الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خمس نقط لتفسير حل البديل الحضاري في المغرب

أحمد الخمسي

2008 / 3 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


عندما نجد أنفسنا أمام حدث مفاجئ يعلن الطرف المعني بمتابعة شأنه عن استثنائيته وفرادته، لا نملك إلا معالجة الموضوع من بوابة الشك في الطبيعة الأمنية للحدث! والمنهجية الديكارطية جزء من الحداثة الفكرية. إذا سبق لباسكوى وزير الداخلية الفرنسي أن صرح أن عبر عن نفسه بالقول"أنا أضرب إذن أنا موجود" لعبر عن انتمائه لحداثة المنهج الديكارطي، فمن حق الإعلام أن ينبني عند مفاجآت بالحجم المصوغ في الحدث الأمني السياسي أن ينطلق من منهجية الشك الديكارطي أيضا. ولا يجب التوقف عند الشك. بل المطلوب إعادة ترتيب الأوراق وفق النسق العام الذي تنسجه الدولة في أفق المخيال السياسي في الفضاء العام.

مما يرجعنا إلى النسق العام الذي يؤطر الممارسة السياسية للدولة في المغرب. فتكون التحالفات الخارجية أوجب الواجبات للأخذ بعين الاعتبار عند تلوين ملامح الظرفية السياسية بألوان معينة. ثم تأتي الأجندة السياسية الداخلية على المدى القريب. ثم في المستوى الثالث ياتي الانتباه لدروس الدولة من الماضي الذاتي لتجربتها الذاتية، وفي الترتيب الرابع تكون العضة من تجارب الأنظمة الشبيهة المحلية، وفي المقام الخامس تأتي صورة المجد المتخيل من طرف الحاكم نفسه منارة على شاطئ النجاة لتعيين اتجاه البوصلة التاريخية لسلوك الدولة في اليومي.

هذه هي الأطروحة المتبناة في هذا المقال كما يستدعي المقام. ثم بعد ذلك لنر ما كانت التطبيقات الجاري بها العمل الأمني والسياسي نافعة لمستقبل البلد أم لخبطة وارتجال فقط؟

فيما يتعلق بالتحالفات الخارجية للدولة، لا يوجد مبرر أقوى من اجتماع لندن، المنظم من طرف المعهد الملكي للدراسات حول الدفاع والأمن، لتزامنه مع اعتقالات الأسبوع الفارط. بحضور رئيس القيادة العسكرية الامريكية بافريقيا (أفريكوم) الجينيرال بيل إي كيب، لمناقشة ورقة عمل حول "الشراكة عبر الصحراء لمكافحة الارهاب". إن هيئة عسكرية أمريكية يستقر مكتبها بشتوتغارت بألمانيا، تجتمع بلندن لتواجه تحديات بالصحراء الكبرى، ألا تستحق أن تقدم لها التحية بكيفية عجيبة مثل السوريالية التي جرت في بلادنا هذا الأسبوع. فلا يمكن للجهات المعنية سوى إظهار الاجتهاد في العمل الأمني الداخلي لمواكبة الاجتماع بلندن.

أما ربط الحدث بالأجندة الداخلية على المدى القريب، فالأمر يقتضي الفعل في الساحة الأصولية قصد تخصيب المحيط الاجتماعي حيث تختمر الأوضاع المقلقة لتتحول إلى غضب سياسي يرتبط بالقوى الأكثر جدبا للشباب المهيئ للتسيس. فالأمر يقتضي رفع مصابيح لتضئ بجوار حزب العدالة والتنمية عبر الربط الطاقي ببطاريات أقوى من تلك التي تتجه رأسا صوب الانتخابات. لعل الدولة الآن مشغولة بتقوية حظوظ المشاركة السياسية سنة 2009، ولو أن الأمر حينئذ لن يتعلق بالشرعية السيادية بقدر ما سيتعلق بربط صلات الناخبين بالصناديق بدل الابقاء على القطيعة كسلوك غالب (أكثر من 60/°). وقد يحار المرء في تنويعات الحدث، أي مدى الجهد الذي بذله مهندسو الحدث حد العبث،"ليقحموا رمزين من دعاة الديمقراطية والرافضين لكل أشكال التطرف والإرهاب" حسب بلاغ البديل الحضاري نفسه، باعتقال تم بعد 24 ساعة من انتهاء أشغال المجلس الوطني الذي أكد في توصياته على أن خط البديل الحضاري في علاقته بالسلطة يطبعه الوضوح والاستقلالية واحترام القانون.

إن الأمر لا يقف عند تخصيب الحقل السياسي من حول "العدالة والتنمية" بل يتعداه إلى خلق نفسية البلقنة بين حزب الاستقلال وبين شركاء في الساحة الأصولية المعتدلة، مما يضع الغام الكراهية ما بين حزب الوزير الأول وبين الوسط المؤهل للتحالف معه مستقبلا. مما يرجع احتمالات التحالفات إلى دائرة القرار الأعلى من الأحزاب. غير أن الزاوية الثالثة للنظر في العجب العجاب وهو استفادة الدولة من ماضيها حول سياسة البلقنة تلك، قد نجد عند روني كاليسو وجاك كيرغوت الجواب في تصريح الراحل المهدي بنبركة عندما خاطب مسؤولي الحزب الشيوعي المغربي سنة 1959، طالبا منهم تفهم القرار القاضي بحل حزبهم بتوقيع من حكومة كان يرأسها عبد الله ابراهيم من تيار المهدي بنبركة من يسار حزب الاستقلال آنئذ. لأن الأولوية كانت في نظرهم نجاح الحكومة في مهامها الرئيسية، وقد طلب منهم التوقيع على حل الحزب الشيوعي. أما ذكاء صانعي قرارالدولة ساعتها فكان يقضي بإقالة حكومة عبد الله ابراهيم مباشرة بعد التوقيع على حل الحزب الشيوعي. فهل يتوقع خروج الاتحاد الاشتراكي من الحكومة بعد المؤتمر ثم أسقاط الحكومة برئاسة العباس الفاسي بعد ذلك؟ سوف تجيب الشهور الثلاثة المقبلة عن هذا السؤال.

وأما العنصر الرابع في الأطروحة المؤطرة لهذا المقال فهو استفادة الدولة من تجارب الأنظمة الشبيهة. إن النظام الملكي في المغرب ظل فريدا في افريقيا. وهو ضمن الأنظمة العربية لم يكن للغرب دور في تشكيل كيان الدولة مثل الأردن ولا يستند على بترول مثل ملكيات مجلس التعاون الخليجي. وله ملامح عديدة مشتركة مع النظام الملكي السابق في إيران، سوى أنه أقدم زمنا في التربة المغربية وضمن بلاد السنة الأقل عقلانية وحداثية من العقل الشيعي، وضمن الصخرة الديمغرافية السامية الشرقية بدل الارتباطات الآرية الفارسية. لكن السياق الراهن للقيادة الأمريكية للكرة الأرضية منذ منتصف القرن الماضي عبر الحرب الباردة وانتهاء بالعولمة الحالية، اقتضى اعتبار الولايات المتحدة حاملة رؤية كونية جيوستراتيجية تتفوق على رؤية القارة العجوز. مما يجعل سابقة الجينيرال شوارزكوف الذي أطاح بمصدق وأعاد رضا بهلوي إلى العرش في 18 غشت 1953، وجد ضمن النظام الأمريكي الذي تحالف معه النظام المغربي منذ اعتلاء الراحل الحسن الثاني العرش، سليل محمد الخامس الذي نفته فرنسا بعد يومين من ذلك، 20 غشت 1953.

وقد اكتسب النظام الملكي في المغرب من الدهاء عبر المحن التي قاساها من جانب فرنسا قبل غيرها، في سنوات 1912 و1927 و1947 و1953.....فعمل على تفتيت الأرضية الخام التي من الممكن أن تفرز تحالفات واسعة تصبح خطرا برلمانيا يفضي إلى تطبيق إصلاحات سياسية قوية ضمن البنيات الدستورية القائمة. وقد كانت سوابق الدول التي تغيرت أنظمتها السياسية سلميا من داخل النظام السياسي نتائج لمراكمة تحالفات سياسية برلمانية (ايران سنة 1951 واسبانيا سنة 1931). لذلك يتخذ قرار حل حزب البديل الحضاري من طرف الأمين العام لحزب الاستقلال هذا البعد في زرع الألغام هدفها الحفاظ على التفتيت النفسي للتحالفات الممكنة مستقبلا.

وأما النقطة الخامسة من الأطروحة، فهو نوع المجد الذي يتخيله الملك لنفسه، ضمن الحق في المصير الشخصي المتخيل، وهو صاحب الموقع التاريخي في بنية الدولة. فبالنظر إلى الاستقرار الذي ترسب في نفسية المجتمعين السياسي والمدني تجاه النظام الملكي، ليس من الغريب أن يتخيل الملك لنفسه نماذج من مصائر الملوك في العالم. وقد بصم الحسن الثاني البلاد بملامح طول عمر الملك (38 سنة) وبقوة السلطة وبالامتداد الدولي لسياسته الخارجية عبر المؤتمرات الإفريقية والعربية والاسلامية والعالمية التي استضافها المغرب في عهده. مما رسخ في ذهن العقل السياسي للدولة ذات التكوين اللغوي الفرنكوفوني صورة مقارنة للحسن الثاني مع لويس الرابع عشر. هاهنا تأتي لحظة التساؤل عن مصير خلفه لويس الخامس عشر؟ إنه الملك الذي نعم برصيد الاستقرار الذي تركه له أبوه. فطال عمر ملك لويس الخامس عشر أزيد من نصف قرن (1715-1772). فمن يمنع الخيال الفردي لأحد له كل الإمكانيات التقنية والمادية والثقافية من أن يجد نفسه أمام سنة 2056، مسؤولا عن بناء مشروع مجتمع حداثي ديمقراطي من الآن، على مهل، أمام العناصر الثلاثة: الدولي (شعار الحرب على الإرهاب) والإقليمي (صعود الأصولية الدينية كقوة رئيسية مناهضة للاستعمار في عهد العولمة) والمحلي (الحضور المكثف للطرفين تحت سقف الدولة المغربية).

مما يجعل الحدث الحالي مجرد ترتيب من الترتيبات الجزئية لبناء صرح أكبر وأوسع من مجرد اعتقال تشكيلة بشرية وعرض أسلحة صرحت الجهات الأمنية أنها وجدت ضمن البعض من المعتقلين؟؟؟؟

إن المسار الذي تستجمع الدولة اليوم عناصره، قد يصب في بناء مقومات حضارية بمثل الموسوعة الفرنسية وما أنتجته من حريات وابتكارات علمية وتقنية وتراكم ثروات مادية واغتناء روحي حديث وأصيل في نفس الوقت. لكن نفس الأفعال قد تصبح مجرد تكرار لانتهاكات جسيمة في مجالات سياسية حيوية تنفر الناس من المشاركة السياسية وتفرز في أذهان الناس صورة الغول والوحش المفترس عن الدولة. وليس من حق الدولة أن تنتج صورا مشوهة عن كائن خرج من صلب المجتمع نفسه.

وعلى الدولة أن تترفع عن مجرد إعادة إنتاج مسارات سابقة لتربح الوقت وتدبر الأزمات لا غير. لأنها مهما كانت مسافة الناس منها بعيدة فهي منتجة للقيم الأساسية في المجتمع. فإن لاحظ الناس أن الدولة لا تمارس أكثر من الميكيافيللية الخبيثة، فالتسمم الاجتماعي والثقافي والاقتصادي يصبح مشروعا للتعميم في المستقبل. مما ينذر بمراكمة ما يفرز ما هو أخطر من مجرد الميكيافيللية. فينقلب السحر على الدولة الساحرة وإن طال الزمن.

وحتى يتقلص المحتوى الميكيافيللي في الدولة والمجتمع لابد من التعبير عن التضامن مع مصطفى المعتصم ومحمد مرواني والأمين ركالة. وقد لا نحتاج إلى طريقة "كزانة ياميمونة يا المبخرة بالكامونة" لتحليل المعطيات السابقة. بل يكفي الرجوع عند بعض الشباب الثلاثيني الذين خبروا المسار الفكري والسياسي والتنظيمي للمعتقلين الثلاثة المذكورين ليجدوا للحدث آفاق أخرى غير السبب الأمني المباشر. فالمسار الشخصي للمحلل مصطفى الخلفي مثلا يكفي لتنوير الحدث وإخراجه من دائرة المجهول.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة