والإخاء.
وبموازاة ذلك كان التراث الروحي والديني للبشرية يتنامى محاولا الخروج من هذه الحلقة, ولكنه لا يلبث أن يعود دائرا في فلكها, أو ينقذ نفسه بالانفلات بعيدا عنها, فيهيم في نوستالجيا صوفيته.
وفي واقعنا الحالي لا يختلف الأمر. فنحن أسرى هذا الضياع, ومعظمنا لا يدرك أبعاده, لأن زاوية الرؤية لا تسمح بتجلي اللوحة كاملة أمامنا. أيمكن لقواعد اللعبة أن تتغير, فيحاول المستنيرون هدايتنا في الاتجاه الصحيح, أو ننير شعلة الحب والخير في نفوسنا؟. وهل بالإمكان تجاوز الطبيعة البشرية, كامتداد للغرائز الحيوانية, بهدف الارتقاء والتلاقي على تبادل المصالح وتقاسمها, منطلقين من فهم الآخر من خلال الذات؟. إن التاريخ مملوء بالمحاولات التي, رغم تعثرها, تركت في نفوسنا وعقولنا قيما ومثلا قلما نفيد منها, أو لا يتاح لنا ذلك في زحمة تنافرنا.
لا توجد حدود للمحبة والخير والرحمة, إنها قِيَمٌ معولمة قبل أن تظهر العولمة وتتأدلج. فكيف للصراعات أن تعيش بلا أفق خيِّر أو لا تنشد الارتقاء إليه؟. إننا بحاجة إلى الفلاسفة والعقلاء والحكماء وروحانيي الأديان لإصلاح ما أفسده سياسيو فعل "ساس" على جميع المستويات. والحاجة ماسة لتفعيل نصفنا الآخر ليقوم بدوره خارج مؤسسات الذكورة وداخلها. والتأزم الحضاري الحالي من الخطورة بحيث أنه يستحق تحمل مخاطر "مغامرة" التجريب هذه.
مهما كان ذلك بعيد المنال, يبقى العمل من أجله مهمة راهنة, تبدأ من أعماق نفوسنا وتتجاوزنا إلى اجتماعياتنا, ولا تقف عند حدودها. فهذه المهمة النبيلة لا حدود لمجالات تحقُّقها, وهي تعمل على مستوى الأفراد مثلما تعمل على مستوى الجماعات. 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يقدمان التعازي -للشعب الإيراني-


.. كيف ستنعكسُ جهودُ الجنائية الدولية على الحرب في غزة؟ وما تأث




.. حماس: قرار مدعي -الجنائية- مساواة بين الضحية والجلاد


.. 50 يوما طوارئ تنتظر إيران.. هل تتأثر علاقات إيران الخارجية ب




.. مقتل طبيب أمريكي في معتقلات الأسد