الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ويحلق ساق الخيزران

نبال شمس

2008 / 3 / 1
الادب والفن


كيف سأكتب عن شجرة الخيزران وأنا لا اعرف عنها سوى القليل مما قرائته في بعض المصادر. كيف سأكتب عنها وأنا لم ألمس سيقانها او اوراقها او انعم برائحتها. هراء مني ان افتعل الكتابة واعتصر حبري واقلامي عصرا كما الذي ينسج قصيدة وهو ليس بشاعر او كاتب.
منذ اسابيع طويلة لم اكتب اي حرف يحرر ثوراتي وطاقاتي, فالحروف بين مسوداتي عالقة تتراقص بطريقة عشوائية غير مفهمومة , عالقة تأبى ان تترتب في فكرة او حتى في نص يبحث عن فكرة.
كنت قد سُألت يوما لماذا أكتب, ثم اجَبتُ: اكتب بسبب كرهي للكتابة ولي كامل الحق ان امارس ما اكره, لكن احدا لم يسألني العكس: لماذا لا أكتب, وأنا كقارئة ذاتي أسأل ذاتي ذات السؤال, فهل ابحث عن اجابة فارغة المضمون او ربما ارمي بقلمي وأوراقي لابحث عن اجابة تلائم المضامين؟
أكتب, لا أرى نهاية لسيقان الخيزران المرسوم في مخيلتي وفي حلمي الذي يأبى مفارقتي.
لا أكتب, لا أجد أوراق الخيزران في الجولان ولا في الجليل, ولا حتى على الطرقات في أرض فلسطين, أرض البرتقال والزيتون والصبار, فالبحث عن فكرة, هو تماما كالبحث عن تلك الشجرة بين صخور الجليل أو شاطىء حيفا.
المؤثرات للكتابة كثيرة في زمننا هذا, لكني لم ابحث عن مؤثر يثير في عمقي الكتابة فهذياناتي واحلامي الكثيرة كفيلة بولادة الفكرة, فلا داعي للتنقيب عن حلم او حقيقة لتحتل فجر كتاباتي.
لا أكتب, اصبح اكثر تمدنا, ففي الكتابة أنا انسانة بدائية بيتي من ورق وفجري من مسودات عتيقة جفت عليها ثمالة القهوة, في الكتابة تكتسحني فوضى جميلة وبعض احلام اليقظة اهرب بها الى حيث انا موجودة ولست موجودة, استخلص من الحروف عصيرا معتقا انثره على صفحات ايامي المقبلة التي سوف تكون بلا نص او كتابة.
طقوسي في الكتابة معروفة وفي عدمها غامضة من الصعب تفسيرها, فعندما اشخبط اهرب الى زمان ما ومكان ما, لأحرر ذاتي الهاربة الى هناك, وفي عدم الكتابة ابقى رابضة في أرض الواقع وارض الزمان غير قادرة على رسم الحلم ولا على نقشه, غير قادرة على رؤية قوس قزح بين المطر والشمس بسبب مضلتي العصرية التي تقيني من المطر المجنون, فأبقى مكاني متخبطة الحلم في ارض الواقع دون اللجوء الى الابجدية.
لا اكتب, يعني ان اهمل اصدقائي وهم الفجر والصمت والحبر, في الفجر حيث اعلن احتضار مسوداتي القديمة وولادة مسودة حلم جديد حيث رائحة الاوراق ممزوجة بندى الصباح, فأولد من جديد واقضي من جديد, وأخوض اجمل المعارك مع الحبر ومع ذاتي التي تأبى خروج الشمس. أختار ان اقاطعهم ولا اقربهم , فيصبح الفجر باردا والصمت ضجيجا والحبر احمرا لا اطيق النظر اليه كثيرا. اضعهم في بوتقات غريبة خالية المعنى.
لا اكتب, يعنى ان اعدم الحروف في مسوداتي والانفاس في ابجديتي الشفافة, فعندها لن أركض تحت المطر دون مظلة, ولن القى طلابي في زمن رسمته لهم, لن استنطق الالوان من شخبطاتهم الغامقة والبسمة من ثغورهم المفتوحة, لن ادعهم يحلّقون معي من كراسيهم الى السماء, فعندها سوف أكون أنا التي لا احبها, أنا التي لا احب دعوتها الى حواكير الجليل لننثر على ترابه حلمنا, فعندما اعلن لنفسي بأني لن أكتب اي اني لا افتعل النص ولا اخضعه لمخاض عسير كي لا افقده سلامته فهنا تكمن قدرتي التي اكرهها في بناء طقوس قبَلية كفرد من افراد مجتمع لا يقرأ.

أكتب وأقرا هي العزلة التي طالما راودتني وتراودني, تسكن في داخلي وتأبى الخروج هي عزلة العودة الى ذاتي بعد ان اكون قد اقنعت نفسي كذبا بأني وجدت قليلا من ذاتي.
أكتب وأقرا اعلان وجودي غير الموجود في هذا الكون.
لا اكتب, يبقى ساق الخيزران محلقا مكانه نحو السماء لكن لا حلم له في ارض الاحلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل