الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شريفة!

إكرام يوسف

2008 / 3 / 1
الادب والفن


رشحتها إحدى المعارف لمساعدتي في أعمال المنزل.. ربة بيت صعيدية، لم يسبق لها العمل خارج بيتها.. دفعتها ظروف الحياة وضغوطها، وجدعنة فطرية تتمتع بها المرأة المصرية، للكفاح إلى جانب الزوج لمواجهة أعباء الحياة.. لاحظت أنها تتمتع بسذاجة منقطعة النظير لا تتناسب مع عمرها.. زالت دهشتي عندما عرفت أنها لم تعرف في حياتها سوى بيت أبيها حتى تزوجت في الثالثة عشر من ابن عمها، وجاءت لتقيم معه في إحدى ضواحي المدينة، ومن يومها لم تبارح البيت.. ربما لهذا السبب لم تستطع المدينة أن تلوثها، فاحتفظت بنقاء قلبها، وأصالة أخلاق تربت عليها في قريتها البعيدة.. نظافتها الشخصية لا تفوقها إلا نظافة يدها..أمانة منقطعة النظير، وعفة نفس، وترفع عن الحرام؛ قل أن تجد مثيلها لدى بعض أصحاب المناصب العليا.. المرة الأولى التي رافقتني فيها لشراء بعض مستلزمات المنزل، هالني انبهارها البالغ بما تراه في متجر كبير تدخله للمرة الأولى رغم أن العاصمة تزخر بالعشرات من أمثاله.. لن أنسى ما حييت هلعها وصراخها وتوسلاتها التي لفتت أنظار المتسوقين عندما جذبتها لنصعد على السلم الكهربائي!
خطر في بالي أن محو أميتها ربما يساعدها على تحصيل بعض ما فاتها من معرفة، ويزيد قدرنها على استيعاب ماحولها.. عرضت عليها الفكرة فابتسمت في حيرة، ثم قالت "ينفع يعني؟".. أجبتها "ولم لا.. تعالي نكتب اسمك.. شادية". كتبت لها حروف اسمها، وطلبت منها أن ترددها لتحفظها.. طريقة رسمها للحروف جعلتني أسرح بفكري.. ربما خسرنا رسامة مبدعة كان من المفترض أن تكون؛ لو لم تحرم في طفولتها من التعليم!.. فكرت أيضا في عدد المواهب ولعقول المبدعة التي كان من الممكن أن تكون لدينا لولا الأمية.. لعنة الله عليها وعلى أسبابها ومسببيها.
في اليوم التالي جاءت تعرض علي "كراسة الواجب"، قررت أن أمتحنها وطلبت منها أن تتهجى حروف اسمها.. قالت "شين، ألف، دال، ييه ،عين مربوطة" قلت لها غاضبة "الحرف الأخير غلط !".. قالت "ميم مربوطة".. كررت "غلط !" قالت "دال مربوطة"..ثم بنفاذ صبر وبلهجة صعيدية غاضبة "على فكرة بجى أنا ما اسميش شادية خالص"..فوجئت "أمال اسمك إيه؟"..ردت "أنا فعلا كان اسمي شادية في شهادة الميلاد.. لكن لما جم يجوزوني وعندي تلاتاشر سنة عملولي شهادة تسنين باسم شريفة عشان يعملوا سني 16".. وسألتها "يعني اسمك في قسيمة الزواج شريفة؟" ردت "أيوة"، سألت "وفي شهادات ميلاد أولادك؟" قالت: "شريفة".. تذكرت في جزع أنني شجعتها على عمل بطاقة شخصية حتى تستطيع فتح دفتر توفير.. وطلب منها الموظف شهادة ميلادها، فأطاعته وأحضرت شهادة ميلادها الحقيقية، وصدرت البطاقة باسم شادية!.. فكرت في مصيبة كونها تحمل الآن شهادة ميلاد تختلف عن اسمها في قسيمة الزواج.. أسرعت إلى التليفون أتصل بمحام صديق لأطلب منه إيجاد حل قانوني لتصحيح الاسم، كنت أتكلم معه بعصبية راجعة لإحساسي بالورطة التي أوقعت نفسها فيها.. وأنا أسهب في شرح الموقف للمحامي وأطلب منه سرعة التحرك.. وجدتها واقفة عند باب الحجرة تقول بلهجة أهل المنيا ذات الحروف الممطوطة "داني ماصدجت حفظت شادية.. هي شريفة فيها نوجاط (نقط)؟" .. بصوت يملؤه السخط، جاوبتها "فيها نجط وعين مربوطة كمان!"..
شريفة الآن تحمل بطاقة شخصية سليمة، وتستطيع أن تذهب إلى أي مكان وحدها، وتستخدم مترو الأنفاق دون خوف من السلم الكهربائي؛ بعدما تعلمت القراءة والكتابة.. بل أنها وعدتني أنها ستواصل المذاكرة حتى تستطيع أن تحمل عني عبء كتابة المقالات التي ترهقني!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لما تعزم الكراش على سينما الصبح ??


.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة




.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?