الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بأسم الحسين

علي بداي

2008 / 2 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


حين كنت صغيرا ، كانت أمي كغيرها من الامهات تتعاطف بقوة مع ضحايا مجزرة كربلاء وبشكل خاص مع طفل الحسين الصغيرالذي لم يسلم من اجرام زمرة يزيد بن معاوية وجلاديه، وتنقل لنا تعاطفها واحساسها بالالم باعادة تصوير الحادث الماساوي ،" مجموعة قليلة من البشر باطفال ونساء منعوا عنها الماء وطوقها جيش الدولة من كل جانب ... تصوروا" ، كنت أتألم بعمق من جبن الناس في الكوفة وغلاضة قلوبهم، واخجل من الانتماء لهم وكنت اسال أمي بفضول هل ان الله قوي جدا ؟ فتقول بثقة: بالطبع ياولدي فهو اقوى الاقوياء وهو على كل شئ قدير فاسألها ثانية اذا ما كان الله يحب الحسين؟ فتفتح عينيها على اتساعهما دهشة: وكيف لا ؟ وهو ابن بنت نبيه ؟ ان الله يحب كل انسان لايؤذي غيره من الناس فكيف بالحسين ؟؟ فاعود اسألها بفضاضة الطفولة ونهمها للمعرفة وبصبر نافذ هذه المرة : لماذا اذن لم يساعد الله الحسين وابنه الصغير ويقتل يزيد بن معاوية؟ ويريحك من الالم؟؟ وكانت والدتي تنزوي خلف العذر الذي يلوذ به العاجزون حين لايجدون جوابا : لله حكمة في ذلك!! وكان عقلي الصغير انذاك غير قادرعلى فهم الحكمة الالاهية في ان يترك نفر من النساء وصغارهن والمرضى من اقاربهن فريسة لسيوف اصحاب يزيد.
في تلك الايام البعيدة ، وحين كنت لم ازل يافعا اصطحبني احد زملائي ذات مرة لحضور مجلس عزاء الحسين حيث سيد معمم شاب، جلس واخذ يعيد ماسمعناه من قصة الشهادة ومن ثم شرع بالقاء قصيدة على ايقاع ضربات راحات ا يدي الحاضرين على الصدورفيما يكتفي هو اثناءها بالتفرج على جموع الشباب اللاطمين على صدورهم او ذوي الزناجيل الحديدية ومنهم زميلي الذي تنهش الزناجيل الحديدية ظهره ، عجبت من هذا التناقض بين سلوك هذا المعمم وسلوك الحسين الشهيد فالحسين ضحى بنفسه في حين يضحي هذا المعمم بغيره وهو الذي يدعي فهمه لسيرة الحسين ويبكي كل مساء بحرقة ، ولعل اكثر ما المني، تلك الابتسامة الباهتة التي يرسمها المعمم على وجهه بتلذذ وهو يستثير حماس اللاطمين.
وتكررت زيارتي ليومين وثلاثة الى ان حان يوم، كان المعمم الشاب يطالب فيه الحاضرين بتوجيه اسئلتهم فرفعت يدي طالبا الحديث وتوجهت الوجوه الي لاني اصغر الحاضرين ربما، ولاني لم اكن معروفا لديهم فقلت: ياسيد انت مؤمن بالحسين الشهيد وهؤلاء الشباب كذلك فلماذا يلطمون هم وتقف انت متفرجا؟؟
جوبه سؤالي بعاصفة اعتراض ودهشة وهمهمات من الحضور ووقف احدهم رافعا يده مهددا: هل تشكك بايمان السيد وهو ابن رسول الله ؟ ومن تكون حتى تتجرء على مسائلته؟؟ وكان من بين المندهشين من سؤالي زميلي ذاته الذي اعرب عن ندمه على دعوتي لزيارة المجلس وفيما بعد ندمة على صداقته لي.ثم مالبث ان استحلفني باسم الحسين ان ابتعد عنه! ففعلت

كبرت، بعيدا عن صديقي القديم المتزمت ولم اره قرابة الستة اعوام حتى فاجأني ذات مرة في احد شوارع بغداد حاملا ار بي جي 7 في نهاية استعراض للجيش الشعبي البعثي ولم يستطع تفادي نظراتي كما لم اتمكن من الاشاحة بوجهي عنه في الوقت ذاته فهجم علي يعانقني ويسالني عن احوالي فقلت المهم احوالك انت فوجه عينين كسيرتين الى اتجاه غير محدد وقال: انا كما ترى سجلت بعثيا لان لاسبيل لغير ذلك! فقلت له: " انني كنت اتوقع هذا منك، الم اقل لك انني اعرف الحسين واقدره اكثر منك " ولااعرف بعدها ان كان صديقي السابق قد فهم ماقصدت.
كبرت اكثر وكبرت معي قيم الثبات على الرأي وكان للحسين الشهيد اثره البالغ في صياغة وعي المعارضة والتحدي لدي. وبذات الوقت كبر احتقاري لكل الذين يستغلون شهادة الامام الحسين، وكل الذين يعيشون على جهود غيرهم من الناس، وكل المدعين الذين يقولون مالايفعلون، وكل المتطفلين على جهل غيرهم من عاثري الحظ ، وكل الانتهازيين من كل صنف ومن كل لون
وقد كان من اخطائي انني طالما اعتقدت ان الناس البسطاء والاميين ، ضحية الاوضاع الاجتماعية والفقر الاقتصادي والمعرفي هم وحدهم من يعرف الحسين خطأ ، لكن تجربة السنين الاربع الماضية في العراق بينت أن الاستمرار بنهج تحويل العراق الى موكب عزاء دائم والعيش على ماساة الامام الحسين هو كل ماتملكه الاحزاب الطائفية التي يتزعمها الكثير من المتعلمين والذين اكملوا دراساتهم في اوربا.

لقد فشلت هذه الطائفيات فشلا مروعا في تقديم الحسين وصحبة الى العالم كفصيل مكافح ضد الاستبداد، ولم ير الملايين في تلك المسيرات الدموية سوى مازوكية شيعية تدمر نفسها عبر تطبير الرؤوس وجلد الظهور ، مازوكية تقابل الساد-مازوكية السنية السلفية المتمثلة بتدميرالنفس و الغيرعبر التفجيرات الانتحارية، اي اننا قدمنا الاسلام للعالم بفضل هؤلاء الطائفيين من الطرفين كدين، دموي، تدميري، متخلف ومهدنا لنمو الاراء المتطرفة في الغرب التي تطالب الان بمنع تداول القران واعتباره كتابا يشجع على الارهاب في حين يعج القران نفسه بالسور والاحاديث النبوية التي تدعوللسلم والاعتدال لكن اسلاميينا غير معنيين على مايبدو الا بارجاع التاريخ للخلف ، والا بثقافة الدم والايذاء بل الاصرار على ان يقرن استخدام الاطفال القاصرين في حفلات الدم تلك باسم الحسين.

وضمن حمى الاستعراض الطائفي اطلقت الاحزاب الطائفية بعيد سقوط النظام العنان لالاف البؤساء والمحرومين المدفوعين بدافع عقدة الذنب والشعور بالخطيئة لاستبدال رموز صدام حسين بالرموز الشيعية باسم حب الحسين فتحولت الشوارع التي كانت تحمل اسم صدام او اسماء القادة التاريخيين الى شوارع الصدر، ومستشفيات العباس، ومدارس الزهراء ،ومتنزهات الحسين ، واستبدلت جداريات صدام التي كانت تنتصب على حدود المحافظات الجنوبية بجداريات تصور ائمة الشيعة بمن فيهم الخميني وخامنئي دون ان تحسب تلك الاحزاب حسابا للاثر المدمر لهذه السلوكية الطائفية على تماسك المجتمع، ودون ان تبدي اقل تخوف من ان تلجا محافظات الغرب والشمال ( نتيجة رد الفعل ) الى اطلاق الاسماء السنية على شوارعها ومدارسها ومستشفياتها فتنقسم البلاد طائفيا الى عمربن الخطاب وعلي بن ابي طالب دون ان يكون للرجلين التاريخيين ذنب في ذلك ،ومالبثت هذه الظاهرة ان استغلت من قبل الارهابيين لترويع السكان من غير الشيعة وتخويفهم من دولة الشيعة القادمة المدعومة من ايران والتي ستهمشهم وتلقي بهم الى حافة المجتمع والتاريخ فبدأت اولى نذر الحرب الطائفية وهكذا ادخل الطائفيون الدين والحسين الى المجتمع العراقي كعامل خوف وفرقة وتحريض على العنف، كل ذلك باسم السنة من جانب او باسم الحسبن من جانب اخر.

رحم الله الحسين ! ففي كل مناسبة حسينية تجيش الدولة العراقية الجيوش بأسمه ، وتنفق الملايين من الدولارات التي يفتقدها الملايين من الناس المحتاجين لها بأسمه، لتمويل حماية مواكب المغلوب على امرهم في بلد يحتل المرتبة الاولى في العالم في عدد الارامل، والمعوقين، والفقراء، والمتسولين، والمجرمين، والفاسدين اداريا واخلاقيا نسبة الى سكانه ، وفي كل سنة تفاجؤنا الانباء باكتشاف تنظيم شيعي مسلح يعترض على وجود المهدي باسم المهدي، ويتهم الشيعة ببطلان تشيعهم وتمضي الدولة في تطوير منجزها الوحيد للان في توفير الحماية هذه المرة لاصحاب الحسين من اصحاب الحسين، وجبش المهدي من جند السماء، وجند السماء من اصحاب اليماني فالحرب القادمة شيعية ... شيعية ، قادمة لاريب فيها ، بل انها قد حلت منذ زمن، لكن العمائم التي دبرتها، تخطط لها ان تكبر ، هي حرب الحسين غلى الحسين، حين سيهب العباس لمبارزة العباس ، وتتهاوى رؤوس انصار الحسين بسيوف انصار الحسين، مثلما تطاحنت امل الشيعية مع حزب الله الشيعي باسم الحسين، سنرى كتلا بشرية هائلة سود اللون تغير على كتل سود اللون اخرى، ستترمل نساء ويعم البكاء، وتنطبق الارض على السماء، بأسم الحسين...
عبر تاريخنا الاسود المضمخ برائحة الدم، وهواءه المشحون بغبار حوافر خيول بكر وتغلب، قتلوا الناس اولا باسم القبيلة ،
وفيما بعد، بعد ان اصبحنا شعوبا واسسنا جمهوريات رعب قتل الحاكمون الاف الناس باسم الشعب عبر مجالس قيادة الثورة،
وفي ممالكنا المسلمة قتلت مجالس الشورى وهيئات الامر بالمعروف والنهي عن المنكرالاف الناس باسم الله
و ستنجز مسالخنا القادمة هذه المرة في العراق الديموقراطي بأسم الحسين...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب